يمكن القول إن الحلقة الأولى في مسلسل التنازلات التي قدمتها السلطات اليمنية لجماعة "أنصار الله" المعروفة إعلاميا بجماعة "الحوثي" بدأت منذ إشراك الأخيرة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل على مدار 10 أشهر. ومرت المفاوضات بين السلطات اليمنية وجماعة الحوثي بعدة منعطفات، قدّمت خلالها الأولى عديد التنازلات، كان أكثرها أهمية، هو خفض الحكومة أسعار البنزين والديزل (السولار) لتتراجع بذلك عن قرار سابق بررته حينها، باعتباره إجراءً عاجلاً وضرورياً لإنقاذ الاقتصاد اليمني من شبح الانهيار.
مزيد من التنازلات
ومع كل تقدم عسكري يحرزه الحوثي على الأرض، تسعى السلطات في صنعاء جاهدةً، إلى تقديم المزيد من التنازلات، خشية اندلاع حرب أهلية، لاسيما في ظل تحشيد الحوثي لمسلحيه على مداخل العاصمة صنعاء، منذ ما يزيد عن شهر.
حزمة التنازلات التي تبديها السلطة في صنعاء، بُعيد كل تهديد من قبل زعيم جماعة الحوثي، يتلقفه الأخير باعتباره ضعفاً من قبل الدولة عليه استثماره في فرض المزيد من الاشتراطات وتحسين شروط التفاوض، حسب محللين.
مفاوضات فاشلة
الرئيس الحالي، عبدربه منصور هادي، بدأ في فتح مراسلات بينه وبين زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، طالبه خلالها بلغة فيها نوع من الاستعطاف، بإزالة عوامل التوتر من مداخل العاصمة صنعاء، ووقف الحرب في الجوف، وتسليم محافظة عمران للدولة، وخروج المسلحين.
وفي 20 أغسطس الماضي قرر "هادي" تكليف لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء، أحمد عبيد بن دغر، للنزول إلى محافظة صعدة (معقل الحوثيين شمال)، للقاء عبدالملك الحوثي، قبل انتهاء مهلة منحها الأخير لإسقاط الحكومة اليمنية، لكن اللجنة فشلت، بسبب تصلب رأي الحوثي الذي أفشل لجنة أخرى، يقودها السياسي اليمني المعروف، ومستشار الرئيس هادي للشؤون السياسية، عبدالكريم الإرياني.
ملف المفاوضات انتقل أخيرا إلى يد مستشار الأمين العام للأمم المتحدة، ومبعوثه الخاص إلى اليمن، جمال بنعمر، وبدأ، منذ يومين، بالإشراف والمساعدة على تسيير المباحثات.
تخبط سياسي
ويرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، غمدان اليوسفي، أن التنازلات التي قدمتها الدولة للحوثيين كجماعة مسلحة، وليس طرفا سياسيا، تدل على أن هناك تخبطاً كبيراً في العمل السياسي من قبل الرئيس ومستشاريه، وتصرفوا بطريقة أشعرت العامة من الناس، أنه "لم يعد يوجد أحد في اليمن غير الحوثيين وسلاحهم، في حين هم يعلمون أن الحوثيين لن يقدموا على انتحار سياسي من خلال تفجير حرب عسكرية في العاصمة صنعاء، لأن الأمر ليس بهذه السهولة التي يتصورها البعض".
وليس بوسع أحد التكهن فيما إذا كان سينجح المبعوث الأممي، هذه المرة، في مساعيه إلى حل الأزمة اليمنية القائمة، في ظل تعنت أنصار الحوثي، وعدم إبداء أية مرونة تجاه الحلول المطروحة للخروج من الأزمة الراهنة.
في المقابل، يبدو أن هناك رغبة لدى الحوثي في أن يتم الاتفاق بحضور المبعوث الأممي لضمان تنفيذ شروطه، وكنوع من ضمان عدم مماطلة، قد تقوم بها سلطات صنعاء، تجاه ما يتم التوقيع عليه بين الطرفين.