عدن.. هيئة النقل البري تغيّر مسار رحلات باصات النقل الجماعي    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    الشهادة منحة إلهية    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    في وقفات شعبية وفاءً لدماء الشهداء واستمرارًا في التعبئة والجهوزية..قبائل اليمن تؤكد الوقوف في وجه قوى الطاغوت والاستكبار العالمي    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    الدوري الانكليزي: مان سيتي يسترجع امجاد الماضي بثلاثية مدوية امام ليفربول    نجاة برلماني من محاولة اغتيال في تعز    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    الأهلي يتوج بلقب بطل كأس السوبر المصري على حساب الزمالك    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    عين الوطن الساهرة (1)    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    نائب وزير الشباب يؤكد المضي في توسيع قاعدة الأنشطة وتنفيذ المشاريع ذات الأولوية    الدوري الانكليزي الممتاز: تشيلسي يعمق جراحات وولفرهامبتون ويبقيه بدون اي فوز    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من قتل الجنود المصريين في سيناء؟
نشر في عدن الغد يوم 08 - 08 - 2012

كثر ما لفت انتباهي فيما يتعلق بحادثة قتل 16 ضابطًا وجنديًا مصريًا عند معبر كرم أبو سالم الحدودي بين مصر وإسرائيل هو تعليقات «النشطاء الثوريين» على الواقعة. فبين تأكيد البعض على مسؤولية إسرائيل عن الحادث، والاعتقاد الجازم لدى آخرين أن حماس هي الفاعل، والإصرار من الغالبية أن الأمر يتطلب حلًا أمنيًا يتضمن تشديد الرقابة على الحدود وتكثيف تواجد الجيش والشرطة المصريين في سيناء، تسرب لدي إحساس بأن هناك «مشكلة ما» في طريقة نظر القوى الثورية إلى الحادثة.. مشكلة تتطلب المناقشة والنقد. ولهذا السبب، أقدم هنا عددًا من الملاحظات والاستنتاجات حول الحادثة كمفتتح للنقاش حول «المسألة السيناوية» و«القضية الفلسطينية» وعلاقتهما بالثورة المصرية.
الوقائع
1. أول ملاحظة أن هناك عنصرا جوهريا في القصة غائب في معظم الروايات المصرية، وهو أن الجماعة المنفذة للحادث كانت تستهدف القيام بعملية نوعية داخل الأراضي الإسرائيلية. هذا لا يمثل مبررًا للحادث أو عذرًا لمرتكبيه. هذه فقط معلومة أساسية إغفالها يؤدي إلى عدم فهمنا للقصة بشكل صحيح. فالثابت من معظم المصادر أن ما حدث هو أن المنفذين هاجموا الوحدة العسكرية المصرية بغرض سرقة مدرعة وعربة محملة بالمتفجرات، ثم اتجهوا بهما إلى الحدود الإسرائيلية وقاموا بتفجير ممر نجحت المدرعة في عبوره إلى داخل أرض الدولة الصهيونية، لكن تمت مهاجمة المدرعة وشل قدرتها على الحركة قبل نجاحها في تنفيذ عملية ما ضد هدف إسرائيلي.
2. ثاني ملاحظة أن هذه ليست أول مرة تقوم فيها عناصر إسلامية جهادية بعمليات في سيناء. ففي منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، وفي ظل حكم حسني مبارك، قامت جماعات جهادية بعمليتين ضد أهداف «سياحية» في شرم الشيخ وطابا. وبعد الثورة قامت قوى غير معلومة، وإن كانت محسوبة على الإسلام الجهادي، بتفجير خط الغاز المتجه إلى إسرائيل حوالي 15 مرة. كذلك قامت جماعات مختلفة بتنفيذ سلسلة من الهجمات على أقسام الشرطة والمواقع العسكرية في وسط وشمال سيناء في عمليات تمت نسبتها، دون دلائل قاطعة، إلى جهاديين إسلاميين تزايد نفوذهم في شبه الجزيرة بعد تراجع سيطرة القبضة الأمنية في أجواء ما بعد 11 فبراير 2011.
3. لكن المختلف هذه المرة كان «استحلال» الجهاديين لدماء الضباط والجنود المصريين ليس، كالعادة، في مواجهات مباشرة يتبادل فيها الطرفان إطلاق النار، بل في هجوم مباغت على قوات في حالة غير قتالية تتناول إفطارها. وهو ما يعكس تغلغل وعي العداء التام للسلطات المصرية، ممثلة في الجيش والشرطة، بين عناصر الجهاديين الإسلاميين في سيناء.
