خاض الحوثيون، على مدار سنوات طويلة منذ حوالي 2006، مواجهات مستمرة مع الجيش وتمادي سلطة النظام السابق وتراخيها في حسم أمر التمرد بغية استثمار الظروف واستنزاف موارد الدولة من قبل تجار الحروب في النظام السابق وشركائه من تجار الأسلحة من ناحية، وابتزاز القوى السياسية وخاصة اليسارية التي تسعى إلى إيجاد دولة مدنية تقوم على النظام والقانون ودولة المؤسسات من ناحية أخرى وهو ما لم يرق للنظام السابق، واستمر الأمر كذلك، ولو بشكل محدود من جانب جماعة الحوثي ضد الأقلية السنية في صعدة، بعد ثورة الشباب والمرحلة الانتقالية بحكوماتها المؤقتة التي تواطأت مع جماعة الحوثي المسلحة منذ أن سلَّمت لهم مصير الجماعة السلفية في دماج وأجبرتهم على الرحيل إلى الحديدة بضغط من قبل الرئيس هادي وبإمكاناته تم نقلهم وتسليم صعدة لجماعة الحوثي، فكانت البداية لتضخُّم الذات المذهبية للسادة على الجماعات السلفية واستحضار الإرث المذهبي والمناطقي لامتلاك الحق الإلهي في الحكم وحصره في الفخذين للسيد وحاشيته دون غيرهم من بني البشر اليمنيين الذين يعتقد السيد بدونيتهم وعدم قدرتهم على الحكم وليسوا مؤهلين لذلك، كونهم-المواطنين العادين من اليمنيين الآخرين- لا يمتلكون ذرات سادية تؤهلهم للحكم كونهم-السادة- المحتكرين لهذه الكروموزومات الخالصة للحكم ...!!! وكانت البداية أيضاً لاستقوائهم على الدولة المركزية بقيادة عبد ربه هادي الرئيس المؤقت للمرحلة الانتقالية الذي لم يصدِّق نفسه أنه أصبح رئيس لليمن الموحد عند تفريطه بدماج ...!! وتيقنهم بأن من يفرِّط بسيادة الدولة في صعدة من السهل عليه أن يفرط بسيادة البلد بمجملها فكانت نبوءتهم عند ذلك صحيحة ..!! وتمادوا هم أيضاً في استثمار هذا الحدث وفي ظل المرحلة الانتقالية وهشاشة الدولة وغياب شرعية السلطة الرسمية أو تم تغييبها لمصلحتهم في إطار المبادرة الخليجية التي أبقت على النظام السابق (في ظل تبادل أو تكامل المصالح أو الاتفاقات غير المعلنة) من قبل بعض القوى الإقليمية وبقايا النظام السابق الذي ظل ينخر في جسد البلد بالتخريب وإشاعة الفوضى والتمردات القبلية والمناطقية وحتى الحزبية الموالية له وبالتنسيق مع جماعة الحوثي بغرض الانتقام من المجتمع الذي لفظه من السلطة بعد أكثر من ثلث قرن، والذي أيضاً يشترك في الكثير من القواسم مع الجماعة، فمن ثقافة الفيد والتقطع والنهب والسلب والتسيد والابتزاز للشعب والدولة وممارسة الفساد والإفساد وانتهاك السيادة العامة للدولة بالاستقواء بالقبيلة وثقافة تشرِّع لنهب الثروات العامة، ومن كونها تَحِّلُ لهم-هذه الثروات- دون غيرهم ومن مشترك جغرافي ومذهبي ومناطقي ...الخ والكثير من القواسم التي تجمعهم، ولا تفرقهم، ضد المجتمع اليمني وخاصة المناطق المدنية المختَلَفْ معها في المفهوم العام للمدنية والدولة وسيادة القانون والذي يتعارض كليةً مع مصالحهم ومع وجود القبيلة برمتها ..!! فقد دأب النظام السابق على ابتزاز الدولة ولصالح مشايخ القبائل في الشراكة على نهب ثروات المجتمع وتقاسمها معهم دون المواطن العادي في المناطق القبلية .. فقد كانت الموازنات العامة تَرصُدْ المليارات لمشاريع عامة وخدمية في المناطق القبلية وكانت تؤول جُلَّها للمشايخ والحرمان والبؤس من الخدمات العامة من نصيب المواطن العادي في هذه المناطق .. ويستخدم المشايخ هذه الموارد وقوداً تُسعِّرها للاستقواء على الدولة وتمرد هذه القبائل على الدولة بحجة الحرمان متى ما أراد هذا الشيخ أو ذاك في ممارسة ابتزاز الدولة مجدداً ..!! ومتى ما اختلف الشيخ مع السلطة بقيادتها على التقاسم والنفوذ ...!! وظلت المناطق المدنية تُجلْ الدولة ومؤسساتها وسلطتها وتحاول أن تتعايش بسلام، رغم الجور والحرمان والنهب المنظم لثروات هذه المناطق بسبب مدنيتها وسلميتها، والتي اتخذها النظام السابق أداةً لاحتقار هذه المناطق واستثمارها لمصالحته والقوى المرتبطة به والنافذة وذات اليد الطولي بالاستقواء على البسطاء ونهب ثرواتهم التي لا يعلمون حتى عن حجمها ومجالات التصرف بها، بتواطؤ بعض أذناب النظام من هذه المناطق واستخدامهم لتجييش أبناء هذه المناطق في المناسبات الحزبية والكرنفالات الانتخابية وببعض الفتات من الأموال التي ينهبها النظام من مناطقهم ويعيد أيضاً بعض الفتات لهم بمنٍّ قذر عند تنفيذ بعض المشاريع الفاسدة التي يقوم بتنفيذها نافذين وفاسدين كنوع من التقاسم بل والسيطرة لرموز قبلية مرتبطة بالنظام لا تفقه شيءً في الأعمال وبتنفيذ المشاريع العامة إلا كحصة من الفساد المنظم الذي مارسه النظام السابق ويمارسه النظام الحالي على قلة المشاريع في زمن هذا الأخير ...!!! والآن تتصدر المشهد جماعات مسلحة خارجة عن القانون تقوم باستجرار الإرث القديم لأجداد الحوثي كما يزعمون ..!! على أمل السيطرة على البلد والعودة إلى المربع الأول أو إلى ما قبل نقطة الصفر لتاريخ الثورات اليمنية أو الحركات الانقلابية التي حاولت أن تغيِّر من وجه وحاضرة المجتمع اليمني الحديث ..!! الذي أصبح كالحاً ومعجون بالدم مع مدخل الألفية الثالثة وبكل قبح يُرسَمْ تاريخ اليمن في هذه الألفية ..!! وبنوع من التحالفات للقوى التقليدية القبلية المحلية والإقليمية وبقايا النظام السابق والتي تنتهج العداء الدائم لحركات التغيير والتحرر اليمنية والانعتاق من التخلف ومن القهر ومن التبعية، فهي دوماً تسعى إلى إبقاء المجتمع اليمني في حالة مستديمة من الفقر والتخلف عن العصر، وبكل الجهود تبذلها هذه القوى ومن الأموال وزراعة العمالة-السياسية في الداخل القبلي، وإيهام هذه القوى التقليدية بأن التغيير والحداثة وبناء دولة مدنية ذات سيادة ومستقلة ستهدد مصالحهم وحتى وجودهم، وبالتالي تتلاقي هذه الأفكار مع مصالحها وقوى التخلف والقبلية والتعصبات، مع قوى الظلام هذه وإفساد حياة اليمنيين وببذل قصار جهودهم للتمصلح والارتزاق ولتخريب حياة اليمنيين وخاصة عند قدرتها على زراعة عناصر موالية لها في السلطة اليمنية وكما جرى في السابق ووصل الحال إلى أن تمنح رموز السلطة وبعض رموز القوى القبلية مرتبات شهرية لتمرير مصالحها والإبقاء على حالة التخلف اليمني لأطول أمد ممكن ..!!!! ولكي تستطيع هذه القوى تمرير مصالحها واستنزاف ثروات المجتمع وتضييع فرص النماء والتغيير على اليمن وشعبها ولكي تكون قادرة على إدارة أمورها تبقي على سلطة اليمن قيادة منقوصة الكرامة والسيادة ويكفي هؤلاء أن يكونوا أعداء لشعبهم الذي يراد لهم أن يضلوا في احتياج رسمي للغير ..!!! جماعة الحوثي تتمدد في محافظات الشمال حتى الآن وتعتقد بالملكية التاريخية لتوجهاتها ...!!! وفي ظل تمادي في السلبية وتغييب السلطة الرسمية وشرعية الدولة في التسليم لجماعة الحوثي، والذي يجب على الرئيس عبد ربه وحكومته أن يلزِم جميع القوى السياسية الرسمية وغير الرسمية بالتسليم والوفاء بما تم الاتفاق عليه أو يجب عليه أن يخضع لمحاكمات رسمية ودولية على سلبيته التي سلَّمتْ أمور الدولة لجماعات مسلحة خارجة عن القانون وعلى حساب تغييب سيادة وسمعة الدولة وكرامتها وكرامة مجتمعها، وكذلك المؤسسة العسكرية التي يفترض بها أن تكون حامية لسيادة وشرعية الدولة ... أمَّا وسلمت العاصمة والبلد لجماعة الحوثي بتواطؤ وبخيانة مفضوحة وفجَّة .. يجب