صباح كل يوم، يتحلّق عدد من المارّة على أكشاك الصحف بصنعاء. يطالعون عناوين الأخبار. قليل من يشتري أحدها. ثم يمضون في سبيل حالهم. "من الأفضل تجاهل هذه الصحف المسممة للفكر والحالة النفسية"، يعلّق أحدهم. انفلات إعلامي
شائعات، أكاذيب، تحريض، وتهويل إعلامي يومي غير مسبوق في الإعلام اليمني "تسييس مفرط للمهنة. وصحافة حشد ومناصرة أكثر منها صحافة معلوماتية لتشكيل الرأي العام، وغالبيتها لا تعدو كونها دكاكين للابتزاز"، يقول د. عبدالرحمن الشامي عميد كلية الإعلام جامعة صنعاء، في ورقة بحثية له حول الحديث عن غياب المهنية الإعلامية في اليمن في ندوة بكلية الاعلام في وقت سابق.
مهنية مفقودة
"وسائل الإعلام تحزّبت، تأدلجت، وتوزّعت بين أطراف سياسية تريد أكل الثوم بفم الصحفي"، يقول نقيب الصحفيين السابق عبدالباري طاهر. يوافقه الصحفي محمد القاضي بقوله: "منذ 20 عاماً لم أشهد حالة من اللامهنية واللامسوؤلية الإعلامية كما نعيشها اليوم. من لديه مال يقوم بتمويل مواقع إخبارية وصحف لبث الشائعات والأخبار الكاذبة والمفبركة لخدمة أجنداتهم وتقويض السلم الاجتماعي".
الابتذال في اختلاق أخبار كاذبة يفقد الصحافة مصداقيتها وثقة المتابعين لها، كما يقول صحفي آخر رفض ذكر اسمه: "لكثرة هذه المواقع لم يعد بإمكان أي شخص تصديق أي خبر أو واقعة تنشر مهما كانت صحيحة. أغلب أخبارها كذب ودجل وتصفية حسابات".
صحافة أجندات
"هناك وسائل إعلامية تموّل من الخارج. يتم صناعة خطابها من قوى إقليمية. وتدفع باتجاه الحرب الأهلية وتهديد السلم الاجتماعي"، بحسب أمين نقابة الصحفيين مروان دماج. ويضيف بأن النقابة ستوجه رسائل لوسائل الإعلام هذه لوقف التحريض الإعلامي. "سنتخذ ما نراه مناسباً في حال لم تتوقف عن ذلك".
مواقع إلكترونية بالعشرات انتشرت خلال العامين الأخيرين."صحافة مرتهنة لأطراف معينة. تخدم توجههم ومصالحهم. وصارت عاملا أساسيا لاستمرار الصراع السياسي وإقلاق سكينة المواطن"، بحسب الصحفي حسن الجلال. يوافقه الرأي الصحفي حمود منصر قائلا: "أصبح كثير من الصحفيين أدوات لتنفيذ مصالح دول إقليمية، لا تمت لمصالح المواطن بصلة".
حبل الغسيل
في غمرة هذه الفوضى الإعلامية، وانعدام الضمير الصحفي، بادر الصحفي غمدان اليوسفي بإنشاء صفحة "حبل الغسيل" على شبكة فيسبوك"تعنى بنقد الأداء الإعلامي اليمني لكل وسائل الإعلام أياً كانت"، حسب وصفها.
يدير هذه الصفحة مجموعة صحفيين، يمارسون نقد المحتوى الإعلامي اليومي بلغة ساخرة. وتقديم نصائح بنّاءة للمحررين الصحفيين. "النقد هو محاولة تذكير أرباب مهنة الصحافة بالمسار الأخلاقي لوظيفة الإعلام، كمهنة تعتمد على الأخلاق أولاً"، كما يقولون.
عشرة آلاف متابع لهذه الصفحة التي انطلقت بداية هذا العام. وتعتبر نافذة ضوء كاشفة لسوءة الأداء الإعلامي المنفلت، في بلد منفلتٍ أيضاً. هنا صوتك - صنعاء - جابر الغزير