4. هذا ما يحيلني إلى مسألة هوية مرتكبي الحادث. فبقراءة سريعة لمواقف مختلف القوى الثورية، نجد أنها انقسمت في تحديد الفاعل الأصلي ل«الجريمة» إلى معسكرين. المعسكر الأول يصر على أن إسرائيل، وفقًا لنظرية «ابحث عن المستفيد»، هي الفاعل. أما المعسكر الثاني فيؤكد، على العكس، أن الإسلاميين، بالتحديد حماس وربما من ورائها إيران وحزب الله، هم الفاعلون، وهو ما يثبت، حسب رؤيتهم، خيانة سياسة رئيس الجمهورية محمد مرسي الداعية إلى تعميق الصلات مع حماس وقطاع غزة.
لكن كل المؤشرات والمعلومات تؤكد أن كلتا النظريتين خاطئتان، بل تعكسان هوسًا بفكرة المؤامرة ومنهج البحث عن يد خارجية وراء كل المصائب. فبالنسبة لنظرية «الفاعل إسرائيل»، نجد أن الثابت ليس فقط أن مرتكبي الحادث دخلوا إسرائيل وتم الاشتباك معهم من جانب «جيش الدفاع الإسرائيلي»، بل إن الكيان الصهيوني كان قد وجه تحذيرًا قبل الحادث لرعاياه بمغادرة سيناء تحسبًا ل«عمل إرهابي محتمل»، وهما واقعتان تكشفان أن جوهر ما حدث كان عملية استهدفت إسرائيل وليس عملية قامت بها إسرائيل
أما بالنسبة لنظرية «الفاعل حماس»، فيحار العقل في فهمها. فلماذا ترسل قيادات حماس مجموعة مدربة تدريبًا عاليًا إلى داخل الأراضي المصرية لتقتل – بقرار مسبق وليس بسبب تداعيات غير محسوبة – 16 عسكريًا مصريًا، فتعقد علاقتها مع مصر وتحرج جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي وتعطي الجيش المصري فرصة لإضعافه وتعطي إسرائيل فرصة للضغط من أجل إنهاء كل مبادرات التعاون بين غزة والسلطات في مصر ما بعد الثورة.
5. على أن الهوس بنظريات اليد الخارجية لن ينجح في التمويه على الحقيقة، وهي أن العملية الأخيرة التي نُفذت انطلاقًا من سيناء تمت بأيد أغلبها مصرية على خلفية انتشار واتساع نفوذ الجماعات الإسلامية الجهادية – المعادية بالمناسبة لكل من جماعة الإخوان المسلمين في مصر وقرينتها حماس في غزة – في شبه الجزيرة المصرية في السنوات الأخيرة. ذلك أن تربة الإفقار والاضطهاد التي تمت تنميتها في سيناء على مدى عقود قد أنتجت قوى راديكالية، للأسف ذات طابع عصبوي رجعي، تعمل على مواجهة تحالف الشر المكون من إسرائيل وأمريكا والسلطات المصرية، بل ربما كذلك عموم الكفار من المصريين الرافضين لحكم الله.
لا أحد ينكر أن هناك درجة من التنسيق بين الجهاديين السيناويين وجهاديي غزة، ولا أحد ينكر أن التنسيق ربما وصل إلى حد التعاون الإقليمي بين قوى الإسلام الراديكالي في منطقة الشرق الأوسط وما وراءها. لكن الأكيد أن الدعم الخارجي ليس أكثر من عامل مساعد لظاهرة ذات جذور سيناوية. والأهم من هذا أن تعبير «دعم خارجي» في حالتنا هذه ينبغي أن يؤخذ بحذر شديد. فعمق صلات الدم والتاريخ بين المضطهدين على جانبي الحدود بين مصر وغزة، وعبثية فكرة الحدود بالنسبة لقبائل متصاهرة عاشت آلاف السنين دون حدود يجعلان من «الداخل» و«الخارج» مفاهيم مضللة تنتسب إلى مصالح القوى الإقليمية والدولية أكثر من انتسابها إلى مصالح الشعوب.
