يثبت العلم قدرته على تحويل كل ضار بالبيئة إلى مواد نافعة. وبعد الاستفادة من النفايات البلاستيكية لإنتاج الوقود البيئي، نجح العلماء حاليًا في انتاج البلاستيك والبطاريات من أعقاب السجائر.
لا تقل مضار أعقاب السجائر على البيئة وصحة الإنسان كثيرًا عن ضرر السيجارة نفسها. وتزداد كل يوم قائمة العواقب الصحية الوخيمة للتدخين، تمتد بين ضعف نظام المناعة الجسدي والإصابة بسرطان الرئة الفتاك. لكن العلم يركز منذ عقود على مكافحة التدخين فقط، واضعًا ملف العواقب الصحية والبيئية لأعقاب السجائر جانبًا.
حياة جديدة فكرة التخلص بيئيًا من مضار أعقاب السجائر طرقت أذهان شركة صغيرة في برلين، تهتم بتدوير النفايات الخاصة. وأطلقت شركة تيراسايكل الصغيرة، التي ألفها ثلاثة شبان فقط، مشروع الاستفادة من أعقاب السجائر وما تحتوية من مخلفات كيمياوية بتحويلها إلى مواد بلاستيكية. واعتمدت الشركة، وهي فرع من الشركة الأم في الولاياتالمتحدة، طريقة خاصة لتحليل بقايا السجائر وأعقابها بعد خلطها بالمواد الطبيعية بهدف إنتاج البلاستيك منها.
وذكر فولفارم شنيله، رئيس الشركة في ألمانيا، أن الهدف من العمل هو منح أعقاب السجائر حياة جديدة لا تضر البيئة، بل يمكن إنتاج القوارير والأواني منها. أضاف: "الاستفادة من أعقاب السجائر في الصناعة يعني جمعها من البيوت والمدن كنفايات خاصة، وبالتالي تخليص البيئة من أعباء هذه العقب البيئية والصحية".
وأوضح شنيلله أن شركته ربحية وليست خيرية، لذلك تعمل مع الشركات المتخصصة بالتدوير من أجل تسويق اختراعها. وحققت الشركة في العام الماضي دخلًا وضل 17 مليون يورو، لكنها تأمل من خلال طريقة تدوير أعقاب السجائر في مضاعفة مداخيلها. وتشارك شركة فيليب موريس في المشروع ضمن مشاريعها الدعائية لجعل صناعة السجائر أكثر بيئية، وبالتالي أكثر قبولًا عند المجتمع.
996 عقب لكل ألماني تبدو صناعة البلاستيك من أعقاب السجائر ذات أفق، بفضل جيش المدخنين في ألمانيا. تشير احصائية وزارة الصحة الألمانية في العام 2013 إلى تدخين 82 مليار سيجارة سنويًا من قبل المدخنين الألمان (أي 82 مليار عقب)، وهي نسبة عالية قياسًا بنفوس الألمان الذي يقل عن 82 مليون نسمة.
وأنشأت شركة تيراسايكل مبادرة خاصة بها لجمع أعقاب السجائر، وتدعو جميع المهتمين إلى ارسال أعقاب السجائر إلى أحد مخازنها قرب شتوتغارت. واتفقت تيراسايكل مع البريد المركزي على أن تتكفل هي بأسعار ارسال اعقاب السجائر، التي يجمعها الأفراد والمطاعم والمقاهي والدوائر...إلخ، إلى المستودع حيث يجري تحويلها إلى بلاستيك. وجدت مبادرة الشركة تجاوبًا سريعًا من السكان، خصوصًا من المدخنين أنفسهم، الذين شرعوا بجمع أعقاب السجائر بدلًا من رميها. وهكذا، ارتفع عدد المحطات التي تستقبل طرود أعقاب السجائر إلى 84 محطة، تنتشر في مختلف بقاع ألمانيا خلال اشهر. واصبح عددها الآن 1200 محطة مسجلة لدى الشركة، يشارك 155 ألف مواطن في تزويدها بأعقاب السجائر.
بطاريات للأجهزة الإلكترونية وفيما تنشغل تيراسايكل في جمع أعقاب السجائر وتحويلها إلى بلاسيسك، أعلن علماء جامعة سيئول الكورية الجنوبية عن نجاحهم في تصنيح مكثفات عالية القدرة من أعقاب السجائر. ومن المتوقع أن تدخل هذه المكثفات الصغيرة في صناعة بطارات عالية الكفاءة للأجهزة الإلكترونية. وذكر البروفيسور يونغهيوب يي، المختص في التقنية الكيمياوية، انهم نجحوا في تحويل نفايات أعقاب السجائر إلى مادة كربونية متعددة الخواص في عملية كيمياوية من خطوة واحدة. وقال إنهم رموا عصفورين بحجر واحد، حينما توصلوا من جهة إلى طريقة مفيدة للتخلص من أعقاب السجائر، ولأنهم توصلوا إلى صناعة مكثفات ذات قدرة فائقة على حفظ الطاقة من جهة ثانية.
بطاريات متفوقة تعتبر المكثفات عالية الكفاءة أساس تصنيع البطاريات الصغيرة عالية الكفاءة وذات الحياة الطويلة. ويتم إنتاج مثل هذه المكثفات عادة من المواد الكربونية بسبب سعة مساحات جزيئاتها الصالحة لحفظ الطاقة، وبسبب سعر المواد الكربونية المناسب، وأخيرًا بسبب قدرتها على حفظ واطلاق الكهربائية. وجرى في جامعة سيوول تحليل مادة اسيتات السيليلوز، التي تصنع منها فلترات السجائر، إلى مادة كربونية بواسطة عملية تحليل كيكمياوية تستخدم درجات الحرارة المتدرجة. وكان الناتج مادة كربونية مسامية لها قدرة عالية على حفظ الطاقة بسبب من مساميتها هذه. وأضاف يي أن أهم خواص المكثفات التي صنعت من هذه المادة الكربونية هي قدرتها العالية على حفظ الطاقة واطلاقها. واتضح أن هذه المكثفات تتفوق على كافة المكثفات السائدة في تصنيع البطاريات اليوم، بل وانها تتفوق على البطاريات الحديثة المصنعة بالتقنية النانوية. 2 مغم نيكوتين في كل عقب سيجارة وتصبح الاستفادة من أعقاب السجائر، سواء في انتاج البلاستيك أو تصنيع البطاريات، اسهامًا جادًا في الحفاظ على البيئة لو عرفنا أن العالم انتج 6,16 مليار سيجارة في العام 2010. وتشكل السجائر المزودة بالفلتر الجزء الأعظم من انتاج السجائر على المستوى العالمي، وتعتبر أعقابها المبعثرة في الشوارع والنفايات تلويثًا مباشرًا للبيئة. وتكشف دراسة أجرتها جامعة برلين التقنية في العام 2014 أن بلدية العاصمة جمعت 2,7 مليون عقب سيجارة في كل كيلومتر مربع. وتمتص الفلترات 50 بالمئة من المواد الضارة في السيجارة، وهذا يعني انها تطلقها من جديد في البيئة بعد رميها في الشوارع والمزابل. يحتوي كل عقب سيجارة على 2 مغم من النيكوتين كمعدل عام، وتتسلل هذه المادة إلى البيئة، وخصوصًا إلى التربة والمياه. وفضلًا عن تسببها بعشرات الحرائق ببرلين في العام 2010، اضطرت مستشفيات العاصمة إلى معالجة 921 طفلًا ابتلعوا أعقاب السجائر.