نظرا لدخول الأزمة اليمنية العميقة والمركبة وفي القلب منها قضية الجنوب وبكل ابعادها السياسية والوطنية والتاريخية طوراً جديداً ومرحلة مفصلية خطيره ؛ والتي تجاوزت وستتجاوز بتأثيراتها ونتائجها اللاحقة كل ما سبق من رؤى ومعالجات والمتمثلة بعاصفة الحزم التي أتت كتلبية لطلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي والهادفة إلى عودة الشرعية وإنهاء التمرد والانقلاب عليها ولضمان عودة الأمن والاستقرار إلى اليمن كما أعلن عن ذلك من قبل كل الأطراف المشاركة فيها ؛ وبالنظر إلى ما ستتم من ترتيبات سياسية لاحقة لانتهاء الحرب بالضرورة والإعلان عن دخول مرحلتها الثانية والتي أطلق عليها عملية إعادة الأمل ؛ فأن الواجب والمسؤولية تقتضي أن نضع أمام الجهات المعنية بمعالجة ملف اليمن _ بشماله وجنوبه _ الحقائق التالية حتى لا يتم القفز عليها أو اختزالها وتهميشها وهي: (1) أن للجنوب قضية وطنية معروفه برزت على سطح المشهد السياسي وبقوه منذ سقوط مشروع الوحدة بين الدولتين بالحرب التي شنها علي صالح ونظامه على الجنوب في صيف عام 94م ومعها تحولت الوحدة الطوعية إلى احتلال مباشر للجنوب
(2) عبر الجنوبيون وبطرق وأشكال عدة عن رفضهم للوضع الذي فرض عليهم بالقوة القاهرة والجبرية ولم يستسلموا لذلك رغم بطش وجبروت نظام صنعاء وفشلت كل محاولاتهم الرامية لتصحيح الوضع القائم بما في ذلك مطالبتهم بتصحيح مسار الوحدة وعقد مصالحة وطنية شمالية _ جنوبية وأقفل النظام بذلك أمامهم كل الأبواب معتبرا بأن الجنوب فرعا عاد إلى الأصل وهو ما ينافي كل الحقائق التاريخية .
(3) لقد أنتفض الجنوب سلميا وبكل فئاته وشرائحه وبكل تكويناته وتعبيراته السياسية والمجتمعية منذ 7/ 7 / 2007 م في إطار ما بات يعرف بالحراك السلمي الجنوبي رافعاً مطالبه الواضحة والمحددة وقدم عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين ومازال ثابتا عند مطالبه ومتمسكا بحقوقه التاريخية المشروعة وغير مستعد للتنازل عنها خدمة لأية حلول أخرى تنتقص من حقه الأصيل .
(4) أننا مع معالجة الوضع القائم في اليمن وإيجاد الحلول المناسبة لذلك وبما لا يجعل قضية الجنوب قضية فرعية في هذا الملف الشائك والمعقد أو محاولة ترحيلها أو الالتفاف عليها وتحت أية ذريعة كانت .
(5) أن الحراك الجنوبي السلمي وبمختلف تكويناته ومعه كل القوى السياسية الجنوبية التي تتشارك معه ذات الأهداف وتقف على ذات الموقف هو الحامل السياسي للقضية الجنوبية وبالتالي فأن هذه القوى الجنوبية مجتمعة هي وحدها من يمتلك مشروعية التعبير عنها وحق تمثيلها في أي حوارات أو مفاوضات بحثا عن الحلول التي يرتضيها شعب الجنوب ووفق إرادته الحرة ولن يكون أقلها القبول بدولة اتحادية من إقليمين ولفترة زمنية محددة ( كمرحلة انتقالية ) وحقه في تقرير مصيره بعد ذلك وبضمانات اقليمية ودوليه ؛ وبالتالي فأن أي محاولة لاختطاف الثورة الجنوبية أو مصادرتها عبر التدليس وتزييف إرادة الجنوبيين لن تكون مقبولة ولن يسمح أبناء الجنوب بمرور مثل هذه المحاولات بسهولة ودون مقاومة تذكر كما قد يتصور ذلك البعض ممن يرغبون في تحقيق مشاريعهم السياسية المعلنة منها ؛ أو تلك التي مازالت تطبخ على نار السياسة الهادئة .
(6) إننا نأمل أن تؤخذ هذه الحقائق الموجزة بعين الاعتبار حين يتم البحث في الترتيبات السياسية المقبلة وأن أي إغفال أو تجاهل لها وتحت أية ذريعة كانت لن تكون مقبولة ولن يشهد اليمن أي شكل من الاستقرار ؛ لأن الجنوب لم ولن يساوم على تضحياته الجسيمة ولن يهديها ثمنا لمعالجة مشكلة الحكم والسلطة في صنعاء مهما كانت الضغوط التي قد يمارسها البعض وتحت حجج وعناوين مختلفة مهما كانت براقة وجاذبة ؛ فالجنوب الواحد له قضية واحدة وعنوان واحد : استعادة دولته وكرامته الوطنية وحقه التاريخي المعلن عنه في كل وثائق وأدبيات حراكه السلمي المبارك
(7) لقد أثبت أبناء الجنوب وبوضح كامل بأنهم قادرون على إيصال رسالتهم سلماً وحرباً إلى كل من يعنيهم أمن واستقرار المنطقة والإقليم بل والعالم كله واستعدادهم اللامحدود لتقديم المزيد من التضحيات والثبات على أرضهم دفاعاً عن حقهم ووجودهم وتاريخهم ومستقبلهم ومستقبل أجيالهم القادمة في وطن حر وآمن ومستقل ؛ ويشهد على ذلك صمودهم وبسالتهم في كل جبهات الدفاع عن الجنوب وفي المقدمة منها عدن والضالع وغيرهما من جبهات القتال التي فرضت عليهم وكانوا عند مستوى التحدي رغم شحة الوسائل والإمكانيات المتاحة لهم ؛ فهل يعتقد من يعتقد بعد كل ذلك بأنهم سيقبلون بالمساومة على قضيتهم وتضحياتهم الغالية وتصبح جزءا من كل ؟! أم أن مصلحة كل القوى والأطراف داخلية كانت أم خارجية هو الإنصات لصوت الحق والحقيقة التي تجسدها قضية الجنوب واقعاً وتاريخاً و وبكل أبعادها وهذا ما نأمله وما ينبغي أن يعمل الجميع من أجله بعيدا عن الحسابات الضيقة والآنية ؛ والتي لن تؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار واستمرار حالة العنف والعنف المضاد وسيدفع الجميع ( داخلياً وخارجياً ) ثمنا فادحاً عن كل ذلك ؛ ولفترة قد يطول أمدها وهو مالا نتمناه بكل تأكيد ..