السياق
فما الذي حدث إذن؟ أظن أن القراءة التاريخية لتطور تفاعل الإمبريالية الجديدة وقرينتها الليبرالية الجديدة في هذه المنطقة الحساسة جيوستراتيجيًا هو المدخل الصحيح لفهم ما حدث، وهو ما يمكن تلخيصه في النقاط الآتية:
1. النقطة الأولى الجديرة بالنظر هي أن جزءًا رئيسيًا مما يحدث أمام أعيننا يجد تفسيره في انهيار عملية السلام العربي الإسرائيلي. فبعد أن فشلت إسرائيل في فرض شروطها في عملية السلام، وبعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، قرر الكيان الصهيوني أن الطريق إلى حل المسألة الشرق الأوسطية لن يمر عبر التعاون السياسي مع الأنظمة العربية، بل عبر فرض الأمر الواقع من طرف واحد.
هنا وُلدت سياسة فك الارتباط. جوهر هذه السياسة هو تخلي إسرائيل من ناحية أولى عن حلم الهيمنة على الشرق الأوسط الكبير عبر عملية سلمية مع أنظمة متواطئة، وتخليها من ناحية أخرى عن حلم إسرائيل الكبرى عبر حروب استعمارية تبتلع كل الأراضي من النهر إلى البحر، وتبنيها في المقابل لاستراتيجية تثبيت دعائم إسرائيل الصغرى التي تضم إسرائيل الحالية مضافًا إليها الجزء الأكبر من الضفة الغربية، مع الانسحاب من جانب واحد ودون مفاوضات من كل الأراضي العربية الأخرى، ولكن في سياق إجراءات أمنية تصل إلى حد بناء أسوار عازلة مع المناطق ذات التوتر الأمني (غزةسيناء) والضغط بعنف على الأنظمة المجاورة (مصر – السلطة الفلسطينية – لبنان – سوريا) لتقوم بمهمة ردع وحصار حركات المقاومة.
2. بالقطع يمكننا القول إن هذه السياسة تعبر عن فشل المشروع الصهيوني والإمبريالي في الشرق الأوسط. فقد سقط حلم إسرائيل الكبرى العسكري (بن جوريون)، وسقط حلم إسرائيل الكبرى الاقتصادي (بيريز)، ولم يعد هناك إلا إسرائيل الصغرى المضطرة إلى حماية نفسها بأسوار عازلة وإجراءات أمنية.
لكن الوجه الآخر لتلك السياسة كان تصاعد الوحشية الإسرائيلية. فمن حرب مع لبنان-حزب الله، إلى حرب مع فلسطين-حماس، إلى مواجهات يومية لا تتوقف، كان العقد الأخير عقد الحرب والقتل بلا منازع.
في هذا السياق، تصاعدت المواجهات بين الأنظمة (مصر، لبنان، الأردن) وشبه الأنظمة (السلطة الفلسطينية) من ناحية، وبين حركات المقاومة من ناحية أخرى. فرأينا حصار حماس من كل جانب بعد أن حققت انتصارًا انتخابيًا في مطلع 2006، وهو ما أدى إلى الشقاق بينها وبين السلطة وما أفرزه ذلك من تشويش على الصراع مع إسرائيل. ورأينا مؤامرات الأنظمة على حزب الله إلى حد تمني بعضها هزيمته في المواجهة مع إسرائيل.
حركات المقاومة هي الأخرى، ورغم نجاحها في إفشال مخططات الإمبريالية، كشفت عن عيوبها القاتلة. فبين ارتكانها إلى أنظمة قمعية بالية (سوريا – إيران)، وتبنيها لرؤية عنصرية، على الأقل جزئيًا، لطبيعة الصراع مع الصهيونية باعتباره صراعًا مع اليهود، واعتمادها على سياسات رجعية تقوم على استبعاد المختلفين دينيًا، وتمسكها باستراتيجيات لا تضع الحركة الجماهيرية من أسفل في مركز الصراع مع الصهيونية والإمبريالية.. بين هذا وذاك تخبطت حركات المقاومة وفقدت إلهامها الشعبي، خاصة بعد اندلاع موجة الثورات العربية.
3. وعلى الجانب الآخر، وفي سيناء «المحررة»، تجسدت سياسات الليبرالية الجديدة السائدة في مصر على أرض شبه الجزيرة في الاعتقاد أن سيناء أرض بلا شعب تمنح نفسها بلا مقابل للمستثمرين. وهكذا، انتشرت المنتجعات والقرى السياحية الباذخة وأصبح دخولها مقصورًا على الأثرياء، فتحولت شبه الجزيرة إلى جنة لغير أهلها يحرسها من الطامعين – وهم ليسوا إسرائيل هذه المرة، بل السيناويون والوافدون من الفقراء – قوات أمنية متوحشة لا تعرف إلا لغة التعذيب والقمع.
