اليمن ولا شك بلد الحريات الأول ، بلا منازع أو تفسير ، حتى أن تمثال الحرية ، لو علم - وهو يعيش حالة الإقامة الجبرية المذلة على شواطئ نيويورك – ما تعنيه حقاً الحرية اليمنية ، لجاء ركضاً على الأقدام ، طالباً ، بعد رمي الشعلة و(السماطة) ، حق اللجوء مع سبق الإصرار والترصد..! في اليمن لا تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين ، بل تبدأ ، لسبب بسيط.. عدم وجود حدود فاصلة (كالقانون أو الذوق العام) بين شيء وآخر ، بين حرية وأخرى ، وكل واحد و(عفاطته) ، وجنان يخارجك ولا عقل يحنبك.!
يمكنك هنا ، بلا اشتراطات أو عوائق ، ممارسة المهنة التي تشاء ، متى وكيف وأين تشاء.. فمثلاً ، عندما تفشل كرئيس تتحول ببساطة إلى زعيم ، وعندما تخفق كوزير تتحول إلى انفصالي ، وإذا ما أفلس مكتبك الهندسي ، عليك فقط ، ارتداء شيء أبيض ، واستبدال اللوحة الإعلانية الخارجية ، بأخرى مكتوب عليها: عيادة الطب الشعبي (استئصال الباسور والناسور وعرق النساء ، وطرد الجن من رؤوس الرجال والعكس...) ، هذا إن لم تصبح فجأة تربوياً يحمل دكتوراه فخرية ، ويمتلك مدرسة خاصة جداً.!
مساكين أولئك الذين يعيشون قيود الحرية الأوربية ، حيث تهرع الشرطة فوراً إلى منزل أحدهم ، إن هو استحم ليلاً ، أو رفع صوت التلفاز ، أو استخدم المكنسة الكهربائية ، بعد العاشرة مساءً !
أي حرية تلك التي تمنعك من نصب خيمة عرس (البزي) وسط الشانزليزيه ، وزفة (الحريوه) بمعدل وآلي و(آر بي جي) ، واستقبال (مسيو) الحاج بقبلتين وقنبلتين ، إحداهما نووية ؟
لا يمكنك في اليابان أن تمارس حرية (داعشيتك) في العلن ، ممتطياً دراجة نارية صحبة كلاشينكوف أو قلم صحفي رفقة (بلعيدي) ، وقطعاً لن توقف سيارتك في منتصف شارع طوكيو ، وتذهب بلا اكتراث لشراء القات والسوشي، وتعود بعد ساعة (مبهرراً) كالسموراي الأخير!
هنا وهنا فقط ، يمكن ما لا يمكن.. حرية ومن قرح يقرح !