تعيش الحكومة الأسبانية على وقع توتر حاد بشأن الترخيص من عدمه بزيارة رسمية لنائب حكومة الأندلس الإقليمية دييغو فالديراس من اليسار الموحد إلى مخيمات تندوف، ففي الوقت الذي أكد فيه النائب المعروف بعدم حياده وانحيازه للانفصاليين بأن زيارته عادية وليس الهدف منها استفزاز السلطات المغربية، شدّد سياسيون من الحزب الحاكم الأسباني على ضرورة منع الزيارة باعتبارها ستتسبب في تأزيم العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، خاصة وأن حكومة مدريد تتخذ منذ مدة مواقف إيجابية تدعم موقف المملكة تجاه أقاليمها الجنوبية. عبّر العديد من قيادّيي الحزب الاشتراكي العمالي الأسباني الحاكم، عن رفضهم لقرار نائب رئيس حكومة الأندلس بزيارة تندوف، حيث اعتبروه قرارا “غير ملائم” ومن شأنه أن يوتّر العلاقات مع الرباط. يشار إلى أن دييغو فالديراس نائب رئيسة حكومة الأندلس والقيادي في حزب المسار الموحد، قرر القيام بزيارة رسمية لمخيمات تندوف في الأسابيع القليلة المقبلة، موضحا أنه يستجيب لطلب تقدمت به مجموعة من الصحراويّين للغرض (الموالين للبوليساريو) في وقت سابق. وفي لهجة تصعيدية، أكد فالديراس أنه “لن يبالي بأي تدخل من قبل الحزب الاشتراكي العمالي الحاكم، لمنع هذه الزيارة”. ويعتبر اليسار الموحد من الأحزاب الأكثر تأييدا لجبهة البوليساريو الانفصالية ويدعو حكومة مدريد إلى الاعتراف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، وتتهمه أطراف عدّة بالوقوف وراء معظم مبادرات دعم البوليساريو في أسبانيا على المستوى الشعبي والمؤسساتي. وأكد الفريق البرلماني للحزب الحاكم في أسبانيا أن هذه الزيارة تعد “ضربا لمصالح أسبانيا، خاصة وأن المملكة المغربية تلعب دورا جيواستراتيجيا وتجاريا وأمنيا حاسما لصالح أسبانيا، وكذلك لصالح الاتحاد الأوروبي”. وطالب بضرورة “الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية الجيدة مع المغرب” وأنه “لا يجب على حكومة أندلوسيا التدخل في نزاعات ذات طابع دولي” مثل النزاع الإقليمي حول صحراء المغرب. انزعاج كبير في صفوف الحزب الحاكم في أسبانيا بسبب قرار نائب حكومة الأندلس القاضي بزيارة مخيمات تندوف وعموما تعمل العديد من الدول على الحفاظ على علاقات متميزة مع الرباط وأهمها الولاياتالمتحدة التي تعتبر أن المغرب يمكن أن يشكل ورقة قوية في المنطقة، فهو يتوفر على موقع استراتيجي ممتاز، وبإمكانه أن يكون وسيطا جيّدا في ربط علاقات متينة مع بلدان أفريقيا ومع باقي البلدان العربية. وفي سياق متصل، انتقد خوان مانويل مورينو، رئيس الحزب الشعبي لمقاطعة أندلوسيا، نية فالديراس زيارة تندوف، مضيفا أنها “ستتسبب في أزمة دبلوماسية مع المغرب، وستحظى بتفسيرات خاطئة من طرف سلطات الرباط”، خاصة وأنها جاءت بعد أسبوعين من زيارة قادت رئيسة الإقليم الأسباني للمغرب. وأكدت تقارير إخبارية متطابقة أن رئيسة حكومة الأندلس سوزانا دياز وهي من الحزب الاشتراكي لا ترغب في قيام نائبها بزيارة رسمية إلى مخيمات تندوف، باعتبار أن ملف الصحراء من اختصاص الخارجية الأسبانية وليس من اختصاص الأقاليم التي تتمتع بحكم ذاتي مثل الأندلس. وأشارت نفس المصادر إلى أنه في حال إصرار فالديراس على زيارة تندوف فإنه لن يسمح له القيام بذلك بصفته الحكومية وإنما بصفته الحزبية، تجنّبا لردود فعل غاضبة من المغرب. ويؤكد فالديراس أن قرار زيارته لمخيمات تندوف لا يهدف نهائيا إلى استفزاز المغرب بل الوقوف على مشاريع تنموية تمولها حكومة الأندلس التي تخصص مليون يورو سنويا للصحراويين. فالديراس لا يلتزم بالحياد ولا يخفي دعمه للانفصاليين ورفضه لحق المغرب في الحفاظ على وحدته الترابية لكن مراقبين فسّروا هذا القرار بأنه محاولة لضرب تحرك رئيسة الحكومة سوزانا دياز من أجل تعزيز العلاقات مع الرباط خاصة وأن إعلان الزيارة جاء مباشرة بعد قيام دياز بسلسلة لقاءات مع مسؤولين حكوميين من المغرب. كما أكدوا أن فالديراس لا يلتزم بالحياد ولا يخفي دعمه للانفصاليين ورفضه لحق المغرب في الحفاظ على وحدته الترابية، على عكس العديد من المسؤولين الأسبان الذين يحاولون قدر المستطاع تجنب توتير العلاقات مع المغرب وذلك إمّا بعدم التدخل في الشأن الصحراوي أو بالتعبير عن مواقف إيجابية داعمة للمملكة. ورغم أن أسبانيا كانت تنفي دائما أن يكون بينها وبين المغرب اختلافات جوهرية حول الأقاليم الجنوبية، وبقيت تؤكد أن العلاقات بين البلدين تتجه في مسار تطوري نحو التحديث والتعاون، لكن مواقفها ظلّت متقلبة وفق مصالحها ووفق الحكومات المتعاقبة. وعموما سجّلت لأسبانيا مواقف إيجابية من قبيل تحذيرها من إجراء استفتاء حول الصحراء، باعتبار أن القيام باستفتاء من شأنه أن يدخل المنطقة كلها في صراع وتوتر وتكون مضاعفاته خطيرة على كل الأطراف. ويعاد إلى الأذهان أنّ المغرب، بادر باقتراح الحكم الذاتي في أقاليمه الجنوبية كحل لإنهاء النزاع، يمنح منطقة الصحراء حكما ذاتيا موسعا في إطار السيادة المغربية. وقد لاقت هذه المبادرة دعما دوليا واسعا غير أنّ إصرار جبهة البوليساريو على خيار الاستقلال ورفضها التفاوض حول المقترح المغربي، تسببا في تصاعد الأزمة السياسية.