فلما بدأت جماعات متعددة من الأهالي تمارس تمردها – بطرق مختلفة أغلبها خاطئ، بل رجعي – انطلق وحوش الأمن في مهمة مقدسة على الطريقة الإسرائيلية للتنكيل الجماعي بالشعب السيناوي وإنكار حقوقه في التنمية المنطلقة من حرية السكان في تحديد أولوياتهم وخياراتهم. وهكذا، تمهدت الأرض لاتساع وانتشار الحركات السلفية الرجعية الإرهابية كبديل يقضي على الظلم بإرساء شرع الله كما يفهمونه.
4. إذن فعلى جانبي الحدود – في سيناء وفي غزة – وُجدت تربة صالحة لميلاد قوى سلفية جهادية ذات منظور رجعي على طريقة تنظيم القاعدة. فانهيار عملية السلام ووحشية الحلول الأمنية الإسرائيلية وقسوة الحصار المصري العربي من ناحية، وإفلاس قوى المقاومة وحساباتها الإقليمية من ناحية أخرى، خلقا ظرفًا يستدعي حلولًا جديدة وراديكالية على الجانب الفلسطيني. ولما كان الفراغ الناشئ يحتاج من يملؤه أيًا كان، ولما كانت الحلول الثورية التقدمية غير مطروحة، على الأقل حاليًا، فإن الحلول الرجعية تقدمت المشهد.
وعلى الجبهة المصرية، كان مزيج الليبرالية الجديدة والقمع الأمني كفيلًا بتوفير تربة مشابهة استدعت حلولًا مشابهة. وهو ما انعكس في تصاعد نفوذ السلفية الجهادية في سيناء في غفلة من الحكام ورجال الأعمال.
المخرج
هذا السياق هو ما يجعلني أختلف مع حزمة الحلول المطروحة من جانب قوى ثورية للمسألة السيناوية. فالنبرة الأمنية عالية في هذه الحلول التي يطالب أغلبها بمعالجة التقصير الأمني في سيناء وبمراجعة اتفاقية السلام مع إسرائيل للسماح للقوات المصرية بالتواجد الكامل غير المشروط فيها.
خلافي ليس مع الإجراءات في حد ذاتها. فمن ذا الذي ينكر الإشكاليات الكبرى المتعلقة باحترافية الجيش المصري بعد عقود من توظيف الطاقات في صناعات مدنية تمتد من الفنادق إلى الأغذية والمشروبات، ومن ذا الذي يرفض المطالبة بإسقاط شروط كامب ديفيد. لكن الذي لا أستسيغه وأندهش له هو اعتبار أن هذه الإجراءات – ربما فيما عدا مطلبا فضفاضا يطرحه البعض يتعلق بتنمية سيناء – تمثل حلا للمأزق الذي نحن بصدده.
فهل يطلب الثوريون فعلا أن تزيد قوة الأمن في سيناء؟ هل يحلمون بأن تعود حملات التمشيط الأمني لكشف «العناصر الإرهابية»؟ وهل يعتقدون أن عودة الجيش بكامل قوته وإغلاق الحدود وحبس الغزاويين في علبة سردينهم ستحمي مصر من الخطر الإرهابي؟
إذا كان فيما قدمته من رؤية لأسباب انتشار الجهادية السلفية الرجعية بعض الصحة، فأظن أن المخرج الثوري من أزمة صعود البديل الرجعي لا يكون أبدًا بتقوية ذراع الدولة الأمنية التي عانينا ونعاني منها وبتغذية الكراهية ضد الشعوب المضطهدة الأخرى، ليس فقط بسبب لا إنسانية ولا تقدمية هذا الحل، ولكن أيضًا لعدم جدواه. فطالما ظل الظلم جاثمًا على جانبي الحدود، ستظل الحركات الراديكالية، رجعية أو تقدمية، تتوالد مرة بعد مرة.
الحل في رأيي هو السعي إلى ميلاد بديل ثوري على أرض سيناء وأرض غزة.. الحل هو محاربة الرجعية الجهادية المتمسحة بالإسلام بحركة شعبية من أسفل تناضل ضد التنكيل الأمني والتهميش والحصار والليبرالية الجديدة والصهيونية والإمبريالية الجديدة من منظور تقدمي أساسه وحدة شعبي مصر وفلسطين ومركزية النضال الجماهيري من أسفل ورفض كل عنصرية أو عصبوية.
