يمتاز الفرنسيون بحساسية مفرطة في مسألة استخدام اللغة الفرنسية، سواء على الصعيد السياسي أم الاقتصادي أم الثقافي أم الإعلامي.. إذ وجدوا من منطلق «الاستثناء الثقافي»، الذي ابتدعوه على هامش اتفاق ماستريخت 1992، أنهم مضطرون إلى الحفاظ على لسانهم ضمن ما يُطلق عليه «الأمن اللغوي» من الاختراق والتلوث.. ولم تسلم الملاعب من إثارة لمسألة اللغة.. إذ إن القوانين تمنع استخدام الدعاية والإشهار التجاري بغير لغة فولتير، ولا يتردد رئيس الاتحاد الأوروبي ميشيل بلاتيني في التذكير بضرورة الحفاظ على مكانة اللغة الفرنسية في أشغال الهيئة التي يديرها، وينبه بلاتر باستمرار إلى ضرورة احترامها والتصريح بها، كونه يتحدثها بطلاقة، لأن المسافة بين فرنسا وسويسرا لا تتجاوز الأنملة.. المثير في الموضوع، وهو ما تناولته هذا الأسبوع الصحافة البلجيكية، عندما سلطت الأضواء على حكم يُشهر بطاقاته الصفراء والحمراء في وجوه اللاعبين الفرنكفونيين الذين لا يتحدثون الهولندية في مقاطعة الفلاندر البلجيكية التي تستخدم اللسان الهولندي، ولم يهتم الحكم للضوضاء التي تسبب فيها، بإيقاظه الشياطين اللغوية النائمة، إذ إن بلجيكا تعيش منذ أعوام على وقع صراع لغوي رهيب، يتهدد بتقسيم المملكة الهادئة إلى قسم فرنسي وآخر ألماني وهولندي، ولم تنفع مساعي حكماء أوروبا في تقريب وجهات النظر وسد الفجوة التي تزداد اتساعاً.. وجد لاعبو فريق أقل من 15 عاماً أنفسهم أمام حكم متطرف لغوياً، لا يتردد في طرد من يجرؤ على الرد عليه بغير الهولندية، بحجة أنها لغة المقاطعة، ولا يجوز تجاهلها من بلجيكيين قادمين من مقاطعة فرنكفونية، وخصوصاً أن الجميع مطالب بتعلم اللغتين الرئيستين في بلجيكا.. إلا أن رائحة السياسة تسللت من ثقوب الملعب لتستقر في صافرة حكم يعتبر من يرد عليه بغير الهولندية أكثر من متسلل، بل مرتكب لجناية تقتضي قصاصاً سريعاً.. وهو ما أدى إلى أن يخرج الفريق الفرنكفوني منهزماً (7- صفر) ولسان حاله: «هزمتنا الهولندية..». وانتقل النقاش من بلجيكا إلى فرنسا، التي استنفرت أجهزتها الإعلامية والسياسية مستنكرة سلوك الحكم الذي لم يكن حيادياً على الإطلاق، لأنه وظف قناعاته السياسية والثقافية في ملعب كرة القدم.. بينما اكتفى الحكم جاك سيلسلاجس بالقول: «لم أفهم لماذا تزعجني وسائل الإعلام بهذه الصورة الغريبة.. كأنني ارتكبتُ خطيئة». للأسف، الخطيئة ارتكبها فرانك ريبيري، الذي ظل يهين فرنسا والفرنسيين والفرنسية منذ التحاقه بألمانيا. فنجم النادي البافاري، أعلن هذا الأسبوع رغبته في التخلي عن الجنسية الفرنسية، إذا ما منحه الألمان جنسيتهم، وهو ما أثار لغطاً واسعاً في أوساط الإعلام الفرنسي، وأثار استغراب الساسة الذين لم يفهموا سبب ثورة ريبيري على كل ما هو فرنسي، فاللاعب أعلن تطليقه منتخب الديكة بالثلاث، وهو من كان يتعمد الرد على أسئلة الصحافيين الفرنسيين باللغة الألمانية، وهو من كان يستخدم اللغة الفرنسية الهابطة في رده على مناوئيه.. ولا أحد يجد مبرراً لهذا التحول الكبير في سلوك بلال الفرنسي، ربما يجري في عروقه دم جرماني لم تنتبه إليه مارين لوبان.. أو ربما هي عدوى الممثل جيرار دبارديو الذي باع الجمل بما حمل واختار أن يكون روسياً على رغم أنف.. نابوليون. *نقلا عن الحياة اللندنية