براءة الريئس المصري السابق قضائياً من التهم الموجهة له تعد عنواناً جديداً من عناوين الربيع العربي: فمن المطالبة بالرحيل إلى المطالبة بالقصاص إلى الوصول للبراءة حيث امتلأت صفحات كتاب الثورة المصرية بمعلومات تأخذ الشعب إلى واقع تجعله يكذب من خلاله بالتاريخ والسياسة، فتاريخياً تم استدعاء ثورة جمال عبدالناصر لتكون ثورة 25 يناير امتداداً تاريخياً لها وسياسياً فأتت ثورة يناير بخصوم عبد الناصر للحكم «الأخوان» فعندما احتفل الأخوان بثورة 23 يونيو ومجدوا عدوهم التاريخي جمال عبدالناصر كذبهم التاريخ وسقطت شرعيتهم، وهذا مصير طبيعي لم يتعامل مع حقائق التاريخ كرواية ارشيفية يقدمها بتصرف براغماتي وكاذب ليكسب من ورائها واقعاً سياسياً جديداً يكذب به على التاريخ ولا يقاطعه، فالتاريخ لا يتحرك إلا ككائن حي أعطاه خصومه الفرصة للعودة من الماضي فاقتص منهم.. فعندما كذب الأخوان على التاريخ سقطوا من صفحاته. مبارك شخصية لها تاريخ وكذلك متهم تمت براءته من قضية جنائية، وعلى هذا الأساس على الشعب المصري ألا ينشغل في الأيام القادمة بعقد محاكمات شعبية لحكم البراءة فرئيسه السابق برأته المحكمة كمتهم، الذي انتهى دوره السياسي تاريخياً منذ 25 يناير 2011، وهذه أقسى من عقوبة الإعدام فزعيم يعيش تلك المرحلة ليبدأ بعدها الإعلان عن محاكمة الأخطاء دون أن يأخذ فرصة الدفاع عن نفسه سوف يفضل الإعدام على الحياة مع مرحلة من هذا النوع. فالانشغال بالتاريخ السياسي لمبارك انشغال سيعيده إلى التاريخ مرة ثانية بعد أن خرج دوره منه. والسير في هذا الطريق سيفتح محاكمات شخصيات تاريخية من جمال إلى السادات إلى مبارك فالتاريخ يتحرك بضمير وإنصاف وأي محاولة لإيقافة ستجلب موجة جديدة من العنف أسبابها تاريخية وأهدافها متجذرة في الماضي فالجري وراء التاريخ جرياً لا نهاية له.. فهل من الظلم أو العدالة أن يطلب الشعب المصري محاكمة تاريخ جمال عبدالناصر على جرائم الدستور الذي خطه بيده ليوسع صلاحياته ويمنع الحريات أو محاسبته على حرب اليمن ليقتص للضحايا من تاريخ الرئيس جمال.. أو مطالبة محاكمة تاريخ السادات على اتفاقية السلام مع إسرائيل. نصل هنا إلى أن الجرائم السياسية تحاكم تاريخياً وليس قضائياً ففي أكبر الديمقراطيات في العالم لا يجرم الرئيس على خطأ أو جريمة سياسية؛ فالرئيس جورج بوش الابن لم يحاكمه الشعب الأمريكي على احتلاله للعراق الذي حصد أرواحا كثيرة، وأصاب بعض الجنود الأمريكيين بعاهات دائمة وخسر الاقتصاد الأمريكي مبالغَ مهولة، فالخطأ السياسي يحاكم عليه التاريخ وليس المحكمة. إن لنجاة الشعب المصري من حالة الانقسام بين المؤيد للبراءة وبين من يقف ضدها عليه أن يعترف بأن التاريخ حكم على رئيسه السابق ولن يسمح له بالعودة للتاريخ من جديد.. فالحكم بالبراءة يعني براءته جنائياً وليس الحكم - في رأيي - تاريخياً، فالثورات تكتب تاريخها الجديد ولا تعمل على إعادة تاريخ قديم أو إعادة أشخاص ثبتوا بصفحاته أو خرجوا منها، فالتغلب على تحديات المستقبل تبدأ بالاهتمام بحياة الطفل بحضانته وليس بتاريخ ما تجاوزه التاريخ.