كانت الثورة المصرية وموجة الثورات العربية فرصة تاريخية لغرس هذا البديل على أرض سيناء وأرض غزة. الآن مرت شهور طوال وجرت في النهر مياه كثيرة، ولا أدري إن كانت الفرصة لا تزال سانحة أم لا. لكن ما أعلمه أن الإسلاموفوبيا التي تصل إلى حد استدعاء أجهزة قمع الطبقة الحاكمة لحل المسألة السيناوية بالقوة ستعمق الأزمة وتزيد من قوة الأعداء
كثر ما لفت انتباهي فيما يتعلق بحادثة قتل 16 ضابطًا وجنديًا مصريًا عند معبر كرم أبو سالم الحدودي بين مصر وإسرائيل هو تعليقات «النشطاء الثوريين» على الواقعة. فبين تأكيد البعض على مسؤولية إسرائيل عن الحادث، والاعتقاد الجازم لدى آخرين أن حماس هي الفاعل، والإصرار من الغالبية أن الأمر يتطلب حلًا أمنيًا يتضمن تشديد الرقابة على الحدود وتكثيف تواجد الجيش والشرطة المصريين في سيناء، تسرب لدي إحساس بأن هناك «مشكلة ما» في طريقة نظر القوى الثورية إلى الحادثة.. مشكلة تتطلب المناقشة والنقد. ولهذا السبب، أقدم هنا عددًا من الملاحظات والاستنتاجات حول الحادثة كمفتتح للنقاش حول «المسألة السيناوية» و«القضية الفلسطينية» وعلاقتهما بالثورة المصرية.
الوقائع
1. أول ملاحظة أن هناك عنصرا جوهريا في القصة غائب في معظم الروايات المصرية، وهو أن الجماعة المنفذة للحادث كانت تستهدف القيام بعملية نوعية داخل الأراضي الإسرائيلية. هذا لا يمثل مبررًا للحادث أو عذرًا لمرتكبيه. هذه فقط معلومة أساسية إغفالها يؤدي إلى عدم فهمنا للقصة بشكل صحيح. فالثابت من معظم المصادر أن ما حدث هو أن المنفذين هاجموا الوحدة العسكرية المصرية بغرض سرقة مدرعة وعربة محملة بالمتفجرات، ثم اتجهوا بهما إلى الحدود الإسرائيلية وقاموا بتفجير ممر نجحت المدرعة في عبوره إلى داخل أرض الدولة الصهيونية، لكن تمت مهاجمة المدرعة وشل قدرتها على الحركة قبل نجاحها في تنفيذ عملية ما ضد هدف إسرائيلي.
2. ثاني ملاحظة أن هذه ليست أول مرة تقوم فيها عناصر إسلامية جهادية بعمليات في سيناء. ففي منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، وفي ظل حكم حسني مبارك، قامت جماعات جهادية بعمليتين ضد أهداف «سياحية» في شرم الشيخ وطابا. وبعد الثورة قامت قوى غير معلومة، وإن كانت محسوبة على الإسلام الجهادي، بتفجير خط الغاز المتجه إلى إسرائيل حوالي 15 مرة. كذلك قامت جماعات مختلفة بتنفيذ سلسلة من الهجمات على أقسام الشرطة والمواقع العسكرية في وسط وشمال سيناء في عمليات تمت نسبتها، دون دلائل قاطعة، إلى جهاديين إسلاميين تزايد نفوذهم في شبه الجزيرة بعد تراجع سيطرة القبضة الأمنية في أجواء ما بعد 11 فبراير 2011.
3. لكن المختلف هذه المرة كان «استحلال» الجهاديين لدماء الضباط والجنود المصريين ليس، كالعادة، في مواجهات مباشرة يتبادل فيها الطرفان إطلاق النار، بل في هجوم مباغت على قوات في حالة غير قتالية تتناول إفطارها. وهو ما يعكس تغلغل وعي العداء التام للسلطات المصرية، ممثلة في الجيش والشرطة، بين عناصر الجهاديين الإسلاميين في سيناء.
4. هذا ما يحيلني إلى مسألة هوية مرتكبي الحادث. فبقراءة سريعة لمواقف مختلف القوى الثورية، نجد أنها انقسمت في تحديد الفاعل الأصلي ل«الجريمة» إلى معسكرين. المعسكر الأول يصر على أن إسرائيل، وفقًا لنظرية «ابحث عن المستفيد»، هي الفاعل. أما المعسكر الثاني فيؤكد، على العكس، أن الإسلاميين، بالتحديد حماس وربما من ورائها إيران وحزب الله، هم الفاعلون، وهو ما يثبت، حسب رؤيتهم، خيانة سياسة رئيس الجمهورية محمد مرسي الداعية إلى تعميق الصلات مع حماس وقطاع غزة.
