مهما كان الرأي في «أنصار الله» الحوثيين، إلا أنه لا يمكن تجاوز أنهم مجموعة لهم أطروحة سياسية يمكن التحاور معهم عليها...يتفق معهم قطاع واسع من اليمنيين ويختلف معهم آخرون، وقد أعلن «أنصار الله» في كثير من المناسبات بأنهم يمدون يدهم داخليا للجميع ولا يستهدفون بالإقصاء أي شريحة اجتماعية أو سياسية، أما بالنسبة للخارج فهم لا يطلبون إلا عدم التدخل في الشؤون الداخلية اليمنية. معروف عن «أنصار الله» بأنهم أعداء لدودون لتنظيم «القاعدة»، ومعروف أنهم هزموه هم والتكفيريون في جميع المواجهات التي تمت بينهم، ومعروف عنهم كذلك بأنهم خصوم لدودون لتنظيم الإخوان الذي ساند وشارك السلطة التي ثار عليها الشعب، وقد تمت هزيمة الإخوان في جميع الاحتكاكات العسكرية والأمنية معهم.
لجأ «أنصار الله» ومن تحالف معهم من القوى الشعبية للإعلان الدستوري فقط عندما أحسوا بأن التدخلات الخارجية والخطة الأميركية تهدف لإدخال اليمن في الفراغ بعد تقديم الرئيس لاستقالته فكانت هذه خطوة لابد منها لعدم الدخول في الفراغ والفوضى.
الوضع الأمني الحالي في اليمن مستقر في الجزء الأكبر من الجغرافيا اليمنية فلا قتل ولا مذابح ولا استباحات والشعب يمارس حياته اليومية بشكل عادي طبيعي. فقط في البيضاء وعلى مشارف مأرب توجد الاحتكاكات العسكرية، وهي بشكل أساسي بين الجيش اليمني مدعوما من «أنصار الله» في جهة، وتنظيم «القاعدة» والتكفيريين وبعض القبائل المتحالفة معهم في الجهة الأخرى، هذا هو الواقع الحالي وهو مرشح للتحسن بالقضاء على تنظيم «القاعدة» والتكفيريين من «داعش» وأخواتها في البيضاءومأرب. هذا إن ترك اليمنيون يتولون شؤونهم الداخلية بأنفسهم، ولكن ماذا ستكون عليه الحال لو تم تكرار السيناريو السوري في اليمن وإمداد التنظيمات التكفيرية من «قاعدة» و«داعش» وغيرهما بالسلاح والمال والدعم البشري واللوجستي؟، وكما في المشهد السوري فإنه لا توجد في اليمن جهات شعبية وازنة غير تكفيرية مستعدة أن تدخل في حرب عسكرية أو تستطيع أن تفعل ذلك...فقط التكفيريون من «القاعدة» و«داعش» هم من يستطيعون ذلك، وأي جهد ودعم مناوئ ل «أنصار الله» لابد وأنه سيصب عند الجهات التكفيرية في القاعدة وداعش، فالجيش متفاهم مع «أنصار الله».
من يظن بأن ما ينقص التيارات التكفيرية هو السلاح والعتاد وأعداد بشرية إضافية ليستطيعوا حسم الموقف ضد «أنصار الله» وحلفائه فهو لم يحسب ولم يقرأ الواقع بطريقة منطقية، فالقاعدة والقوى السلطوية والإخوان حينما دخلوا في مواجهات مع «أنصار الله» لم يكن هذا ما ينقصهم، ولا كانت هذه نقطة ضعفهم عندما تمت هزيمتهم...نعم، زيادة السلاح والدعم سيطيل أمد الحرب ويزيد من الخسائر بين الأطراف، وسيزيد المساحات التدميرية والدماء المدنية...وبما أن الجهة المقابلة لأنصار الله هي جهات تكفيرية فلا بد وأننا سنشهد الذبح والسبي والحرق وجميع الفظائع التي نشهدها الآن في سورية والعراق وليبيا، وهذا جزء من السيناريوات المتوقعة عند حصول الدعم، وكذلك يتوقع بأن أنصار الله سيتخلون عن موقفهم الحيادي بالنسبة للمحيط بعد أن يتدخل ويدعم عدوهم من التنظيمات التكفيرية، ويمكن تخيل ما يمكن أن يحدث في المنطقة إن قرروا أن يدخلوا الجهات الداعمة في الحرب باعتبارها جهاتٍ عدوة.
بالنسبة للمحيط، فكل النتائج للسيناريو السوري في اليمن ستكون كارثية عليه...فلو انتصرت الجهات التكفيرية وأمسكت زمام الأمور في اليمن، فالأمر لا يحتاج لكثير تخيل لما سيؤول إليه وضع المنطقة...يكفي أن ننظر لما تفعله «داعش» من جرائم غير مسبوقة في التاريخ البشري، وما تعلنه من نوايا تجاه دول المنطقة وشعوبها بكافة شرائحهم الاجتماعية والدينية، أما لو انتصر تحالف «أنصار الله» وكانت نظرته للمحيط نظرة عدائية بسبب دعمه للتكفيريين فسيناريو الخطر على الدول الداعمة سيتضاعف احتماله عما هو عليه الآن قبل تكرار السيناريو السوري.
لا خيار منطقيا أمام المحيط الإقليمي أفضل من ترك اليمنيين ليقرروا كيف يحلون مشاكلهم داخليا وعدم الدفع بالخيار الفتنوي العسكري، فسورنة اليمن ستكون بمثابة بركان تطول حممه المحيط بأجمعه.