لليوم الثاني على التوالي واصلت حملة "طلعت ريحتكم" تحركاتها في ساحة رياض الصلح. منذ ليل الأمس نصب المعتصمون خيمهم في الساحة. أبوا ألا يغادروها قبل أن ترحل الحكومة "الفاسدة" كما نعتوها. مع ساعات الصباح الأولى زاد عدد المحتجين، لم تحدث إشكالات تذكر مع القوى الأمنية، رغم محاولة مجموعة من الشبان إزالة الشريط الشائك من أمام السرايا، حيث كان رئيس الحكومة تمام سلام يعقد مؤتمره الصحافي متعهدا بالمساءلة والمحاسبة، من دون أن يحقق أماني المحتجين بإعلان استقالة حكومة ضاقوا ذرعا بممارساتها. هذه المحاولة من قبل الشبان دفعت القوى الأمنية إلى وضع شاحنة مكافحة الشغب، التي تستخدم لرش المياه خلف السياج، لكن المحتجين دخلوا في حوار مع القوى الأمنية مؤكدين سلمية تحركهم. في اليوم الثاني من الاحتجاجات نزل المزيد من اللبنانيين الغاضبين إلى الساحة. أمر قدم دفعا معنويا كبيرا للمعتصمين الذين باتوا ليلتهم في الساحة. لم يقتصر الحضور على عنصر الشباب فحسب. بل أن بعض الأهالي اختار أن يمضي عطلة نهاية الأسبوع مع الأطفال في مكان الاعتصام، للمطالبة بالحق الطبيعي في التظاهر. لبنانيون صغار وكبار جاؤوا من مختلف المناطق ليعبروا عن سخطهم من الأوضاع القائمة. وما ميز تحركاتهم هذه المرة، هو غياب الشعارات الحزبية والطائفية. لم يتجرأ أي طرف سياسي على قطف ثمار التحركات أو استغلالها وحرفها عن مسارها، إذ كان واضحا أن هناك اتجاها لدى المحتجين على عدم القبول ب "تسييس" تحركاتهم التي أرادوها صرخة اللبناني "المقهور والمحروم"، لا صرخة هذه الجهة السياسية أو تلك. بدا ذلك جليا من خلال الشعارات والهتافات التي رددها المعتصمون والتي لم تفرق بين أي أحد من السياسيين. كان هناك إجماع واضح على أن كل السياسيين متشابهين وأنهم يتحملون المسؤولية عما يجري، وجميعهم من "المتآمرين" على الشعب بمختلف انتماءاته السياسية والطائفية والمذهبية. غير أنه رغم ذلك فقد سجل خرق من قبل بعض أنصار التيار "الوطني الحر" الذين اتخذوا زاوية هتفوا فيها "الله معك يا روكز"، في إشارة إلى قائد الفوج "المغاوير" في الجيش اللبناني العميد شامل روكز، و"يا دولة إن كان فيك رجال جيبي العسكر من عرسال". ومجموعة أخرى من أنصار حركة "أمل" الذين حاولوا نزع الشريط الشائك في محيط السرايا أكثر من مرة. أصداء الشعارات والهتافات التي رددها المتظاهرون وصلت إلى السرايا. سمع من بداخلها الصوت، من دون أن يكون هناك أي تحرك رسمي مواز لتنفيس الاحتقان. ترك الأمر للمحللين ليكيلوا توقعاتهم حول موعد الجلسة الحكومية المقبلة، وعما سيتضمنه جدول أعمالها. أما رئيس الحكومة الذي حاول تهدئة المتظاهرين بدعوتهم إلى الحوار فقد جاءه الرد على لسان المحتجينن الذين صرخوا: "أي ويلا حكومة طلعي برا"، و"الشعب يريد إسقاط النظام"، و "ارحل ارحل يا سلام" و"14 و8 عملوا البلد دكانة". هكذا لم ينجح سلام في تعاطيه مع المعتصمين، لم يقنعهم بفض تظاهرتهم. على العكس تماما فقد زاد ما قيل رسميا من إصرارهم على الذهاب بعيدا في مطالبهم، معتبرين أن تأجيل جلسة مجلس الوزراء من يوم الثلاثاء إلى يوم الخميس هدفه تشتيت التظاهرات والتأثير على أعدادا المشاركين. لذلك عبروا عن رفضهم لمحاورة رئيس الحكومة معلنين المضي قدما باحتجاجهم، مشددين على أن الدماء التي سالت لن تذهب هدرا، وأن كل خطوة مقبلة ستكون مدروسة وهي ستحدد في اجتماعات ومؤتمرات صحافية لاحقة. وأن المطلب الأساس سيظل في هذه المرحلة وفي كل مرحلة مقبلة هو "إسقاط الحكومة"، ورحيل رئيسها تمام سلام.