لكن كل المؤشرات والمعلومات تؤكد أن كلتا النظريتين خاطئتان، بل تعكسان هوسًا بفكرة المؤامرة ومنهج البحث عن يد خارجية وراء كل المصائب. فبالنسبة لنظرية «الفاعل إسرائيل»، نجد أن الثابت ليس فقط أن مرتكبي الحادث دخلوا إسرائيل وتم الاشتباك معهم من جانب «جيش الدفاع الإسرائيلي»، بل إن الكيان الصهيوني كان قد وجه تحذيرًا قبل الحادث لرعاياه بمغادرة سيناء تحسبًا ل«عمل إرهابي محتمل»، وهما واقعتان تكشفان أن جوهر ما حدث كان عملية استهدفت إسرائيل وليس عملية قامت بها إسرائيل
أما بالنسبة لنظرية «الفاعل حماس»، فيحار العقل في فهمها. فلماذا ترسل قيادات حماس مجموعة مدربة تدريبًا عاليًا إلى داخل الأراضي المصرية لتقتل – بقرار مسبق وليس بسبب تداعيات غير محسوبة – 16 عسكريًا مصريًا، فتعقد علاقتها مع مصر وتحرج جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي وتعطي الجيش المصري فرصة لإضعافه وتعطي إسرائيل فرصة للضغط من أجل إنهاء كل مبادرات التعاون بين غزة والسلطات في مصر ما بعد الثورة.
5. على أن الهوس بنظريات اليد الخارجية لن ينجح في التمويه على الحقيقة، وهي أن العملية الأخيرة التي نُفذت انطلاقًا من سيناء تمت بأيد أغلبها مصرية على خلفية انتشار واتساع نفوذ الجماعات الإسلامية الجهادية – المعادية بالمناسبة لكل من جماعة الإخوان المسلمين في مصر وقرينتها حماس في غزة – في شبه الجزيرة المصرية في السنوات الأخيرة. ذلك أن تربة الإفقار والاضطهاد التي تمت تنميتها في سيناء على مدى عقود قد أنتجت قوى راديكالية، للأسف ذات طابع عصبوي رجعي، تعمل على مواجهة تحالف الشر المكون من إسرائيل وأمريكا والسلطات المصرية، بل ربما كذلك عموم الكفار من المصريين الرافضين لحكم الله.
لا أحد ينكر أن هناك درجة من التنسيق بين الجهاديين السيناويين وجهاديي غزة، ولا أحد ينكر أن التنسيق ربما وصل إلى حد التعاون الإقليمي بين قوى الإسلام الراديكالي في منطقة الشرق الأوسط وما وراءها. لكن الأكيد أن الدعم الخارجي ليس أكثر من عامل مساعد لظاهرة ذات جذور سيناوية. والأهم من هذا أن تعبير «دعم خارجي» في حالتنا هذه ينبغي أن يؤخذ بحذر شديد. فعمق صلات الدم والتاريخ بين المضطهدين على جانبي الحدود بين مصر وغزة، وعبثية فكرة الحدود بالنسبة لقبائل متصاهرة عاشت آلاف السنين دون حدود يجعلان من «الداخل» و«الخارج» مفاهيم مضللة تنتسب إلى مصالح القوى الإقليمية والدولية أكثر من انتسابها إلى مصالح الشعوب.
السياق
فما الذي حدث إذن؟ أظن أن القراءة التاريخية لتطور تفاعل الإمبريالية الجديدة وقرينتها الليبرالية الجديدة في هذه المنطقة الحساسة جيوستراتيجيًا هو المدخل الصحيح لفهم ما حدث، وهو ما يمكن تلخيصه في النقاط الآتية:
1. النقطة الأولى الجديرة بالنظر هي أن جزءًا رئيسيًا مما يحدث أمام أعيننا يجد تفسيره في انهيار عملية السلام العربي الإسرائيلي. فبعد أن فشلت إسرائيل في فرض شروطها في عملية السلام، وبعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، قرر الكيان الصهيوني أن الطريق إلى حل المسألة الشرق الأوسطية لن يمر عبر التعاون السياسي مع الأنظمة العربية، بل عبر فرض الأمر الواقع من طرف واحد.
