أيها القابعون خلف هدير أمواج الأطلسي وطقوس المتوسط ، الباردة أعصابهم كتلك الصخور البلورية التي تطل عليكم من صقيع الشمال فتزداد أعصابكم برودة وأفكاركم خمولاً واسترخاء وهروباً إلى مزيد من الابتعاد عن هموم هذه الأرض وتلك الأجساد النحيلة المغلفة بالشقاء في هذه البقعة من الأرض المسماة "يمناً" والمنسية منذ بدء التاريخ ، يتربع على عروش القارات الأكثر صقيعاً والأدهى خبثاً ودهاء في اخضاع حكامنا العرب الضعفاء لمزيد من العبودية لهذه الشعوب الخانعة قسراً لهم ولكم حتى لا يتجرؤون بالتساؤل عن سبب شقائهم أو تفوههم للمطالبة بأبسط حقوقهم من تلك الخيرات التي تجترونها بكل وقاحة من تحت أقدامهم الحافية الملطخة بالوحل والشقاء . كم يتعاظم تساؤلنا عن السبب المفاجئ لاهتمامكم الغريب بأمور هذا البلد المنهك ، الذي أوصله حكامه الذين تتالوا عليه إلى حد الإحباط والسخط المقيت لأي مستقبل قادم لا أمل فيه .
فقد تفنن كل حاكم اعتلى كرسي الدكتاتورية في الاستفادة من وسائل العبودية والاضطهاد من سابقيه وأضاف عليها ما لديه من خبرات وطموحات وطورها حتى وصلت لدرجة لا يطاقها حتى صخور جبالها التي تزداد سواداً وتصحراً بعد أن كانت ترتدي سندس السعادة والاخضرار في أزمنتها الغابرة ..
ولغرابة الأحداث أن يعقد اجتماعكم الأخير الذي يتناول بخجل بضع عبارات باردة عن بلد لا ناقة له ولا جمل في كيانكم الدولي الذي يتحكم بمصير الكرة الأرضية ويمتلك قرار حصد البشرية وقتما يشاء ويتجاهل في ذلك كل القوانين الدولية وحتى قوانين وشرائع السماء .. فكيف له مجرد التفكير أو الإشارة لنقطة منسية ومهملة في هذا العالم المزدحم بالمشاكل والأحداث .
وهل لليمن هذه الأهمية الإستراتيجية والدولية حتى يقرر الحكام الفعليين للعالم الإهتمام ولو لمجرد المجاملة لدول الخليج العربي الذي يجزل عطاءه لكم بكل ماتريدون وما لا تريدون؟
أن مثل هذا المجلس الدولي الذي يحوي جبابرة العالم ومالكي زمام الأمن والحرب فيها على دراية تامة بمشاكل هذا البلد الذي يرزح الغالبية العظمى من شعبه تحت خط الفقر رغم الثروات الطبيعية التي تتبخر في الهواء ويعبث بها الشيطان دون حسيب او رقيب .
وهم لا يجهلون أن هذه الساحة المتصحرة تتقد تحت اديمها براكين من الثورات والتكتلات الملتهبة التي تترقب للاشتعال في أية لحظة وتنتظر صفارة البدء حتى تحول الدنيا إلى سعير يحصد الأخضر واليابس – لا قدر الله .
وهل يا ترى مثل هذا الاجتماع الخاص – الذي اشرتم باستحياء فيه لقلقكم عن مايدور على أراضينا - سيكون له بعض الأثر على مجمل الأحداث والاضطرابات السياسية والقبلية المتلاطمة في محيط لا قرار له ويعجز عمالقة علماء الفلك بالتنبؤ بأحداثه المستقبلية أو تفسير طلاسمه المتشابكة التي لا يفك شفرتها خبراء اللغات التاريخية الموغلة في القدم أو علماء الكون في المحطات المدارية التي يديرها امثال هذا المجلس الأممي الذي يقف فيه موقف المتفرج على ماتعبث فيه الرياح في خريف هذه – المسماة ثورة - على أرض الحضارات والسياسات المتشابكة .
وأتساءل عن ذلك السر الخفي الكامن خلف هذه الفكرة الغريبة لتناول مثل هذا الحدث في بلد الأحداث المزعجة التي أختلقها الحكم القبلي الأوحد للبقاء على منبر السلطة بشكله المتخلف حتى قيام الساعة . وهاهي الفكرة المطلقة التي تجيء سبباً في مثل هذا القرار .
ثم بعد ذلك ، ما الأثر الذي تركه هذا الاجتماع المتميز وبياناته المخجلة على الساحة اليمنية ومعمعان تقاسم السلطة والثروات أو الانشطارات التي تلوح في الأفق كحلول مثلى وعلاجات لداء عجز الحكماء عن ايجاد حلول مناسبة له !!
لعل تحاملي الشديد على حدث كهذا هو القلق الذي يقض مضجعي عن الوضع الصعب الذي نعيشه وعن الامكانيات السحرية التي نحلم بها لحل هذه الأحجيات التي عجزنا عن تفسيرها او البحث عن منافذ للولوج من خلالها لرؤية نور الاستقرار وفتح صفحة من الأمل المنشود لغدٍ أفضل خال من هذه التشعبات التي أوصلتنا لهذا الحال الذي لا يحسد عليه ، والعالم المحيط بنا ، بل وكل العالم يتفرج بسذاجة لمجريات أحداثه ، وكل ماينتظرونه هو إعلان إسم الطاغية الجديد الفائز بخيرات ومقدرات هذا الوطن وشعبه المقهور ، ليتهافت المجتمع الدولي لتهنئته بتولي زمام إحراق ماتبقى من طموحات قاطني هذه الزنزانة الكبيرة المسماة وطناً لكل اليمنيين والمتيمننين !!