كان الأجدر القول تفسير متتالية '' سقوط الفساد و الإرهاب '' حتى تكتمل الفكرة والصورة بشكل صحيح ..تكتيك الانسياب السريع على الارض والانتشار و التوغل ومن ثم '' الاحتضان '' وليس السقوط كما يروج البعض للمحافظات, امتدادا من صعده الى الحديدة مرورا بالجوف وعمران و صنعاء وذمار و رداع وإب وتعز ,, بدون مقاومة تذكر, لا تفسير له إلا أنه امتداد طبيعي وحيوي للثورة القادمة من صنعاء والتي اقتلعت براثين الفساد وتوسعت جنوباً بكل انسياب وأريحية .. كانت القاعدة الجماهيرية والشعبية و''المصفوفة الطويلة '' من مظاهر التذمر و الفساد وتراكم سنين من حكم الذل والاستعباد تمثل طريقاً ممهداً لتوسع انصار الله وتنامي شعبيتهم في تلك المناطق. (البعد الديني المذهبي) يعكس هو الآخر '' واحدية العقيدة'' وتعايش المذهبين الزيدي والشافعي منذ مئات السنين وتواجه المد الوهابي الدخيل بتسليم مطلق للآخر. وتعيد الأصالة التاريخية والهوية الدينية '' المغيّبة'' من وحي التراث مجددا بنوع من الاشتياق العارم للصفا والود والحنين السابق لتوأمة الروح في بوتقة الانصهار, وترحب به بكل انصياع واستسلام. هناك من يريد تفسيراً لكل ما حدث عن مسلسل السقوط , وكأنه (مؤامرة كونية) وكمن يفسر الماء بعد الجهد بالماء ! ولكي نفهم ما حدث بدقة يجب ان نعيد صياغة السؤال الى ما السبب في احتضان تلك المحافظات لدخول انصار الله بكل هدوء وسلاسة وبدون مقاومة وبمرونة عالية ؟ تأكيدا ان من تبنى المقاومة والتكتيك الميداني العالي هم من ابناء تلك المحافظات' '' الحاضنة للمقاومة'' وانصار الله ليسوا غزاة قادمين من الفضاء بل هم نسيج اجتماعي أساسي من ابناء تلك المناطق عانوا من مغبة الظلم والحرمان, اليس الاجدر ان يكون الشعب مع من ينادي بحقوقه ويحقق احلامه وتتبلور الجهود عمليا في المقاومة والانتفاضة الشعبية. يتساءل آخر بذهول غريب ..إذن والمعسكرات ووحدات الجيش كيف سهلت لهم الدخول؟ الإجابة ايضاً في ان الجيش هم من أبناء الوطن وعانوا من التعسف والحرمان الشيء الكثير ووقفوا مع انصار الله واللجان الشعبية في تحرير المحافظات من بؤر الافساد والارهاب؟ كان الأجدر ان يكون السؤال كالتالي: لماذا لم يسقط الفساد حتى اليوم ولماذا لم يندحر الارهاب, رغم كل الميزانيات المهولة وتدخل طائرات بلا طيار على مدى السنوات الماضية؟ ولو كان التساؤل هكذا لكان اكثر منطقية وعقلانية ؟؟ في مدينة رداع تشترك 8 عربات مع 67 مسلحا لتحرير المدينة من قبضة القاعدة,, شجاعة وبسالة منقطعة النظير, وبإمكانيات محدودة !! وتفند النظرية العالمية والتمويل المهول لمحاربة الإرهاب !! أضف الى ذلك غياب الدولة '' الهشة المنهارة'' نتيجة لسياسات الفشل الذريع, هيأت القبول الشعبي للبديل الصادق. - مؤامرة.. تسهيل .. تواطؤ ..توجيهات عليا.. تحالف مع فلان.. دعم خارجي بسبب هذه المبررات والأعذار الواهية نجح أنصار الله في التغلغل المطلق في المحافظات كفكرة و كواقع, حينما لا تستطيع تقييم الأمور بعقلانية ومنطق أنت تنتحر وتقدم من نفسك طعماً و فداءً لطموح الغير, بالرغم من أن الاستغلال الاعلامي لهذه المصطلحات بشكل مكثف الا انها كانت تقلب الواقع والحقائق لصالح انصار الله. قد يكون الإعلام المناهض انتصر مؤقتاً ولكن الواقع له قراءة مختلفة ويفرض نفسه مجدداً وبقوة. (التوفيق الإلهي) كان حليف المظلومين, وكأن القدرة الالهية تنهي سنوات عجاف من الظلم الآسر القاهر, أما آن لليمن ان تتنفس الحرية و تأخذ مكانها في قلب التأريخ. وأيضا لا يجب تغافل '' المعجزة '' والقدرة العالية في التخطيط والكتمان, والتمويه والخداع, و معجزة الضربة القاضية الخاطفة, ومعجزة في حساب ردود الأفعال واستثمارها جيدا ,, و'' التوقيت الزمني'' المناسب للتحرك والاندفاع, والحس الإدراكي العالي لتوقيت الانسحاب وترتيب الصفوف , التي تتحلى بها القيادة الميدانية للجان الشعبية. عملية (التغيير من الداخل) والغسيل والتطهير من العمق- بشكل محوري رأس عمودي من قمة الهرم الى القاعدة - تضيف الى المدرسة الثورية نوعا آخراً فريداً من تزاوج السياسة والثورة, من تهاوي الفساد مع بقاء الدولة, من امتلاك الميدان مع امتلاك القرار السياسي, من تحقيق الأهداف بدون اراقة دماء و بثورة بيضاء نظيفة, حقيقة الدهاء السياسي ينعكس مجددا على ارض الواقع.. ويخدمه وبقوة. (العزلة الاجتماعية والسياسية) والهوة السحيقة بين طبقة الفساد وعامة الشعب كانت هي الأخرى تخدم فكرة انتصار الثورة وتساعد من توسع انتشارها وبقوة, هناك طبقة برجوازية انتهازية لم تصل لهموم الشعب ومعاناته ولم تتلمس احتياجاته عن قرب, و لذا من الصعب عليها تفسير ما حصل و الاندماج مع الانتصار وتقبله كحقيقة ثابتة, حالها حال السياسة المتغطرسة التي وجدت نفسها في ظروف متسارعة خانقة اسيرة الثورة الشعبية. ولحين يدرك الجميع الحقائق ويسلّمون للأمر الواقع .. ستكون اليمن حينها من صعده الى المهرة .. حاضنة اجتماعية كبرى لثورة تطهيرية شاملة .