هنا وُلدت سياسة فك الارتباط. جوهر هذه السياسة هو تخلي إسرائيل من ناحية أولى عن حلم الهيمنة على الشرق الأوسط الكبير عبر عملية سلمية مع أنظمة متواطئة، وتخليها من ناحية أخرى عن حلم إسرائيل الكبرى عبر حروب استعمارية تبتلع كل الأراضي من النهر إلى البحر، وتبنيها في المقابل لاستراتيجية تثبيت دعائم إسرائيل الصغرى التي تضم إسرائيل الحالية مضافًا إليها الجزء الأكبر من الضفة الغربية، مع الانسحاب من جانب واحد ودون مفاوضات من كل الأراضي العربية الأخرى، ولكن في سياق إجراءات أمنية تصل إلى حد بناء أسوار عازلة مع المناطق ذات التوتر الأمني (غزةسيناء) والضغط بعنف على الأنظمة المجاورة (مصر – السلطة الفلسطينية – لبنان – سوريا) لتقوم بمهمة ردع وحصار حركات المقاومة.
2. بالقطع يمكننا القول إن هذه السياسة تعبر عن فشل المشروع الصهيوني والإمبريالي في الشرق الأوسط. فقد سقط حلم إسرائيل الكبرى العسكري (بن جوريون)، وسقط حلم إسرائيل الكبرى الاقتصادي (بيريز)، ولم يعد هناك إلا إسرائيل الصغرى المضطرة إلى حماية نفسها بأسوار عازلة وإجراءات أمنية.
لكن الوجه الآخر لتلك السياسة كان تصاعد الوحشية الإسرائيلية. فمن حرب مع لبنان-حزب الله، إلى حرب مع فلسطين-حماس، إلى مواجهات يومية لا تتوقف، كان العقد الأخير عقد الحرب والقتل بلا منازع.
في هذا السياق، تصاعدت المواجهات بين الأنظمة (مصر، لبنان، الأردن) وشبه الأنظمة (السلطة الفلسطينية) من ناحية، وبين حركات المقاومة من ناحية أخرى. فرأينا حصار حماس من كل جانب بعد أن حققت انتصارًا انتخابيًا في مطلع 2006، وهو ما أدى إلى الشقاق بينها وبين السلطة وما أفرزه ذلك من تشويش على الصراع مع إسرائيل. ورأينا مؤامرات الأنظمة على حزب الله إلى حد تمني بعضها هزيمته في المواجهة مع إسرائيل.
حركات المقاومة هي الأخرى، ورغم نجاحها في إفشال مخططات الإمبريالية، كشفت عن عيوبها القاتلة. فبين ارتكانها إلى أنظمة قمعية بالية (سوريا – إيران)، وتبنيها لرؤية عنصرية، على الأقل جزئيًا، لطبيعة الصراع مع الصهيونية باعتباره صراعًا مع اليهود، واعتمادها على سياسات رجعية تقوم على استبعاد المختلفين دينيًا، وتمسكها باستراتيجيات لا تضع الحركة الجماهيرية من أسفل في مركز الصراع مع الصهيونية والإمبريالية.. بين هذا وذاك تخبطت حركات المقاومة وفقدت إلهامها الشعبي، خاصة بعد اندلاع موجة الثورات العربية.
3. وعلى الجانب الآخر، وفي سيناء «المحررة»، تجسدت سياسات الليبرالية الجديدة السائدة في مصر على أرض شبه الجزيرة في الاعتقاد أن سيناء أرض بلا شعب تمنح نفسها بلا مقابل للمستثمرين. وهكذا، انتشرت المنتجعات والقرى السياحية الباذخة وأصبح دخولها مقصورًا على الأثرياء، فتحولت شبه الجزيرة إلى جنة لغير أهلها يحرسها من الطامعين – وهم ليسوا إسرائيل هذه المرة، بل السيناويون والوافدون من الفقراء – قوات أمنية متوحشة لا تعرف إلا لغة التعذيب والقمع.
فلما بدأت جماعات متعددة من الأهالي تمارس تمردها – بطرق مختلفة أغلبها خاطئ، بل رجعي – انطلق وحوش الأمن في مهمة مقدسة على الطريقة الإسرائيلية للتنكيل الجماعي بالشعب السيناوي وإنكار حقوقه في التنمية المنطلقة من حرية السكان في تحديد أولوياتهم وخياراتهم. وهكذا، تمهدت الأرض لاتساع وانتشار الحركات السلفية الرجعية الإرهابية كبديل يقضي على الظلم بإرساء شرع الله كما يفهمونه.
