ماذا لو سقطت صنعاء ؟! ... كان هذا العنوان حرفيا عنوانا لمقال سابق للكاتب السعودي الكبير الأستاذ / طارق الحميد على صفحات جريدة ( الشرق الأوسط ) قبل أيام قليلة مضت .. وكان قد تساءل في مضامينه بشيء من " الاحتمالية المستبعدة " إن جاز التعبير عن أمكانية سقوط صنعاء في يد الحوثيين الذين كانوا يومها وسط العاصمة وكانت إرهاصات السقوط واضحة للعيان. والبارحة كنت استمع إلى أستاذ علوم سياسية بجامعة الملك سعود وهو يتحدث لقناة العربية عن انهيار الدولة اليمنية وسقوط مؤسساتها في يد الحوثيين بتلك الطريقة غير المتوقعة , لافتا الانتباه إلى مسألة في غاية الأهمية تتمثل في إقراره أن " القراءة الخليجية " للأحداث في اليمن كانت " متأخرة جداً " ولم تكن ملمة بمختلف الجوانب والتعقيدات التي كانت تطبع المشهد اليمني ككل . وحتى مقال الأستاذ الحميد .. لم يكن يحتوي كما أسلفت إلا إلى " لفت انتباه " إلى إمكانية مستعبدة لتمكن الحوثيين من إسقاط صنعاء وكيفية التعامل مع ذلك الاحتمال البعيد ! أي أن الغالب .. والراجح لدى الكاتب كان يستبعد أن يحدث مثل هذا الأمر الذي " تم فعليا " بسرعة دراماتيكية فاقت كل التوقعات وتجاوزت جميع السيناريوهات التي طرحت على طاولة جميع المحليين والساسة وحتى جيوش الدبلوماسيين ورجال المخابرات الموجودين في صنعاء قرب الأحداث. وفي تقديري الشخصي أنه وإن كانت " القراءة الخليجية " لمختلف الأحداث في اليمن والتفاعل معها غالبا ما تكون متأخرة , فإنه في المقابل غالبا – بل دائما – ما تكون القراءة الإيرانية دقيقة ومواكبة للأحداث بشكل ملفت للانتباه .
أما وقد سقطت صنعاء اليوم في يد " أنصار الله " أو الحوثيين بتلك الطريقة التي شاهدناها جميعا , فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن يقول : ماهي التبعات – السياسية والعسكرية والأمنية – التي سوف تتمخض عن هذا الإحكام الحوثي على مقود السلطة في صنعاء ؟؟؟!! .. مؤملاً ..ألا تتم " القراءة الخليجية " للأحداث وتباعاتها على تلك الشاكلة التي تمت خلال الثلاثة أعوام الماضية . خاصة وقد جاءت أول ردة فعل رسمية " مباركة " للاتفاق الذي تم توقيعه في " القصر الرئاسي " للرئيس الصوري عبدربه منصور هادي ! .. وهو اتفاق يضع ألف علامة استفهام حوله من جهة أن الرئيس هادي شخصياً , كان قبل توقيع هذا الاتفاق بيومين فقط قد اجتمع بسفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية ليخبرهم بصريح العبارة أن ما يقوم به الحوثي في صنعاء هو " انقلاب " على الدولة ! .. فإذا كان الأمر كذلك يافخامة الرئيس – وهو كذلك فعلا – فلماذا إذاً تسارع إلى توقيع اتفاق مع " انقلابيين " على دولتك الفتية ؟! شخصياً .. وكجنوبي .. لا أتوقع أن يكون هناك أي تغير في " النظرة الشمالية " لقضية الجنوب مابين الفاتحين الجدد لصنعاء والسلطة التي احتلت الجنوب فعليا عام 1994 م , خاصة وقد قرأنا بعض التصريحات لرموز حوثية تتحدث عن ما أسمته ب" إصلاح مسار الوحدة " ! كما لاحظنا إصرارهم على إقران الجنوبيين معهم في المبادرة " كمستشارين " للرئيس عبدربه منصور هادي وكأن وجود مستشارين إلى جانب الرئيس الصوري حلاً لقضية الجنوب !!. ..وفي هذا السياق لا استبعد أن يقوم الحوثيون بإخلاء منزل الرئيس علي سالم البيض في عدن من ساكنيه التابعين لحميد الأحمر وإعادته له كنوع من ذر الرماد في العيون وكبادرة حسن نية تخفي من ورائها نزعة حوثية جديدة جهة التعامل مع قضية الجنوب على نفس الشاكلة التي ألفناها ممن أسقطوهم في صنعاء . وهنا بودي أن أهمس في آذان مثقفيهم وقياداتهم التي طالما وتعرفنا معهم معا على ظلم النظام السابق , أن " العدل " و " الحكمة " تقتضيان عليهم الاعتراف الفوري بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم وبناء دولتهم الجنوبية المستقلة , وأن إمكانية التعايش السلمي مابين دولتين أفضل ألف مرة ومرة من أي محاولة أخرى جديدة من قبلهم لفرض أمر واقع على الجنوبيين تحت مبررات وذرائع وحجج واهية من قبيل أن الظالمين الذي احتلوا أرضكم قد تم إبعادهم وطردهم من البلاد إلى غير رجعة .. فجربونا نحن !! .. أيها السادة في صعدة أن الاحتلال هو الاحتلال سواء تلبس رداء جمهوري قبلي , أو أن اتشح بحلة جديدة تعلوها عمة سيد هاشمي وقور. سقطت صنعاء ..وسقط معها " الشرف العسكري " لجميع الوزارات العسكرية ورموزها وشاهدنا الحوثيين يرفعون علمهم على مباني الوزارات السيادية , لكن هذا السقوط للشرف العسكري المذل , لم يتسبب في سقوط " قطرة عرق " واحدة نابعة عن خجل من وجه أي قيادي عسكري جنوبي !!! بل بقي وجهه صافيا متقبلا أن يلعب دورا جديدا ك " أرجوز " في فرقة موسيقية جديدة .. يا للأسف ! وكمثل هذا السقوط للشرف العسكري كان هناك أيضا سقوط للشرف السياسي والسيادي لعدد غير قليل من القيادات السياسية الجنوبية التي فضلت أن توقع على اتفاقيات جديدة مع الفاتحين الجدد وهم يعلمون أن قيمتهم المضافة تتمثل في قبول الحوثيين بهم لكونهم ينتمون فقط للجنوب العربي ..لكن مثل هذا السقوط وانعدام الحيلة تكفل وحده بتقديم استقالة عبدالقادر هلال الذي كان شجاعا وقال إنه لم يستطع حتى حماية سيارته . سقطت صنعاء .. ما يعني بأبجديات السياسية أن الصراع الإقليمي والدولي الذي يجري في العراق وسوريا ولبنان وليبيا مابين دول إقليمية ودولية دشن مرحلة جديدة له في اليمن . وهنا نرجوا من كل الجنوبيين إدراك هذا البعد والتعامل معه برؤية جنوبية موحدة غير قابلة للقسمة على المحورين المتصارعين حتى لا نتحول في الجنوب إلى طرفي صراع لهذا الطرف أو ذاك .