بين ليلة وصباحها وعشية وضحاها ، تغير الحال لأن دوام الحال من المحال فسبحان مغيّر الأحوال ، كان يحكم حضرموت طغاة بقوة الجبروت مع أن طبيعة الإنسان الحضرمي مسالم ، وكانت الثكنات العسكرية تملأ الأرض لعل وعسى تحميها مع أن حاميها حراميها ، وكانت حضرموت تزدحم بتواجد المسئولين الذين توزع عليهم الألقاب والصفات تباعا ، وظل بعضهم يرزح لعشرات السنين ويعيث في الأرض نهبا وفسادا غير منقطع النظير ، وكان الإنسان الحضرمي البسيط لا يهتم سوى بالحصول على لقمة عيشة شريفة ، مع ظهور بعض الحضارم الشواذ الذين تطبعوا بصفات دخيلة من غيرهم ، وكان الحضارم على سجيتهم لا يلقون بالا ً لما يدار حولهم من نهب لثروات بلادهم ، ولا يحصلون إلا على الفتات لإيمانهم بالقضاء والقدر وأن الله كتب أرزاقهم في اللوح المحفوظ ، وكان الحضارم يخرجون في ثورات من أجل تقرير مصيرهم ونيل مطالبهم وفقا لقضيتهم الجنوبية ، في ظل وجود آراء وتيارات أخرى . الأقدار الإلهية تنساق كيفما يشاء الله عز وجل ، لا تتدخل فيها الآراء والمقترحات والأهواء ، فحضرموت كانت طوال أكثر من أربع سنين مضت مسرحا تمارس فوقه شتى أنواع الجريمة ، والكل يتفرج ، ولا نسمع سوى تنديدات وأصوات ٍ شاحبة سرعان ما انكشف قناعها ، مع مساع ٍ من خارج الديار الحضرمية لتشوية سمعة وصورة الإنسان الحضرمي ،الذي عُرف عنه منذ عصور الإسلام الأولى كل مكارم الخير ، وساهم في نشر الدين الإسلامي ، فكان القتل حاضرا وعصابات السلب والنهب تعمل كيفما تشاء وسوقا رابحة لتجارة المخدرات ، ومع هذا تجد الحياة المتشحة بالطابع الحضرمي الأصيل تدور ، والكل لا يدري عن المكتوب شيئا ، تاركين تصريف الأمور وفق ما قدره الله . شاءت الأقدار أن يتغير الحال الحضرمي ، وينقلب رأسا على عقب ، وتظهر حضرموت بحلة جديدة ، لتصبح عاصمة أكبر محافظة يمنية إمارة إسلامية ، واختفاء وهروب لأعضاء السلطة المحلية والقضائية ، وغياب لمظاهر التقطع وعصابات الفيد ، وتشكل أبناء المكلا مع الطابع الجديد لحياتهم ، متقبلين أنصار الشريعة بعد رؤية إحداثيات غيرت مجريات الأمور ، وظهور مجلس أهلي حضرمي ليدير شؤون عاصمة المحلية فقط ، وعودة هيمنة اللواء الحليلي في وادي وصحراء حضرموت وكأن حضرموت محافظتان ساحلا وواديا ، وأستمر الوضع الحالي وحضرموت على كف القدر تمشي ولا تدري عن المكتوب ، فلا الساسة ولا المحللين يستطيعون قراءة الأحداث وإلى أين ستتجه حضرموت ؟ وهل ستلاقي نفس مصير أبين من الدمار ؟ أم أن أبناء حضرموت ( القاعدة ) سيتولون قيادة دفة الأمور فيها بحنكة ؟ أم سيتركونها للمجلس الأهلي ؟ ومن سيتولى حمايتها في حال هاجمها الحوثة وأتباعهم ؟ ومن ستولى تدبير أمور المحافظة ؟ حضرموت على كف الأقدار تمشي ولا تدري عن المكاتيب ، ولا تلوح في الأفق أية بوادر لأية قراءة لواقع حضرموت ، واحتمالات مآل السفينة الحضرمية ، في ظل رؤى ضبابية ، وأهواء اعتباطية من بعض ممن يسكنون فنادق الرياض ، غير آبهين لمصير محافظتهم وأبناءها ، بعد ذاقوا ويلات العذاب خلال أربعة أشهر مضت ، وتجرعوا معاناة كبيرة لم يلمسها بعد بائعو التصريحات للفضائيات ، لكن عزيمة وإرادة الإنسان الحضرمي كانت أكبر من ذلك ، وكلهم أمل بالله بأن حضرموت ينتظرها مستقبل مزدهر ، بعيدا عن باعة الضمائر ، فسيري ياحضرموت على أكف الأقدار وعين الله ترعاك ِ .