4. إذن فعلى جانبي الحدود – في سيناء وفي غزة – وُجدت تربة صالحة لميلاد قوى سلفية جهادية ذات منظور رجعي على طريقة تنظيم القاعدة. فانهيار عملية السلام ووحشية الحلول الأمنية الإسرائيلية وقسوة الحصار المصري العربي من ناحية، وإفلاس قوى المقاومة وحساباتها الإقليمية من ناحية أخرى، خلقا ظرفًا يستدعي حلولًا جديدة وراديكالية على الجانب الفلسطيني. ولما كان الفراغ الناشئ يحتاج من يملؤه أيًا كان، ولما كانت الحلول الثورية التقدمية غير مطروحة، على الأقل حاليًا، فإن الحلول الرجعية تقدمت المشهد.
وعلى الجبهة المصرية، كان مزيج الليبرالية الجديدة والقمع الأمني كفيلًا بتوفير تربة مشابهة استدعت حلولًا مشابهة. وهو ما انعكس في تصاعد نفوذ السلفية الجهادية في سيناء في غفلة من الحكام ورجال الأعمال.
المخرج
هذا السياق هو ما يجعلني أختلف مع حزمة الحلول المطروحة من جانب قوى ثورية للمسألة السيناوية. فالنبرة الأمنية عالية في هذه الحلول التي يطالب أغلبها بمعالجة التقصير الأمني في سيناء وبمراجعة اتفاقية السلام مع إسرائيل للسماح للقوات المصرية بالتواجد الكامل غير المشروط فيها.
خلافي ليس مع الإجراءات في حد ذاتها. فمن ذا الذي ينكر الإشكاليات الكبرى المتعلقة باحترافية الجيش المصري بعد عقود من توظيف الطاقات في صناعات مدنية تمتد من الفنادق إلى الأغذية والمشروبات، ومن ذا الذي يرفض المطالبة بإسقاط شروط كامب ديفيد. لكن الذي لا أستسيغه وأندهش له هو اعتبار أن هذه الإجراءات – ربما فيما عدا مطلبا فضفاضا يطرحه البعض يتعلق بتنمية سيناء – تمثل حلا للمأزق الذي نحن بصدده.
فهل يطلب الثوريون فعلا أن تزيد قوة الأمن في سيناء؟ هل يحلمون بأن تعود حملات التمشيط الأمني لكشف «العناصر الإرهابية»؟ وهل يعتقدون أن عودة الجيش بكامل قوته وإغلاق الحدود وحبس الغزاويين في علبة سردينهم ستحمي مصر من الخطر الإرهابي؟
إذا كان فيما قدمته من رؤية لأسباب انتشار الجهادية السلفية الرجعية بعض الصحة، فأظن أن المخرج الثوري من أزمة صعود البديل الرجعي لا يكون أبدًا بتقوية ذراع الدولة الأمنية التي عانينا ونعاني منها وبتغذية الكراهية ضد الشعوب المضطهدة الأخرى، ليس فقط بسبب لا إنسانية ولا تقدمية هذا الحل، ولكن أيضًا لعدم جدواه. فطالما ظل الظلم جاثمًا على جانبي الحدود، ستظل الحركات الراديكالية، رجعية أو تقدمية، تتوالد مرة بعد مرة.
الحل في رأيي هو السعي إلى ميلاد بديل ثوري على أرض سيناء وأرض غزة.. الحل هو محاربة الرجعية الجهادية المتمسحة بالإسلام بحركة شعبية من أسفل تناضل ضد التنكيل الأمني والتهميش والحصار والليبرالية الجديدة والصهيونية والإمبريالية الجديدة من منظور تقدمي أساسه وحدة شعبي مصر وفلسطين ومركزية النضال الجماهيري من أسفل ورفض كل عنصرية أو عصبوية.
كانت الثورة المصرية وموجة الثورات العربية فرصة تاريخية لغرس هذا البديل على أرض سيناء وأرض غزة. الآن مرت شهور طوال وجرت في النهر مياه كثيرة، ولا أدري إن كانت الفرصة لا تزال سانحة أم لا. لكن ما أعلمه أن الإسلاموفوبيا التي تصل إلى حد استدعاء أجهزة قمع الطبقة الحاكمة لحل المسألة السيناوية بالقوة ستعمق الأزمة وتزيد من قوة الأعداء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.