أعاد مسؤولون أميركيون العشرات من الآثار العراقية التي تم تهريبها بصورة غير شرعية إلى الولاياتالمتحدة، بما في ذلك رأس تمثال لملك آشوري كان في أحد المواقع التي تم تدميرها على أيدي مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية. والرأس المصنوع من الحجر الجيري يعود للملك الآشوري سرجون الثاني وكان موجودا على جسد ثور مجنح "لاماسو" حيث كان يشكل مخلوقا رمزيا يقوم بحماية المدن والقصور ودور العبادة.وتم نقله من قصر سرجون الثاني، والذي كان من بين المواقع التاريخية التي نهبتها مؤخرا ميليشيا تنظيم الدولة الإسلامية. واصبح الرأس في حوزة مسؤولين أميركيين في عام 2008 بعد أن تم شحنه إلى نيويورك عن طريق شركة تتاجر في الآثار مقرها دبي تبيع الأشياء المنهوبة. كما تم العثور على قطع أثرية اخرى، بما في ذلك فأس برونزية يعود تاريخها إلى بدايات حضارة السومر، وبيعت على موقع الإعلانات الشهير على الإنترنت "كريغزلست". كما وقع في حوزتهم أشياء مهربة أخرى كانت جزءا من مخطط لغسل الأموال على يد منظمة إجرامية دولية ضخمة. وتعد هذه القطع جزء من عملية أوسع لاستعادة الآثار المنهوبة، بما في ذلك ليبيا ومصر وأفغانستان.
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب تحقيقات أشرف عليها ضباط من إدارة الهجرة والجمارك الأميركية في نيويورك وبالتيمور وأوستين. وتمكن ضباط الهجرة والجمارك من ضبط القطع المنهوبة في أغسطس 2008 بعد أن شحنها تاجر اثار مقيم في دبي إلى نيويورك. وجاء في بيان وزارة الأمن الداخلي إن التحقيقات قادت إلى تحديد شبكة دولية تتاجر في التحف الأثرية.
أشياء مهربة كانت جزءا من مخطط لغسل الأموال على يد منظمة إجرامية دولية
وتضم التحف الأخرى التي أعيدت للعراق قطعا مطلية بالذهب نهبت من المطار الخاص وقصر الرئيس السابق صدام حسين. وأضاف البيان أن إدارة الهجرة والجمارك أعادت أكثر من 1200 قطعة اثرية إلى العراق على أربع دفعات منذ عام 2008. وكان وزير السياحة العراقي عادل شرشاب قد ذكر أمس الاثنين أن بلاده بانتظار أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة لبحث تدمير الآثار العراقية واسترداد المهربة منها. وجاء حديث الشرشاب، خلال تصريحات للصحفيين على هامش وقفة تضامنية ضد "الاعتداءات الارهابية"، التي طالت آثار العراق في الموصل شمالي البلاد. وحضر المناسبة التي أقامتها وزارة السياحة والآثار بالتعاون مع وزارة الخارجية العراقية في متحف بغداد سفراء من الدول العربية والأجنبية ورؤساء بعثات دبلوماسية في البلاد. وقال الشرشاب إن آلة داعش التدميرية طالت آثار متحف الموصل الحضاري ثم سرقة وتجريف اثار مدينة النمرود والحضر وخرسباد الاثرية في تحد لإرادة المجتمع الدولي. وطالب الوزير العراقي بتفعيل قرارات مجلس الأمن الدولي لاسيما القرار 2199 الذي وضع حداً للبيع والمتاجرة بالآثار العراقية من قبل تنظيم "داعش" كأحد مصادر تمويله المهمة. وقال ان وزارته تنتظر الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي للتعاطي مع هذه الأزمة ومساعدة العراق فنياً وتقنياً في مجال تأهيل المتاحف وترميم وصيانة المواقع الاثارية واسترداد اثاره المسروقة والمهربة التي بدأت تظهر في مزادات بيع الاثار وقاعات الفن الدولية. ومنذ يونيو الماضي دأب تنظيم "داعش" على تدمير معالم أثرية وحضارية وثقافية في المناطق التي يسيطر عليها في العراق ولاسيما مدينة الموصل من قبيل هدم المساجد والكنائس التي يعود تاريخ بنائها الى حقب زمنية متفاوتة. وبث المتشددون في 26 فبراير الماضي، شريطا مصورا يظهر تدمير محتويات وتماثيل في متحف الموصل الواقعة على بعد 400 كلم شمال بغداد. وفي الأسابيع اللاحقة دمر وجرف التنظيم المتشدد مدينتي نمرود والحضر الأثريتين في محافظة نينوى واللتين يعود تاريخهما الى ما قبل الميلاد. وأثارت هذه الأعمال استنكارا محليا ودوليا واسعا. وتقول السلطات العراقية إن تنظيم "داعش" هرب آثار منها منحوتات آشورية إلى خارج البلاد وباعه في السوق السوداء وأنها بدأت تظهر في مزادات الآثار.
كما يبدي المسؤولون العراقيون مخاوفهم من إقدام المتشددين على هدم 520 بيتا تراثيا في الموصل بعد حرق 1500 مخطوطة تاريخية.
وزير السياحة العراقي طالب بتفعيل قرارات مجلس الأمن بوضع حد للبيع والمتاجرة بالآثار العراقية
من جانبه أشار مدير مكتب يونسكو العراق اكسل بلات في كلمته خلال الوقفة التضامنية الى ان "هذه الجرائم المرتكبة بحق الحضارة الانسانية العراقية تهدف الى تقويض التعايش الاجتماعي الراسخ في العراق منذ سنوات". وقال إنها "جرائم حرب ضد الانسانية كون التراث الذي حطموه ليس تراثاً عراقياً فحسب بل هو تراث عالمي وإنساني". وأضاف بلات أن "اليونسكو تؤيد كل جهد دولي لمساعدة العراق"، لافتاً الى ان مدير عام المنظمة ارينا بوكوفا قد طالبت بإجراء تحقيق دولي بخصوص تلك الجرائم. وأكد أن منظمة اليونسكو مستمرة بمتابعة الخروقات التي طالت الآثار العراقية منذ عام 2003 وحتى الآن وقد نبهت أعضاء مجلس الأمن الدولي بتلك الخروقات. وأعرب عن استعداد اليونسكو لتقديم المساعدة الفنية بشأن صيانة وترميم القطع الفنية وتقديم خطة طوارئ بالتنقيب عن مواقع اثرية وتدريب الكوادر الفنية فضلا عن تقديم المعونة بتقييم الأضرار الناجمة عن هذا الاعتداء حال زواله. ودعا بلات القادة السياسيين الى "تجريم هذه الاعتداءات بحق الحضارة واتخاذ الاجراءات اللازمة للحد منها"، لافتاً الى ان افتتاح المتحف العراقي في بغداد مباشرة بعد الاعتداء على متحف الموصل كان رداً حضارياً مناسباً ويجب الرد على مثل تلك الاعتداءات الثقافية بالمزيد من الفعاليات الثقافية.