أن تخضع لمحاكمات عسكرية كونها لم تقم بواجبها الدفاعي كما ينبغي لها ذلك ...!!! إلا أن تركيبتها المؤسسية وبنائها الهيكلي ليس من الغريب عليها أن تسلك سلوك الخيانة العظمى للوطن وللدولة وسلطتها، وتعلي من شأن الولاء للقبيلة وللمشيخات المناطقية والمذهبية، كون ولائهم لأشخاص ومناطق بعينها وليس للوطن، وبتسليمها كل مواقعها لجماعات خارجة على النظام والقانون .. وكان الواجب عليهم أن يجبروا هذه الجماعات على التسليم للدولة ومؤسساتها العسكرية والمؤسسات الشرعية للدولة ..!!! جماعة الحوثي لطَّختْ سماء مدننا ببهرجات فارسية دخيلة على مجتمعنا اليمني، ونقلتنا إلى أجواء طهران وقم وكربلاء وغيرها من المدن الإيرانية، والتي لم يتعود عليها مجتمعنا في هذه المناسبة ..!! وباسم الدين وباستثمار مولد المصطفى سياسياً ومذهبياً ..!! وتستغرق في تخلف الطقوس وتستحضر أقبية الماضي وتستنزف الكثير من الموارد وعلى حساب ثروات المجتمع ..!!، برفع أعلام ولوحات إعلانية ليس للمجتمع ولا لرمز الدولة اليمنية وسيادتها بل وبتغييب العلم اليمني رمز السيادة ...!! وتلطيخ أرصفة الشوارع بألوان غير معهودة ومسيسة بالعداء ليس فقط للآخر بل وطمس معالم اعتاد عليها المجتمع كرمزية للدولة وسيادتها، ونعلم بأن هذه الجماعة رغم عمالتها المعلنة لملالي إيران والمقبوضة الثمن وتحت نظر الدولة المسلوبة الإرادة والسيادة، والتي لا تستطيع سلطتها بقيادة الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي أن توقف هذه الإنتهاكات، بل وتتعامى عنها بسلبية مجرَّمَة ويجب محاسبة السلطة عليها من قمة رأس الدولة إلى كل مسئولي الحكومة الذين يرضخون لأهوى وترهات وخزعبلات ممارسات هذه الجماعة ..!! جماعة الحوثي سيطرت على موارد سيادية للدولة وموارد إنتاجية في محافظات صعدة وعمران وصنعاء وذمار والحديدة والبقية تأتي وتنفق منها على احتفالاتها وعملياتها الحربية ضد الغير وعلى بسط نفوذها على ما تبقى من محافظات الشمال وهي هدفها لاستعادة أمجاد الإمامة والملكية المقيتة ..!! وهي تستند في ذلك مع شركائها من الرموز السياسية والقبلية والقوى المرتزقة التي اعتادت على نهب واستنزاف ثروات الشعب بحجة وبدونها ..!! وهي تُقصي المكونات السياسية الأخرى في الساحة السياسية العامة للبلد وبسلبية التعاطي -لهذه الأخيرة- مع هذه الجماعة من القوى السياسية واليسارية على وجه الخصوص وخاصة بعد التوقيع على المبادرة الخليجية التي أبقت على النظام السابق العميل لمقدمي مشروع المبادرة، وخاصة الجارة الكبرى السعودية، التي تقف في الغالب، في عداء مع الشعب اليمني وطموحاته في التغيير والتحرر من الجهل والتخلف، وتعزِّز علاقاتها مع القوى التقليدية من اللصوص والمرتزقة والتي تخدم مصالحها للابقاء على الأوضاع في اليمن غير مستقرة وتركها تحت سيطرتها بعمالة القوى التقليدية والسلطات الموالية لها والتي ترتبط بها بمصالح مشتركة ولتجعل المجتمع اليمني يعيش في حاجة وظلام مستدام من الجارة الكبرى السعودية ...!!! على جماعة الحوثي أن تمارس السياسة في إطار شرعية الدولة وليس خارج هذه الشرعية ..!! هي تهدم شرعية الدولة بعمالة وقحة وبغباء سياسي وتعزِّز من مصالح الآخر دون وعي ودون مشروع مستقل يمكن أن تؤسس عليه عمل سياسي منظم في إطار من الشراكة مع القوى الأخرى وفي ظل سيادة الدولة وليس في إطار من سلوكيات همجية تستقوي بالقوة المنهوبة وبنهب ثروات الشعب وتمارس قمع الغير وتغييبه ...!! ورغم ما أقدمت عليه جماعة الحوثي مؤخراً من فعل يحسب لها في تغيير بعض أسماء شوارع العاصمة ومن استحضار للشخصيات والرموز التاريخية اليمنية السياسية والثقافية من شهداء الثورة والحركة الوطنية اليمنية ومن المفكرين والقادة التاريخيين للنضال السياسي اليمني وقادة الرأي وخاصة الشهداء إبراهيم الحمدي وعيسى محمد سيف وعبد اللطيف الشعبي وحسن الحريبي وجار الله عمر ومجاهد أبو شوارب، واحمد النعمان وعبد الله البردوني ويوسف الشحاري، والأكثر أهمية الرسول الأعظم ...!! كل هذه الرموز الوطنية وسيد البشر لا خلاف على أهمية استحضارها في وعينا الثقافي والمجتمعي كما أشار إليها الكاتب محمد المقالح ومجَّدَ من هذا الحدث الفريد الذي للأسف لم يتنبه إليه المقالح الكاتب الأكثر ارتباطاً بثورية الحوثي إلا مؤخراً، رغم معرفته بشوارع الأرقام وبالخلل الثقافي والسياسي الذي ساد وتكيَّف معه المقالح والكثير طول سنوات النظام السابق والآن يعطي للحدث أهمية أكثر مما يستحق ..!! بل هو أكثر تزلفاً وتقرباً من جماعة الحوثي بهذه الإشادة المتفردة، ولم يتم رفع الأصوات في السابق برفض شوارع الأرقام واستحضار الرموز التاريخية والنضالية والثقافية وما أكثرها في مجتمعنا اليمني والعربي أيضاً ..!! الحوثي بهذا الحدث يحاول أن يستثمر اللحظة السياسية والمجتمعية لسيطرته، ويعزز من حضوره الميداني الذي يفرضه على المجتمع في ظل غياب أو تغييب الدولة الذي سُلِّمتْ له في ظل توازنات ولعبة المصالح المتبادلة مع السلطة، ورسالة يبعثها لمختلف القوى السياسية والمجتمعية أيضاً لخطب ودَّها وتبييض صورته المشوهة بأفعاله المتناقضة بهذا الفعل-الحدث، بل ويرمي بطعمه لهذه القوى للتصيدْ برفع سقف توقعاتهم بإمكانية التعامل معه، رغم أن أفعال الجماعة لا تعكس هذا التفاؤل، ولكنها لعبة السياسة رغم التدني للجماعة في اللعبة ولكنها الصدفة التي منحته هذه الفرصة ...!! والتي للأسف لم تتمكن القوى السياسية القومية واليسارية على وجه الخصوص من قراءتها كما يجب ..!! وأختلف كثيراً مع من يعتقد بأن حدث 21 سبتمبر واجتياح العاصمة من قبل جماعة الحوثي المسلحة التي أرعبت الكثير بأنها ثورة أو امتداد لثورة فبراير المختطفة أصلاً من الحرس القديم والقوى التقليدية للقوى السياسية والنظام السابق، فهي مغالطات فجَّه تشرِّع للقوى الهمجية بالتسيد على المجتمع وتضخِّم من وهم قوة الجماعة وتفقد الدولة شرعيتها وسيادتها وخاصة المؤسسة العسكرية التي حُسبتْ على الوطن طوال أكثر من ثلث قرن وبتمويل وإنفاق عام من أموال الشعب يتجاوز أيضاً ثلث الميزانية السنوية للدولة اليمنية ولم تتمكن من الحفاظ على سيادته ولا كرامة المؤسسة العسكرية ..!! لنكتشف بأنها جماعات موالية لجماعة الحوثي وهي أصلاً محسوبة على القوى المتنفذة والقوى القبلية والنظام السابق .. وبالتالي أفقدتها شرعيتها الوطنية ووصمتها بعار الخيانة وعدم اهتمامها بسمعتها العسكرية ولا بانتمائها الوطني ولا بمسئوليتها تجاه المجتمع اليمني ...!! بل أنها-الجماعة- تمارس التضليل السياسي على القوى السياسية الأخرى التي أقصتها الجماعة بمناورات إمكانية الشراكة معها بينما الواقع يدحض ذلك تماماً وهو ما لم تستوعبه هذه القوى ..!! الحفاظ على سيادة الدولة واجب على السلطة ومؤسساتها المختلفة وواجب عليها مواجهة أي جماعات مسلحة خارجة عن القانون مهما كانت هويتها القبلية والمناطقية والمذهبية ... إلا أن السلطة وما تبقى لها من قوات مسلحة تستأسد على التجمعات السلمية للحراك السلمي في المحافظات الجنوبية وفي المناطق المدنية ... ليس من منطلق وطني ولكنها تنطلق من منطلق التسيد والمصالح الخاصة للمتنفذين وأصحاب المصالح المعلنين والمستترين أو المتدثرين بالشرعية المصادرة للدولة ...!!!!