حالة غير مسبوقة من الخوف والترقب تخيم على العاصمة اليمنيةصنعاء، مع توارد الأنباء عن قرب "معركة تحرير" العاصمة من قبضة الحوثيين. وتطمح قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، والجيش الوطني الموالي للحكومة الشرعية، أن تحلّ الذكرى الأولى لسقوط صنعاء في قبضة الحوثيين يوم 21 من سبتمبر/ايلول، وقد باتت العاصمة محررة. وقصفت طائرات تابعة للتحالف الذي تقوده السعودية قاعدة الديلمي التي يسيطر عليها الحوثيون في صنعاء في تكرار لغارات جوية هزت العاصمة اليمنية، في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء. وشوهدت سحب كثيفة من الدخان الأسود تتصاعد من القاعدة لكن لم ترد حتى الآن أنباء رسمية بشأن سقوط قتلى أو جرحى. وجاءت هذه الغارات غداة مقتل سبعة مؤيدين للرئيس عبدربه منصور هادي قتلوا الثلاثاء بنيران صديقة من ضربة جوية نفذها التحالف الذي تقوده السعودية في شمال اليمن -حسبما قالت مصادر قبلية- بينما تجمعت القوات الموالية لهادي حول مأرب استعدادا لمهاجمة المقاتلين الحوثيين في المنطقة. وتنفذ قوات تقودها السعودية ضربات جوية ضد الحوثيين المتحالفين مع ايران منذ مارس اذار لوقف توسع الجماعة الشيعية واعادة هادي المقيم في السعودية الى السلطة. ويعزز مؤيدو هادي مقاتلي القبائل المحليين بمجندين تلقوا تدريبا في الآونة الاخيرة وعربات مدرعة قدمها التحالف الذي تقوده السعودية فيما وصفتها وسائل اعلام محلية بأنها استعدادات لشن هجوم لاستعادة صنعاء من الحوثيين. وحقق مؤيدو هادي الذين أخذوا يتقهقرون منذ ان سيطر الحوثيون على صنعاء قبل عام مكاسب في الاسابيع الاخيرة بدعم تقوده السعودية واستعادوا عدن ويتقدمون نحو مدينة تعز الاستراتيجية في جنوب غرب البلاد. وفيما لم تعلن السلطات الشرعية في اليمن، عن موعد محدد ل"معركة تحرير صنعاء" التي تقرع طبولها منذ أسابيع، إعلامياً، قال وزير خارجيتها رياض ياسين في تصريحات صحفية من العاصمة المصرية القاهرة الأسبوع الماضي، إن "هناك مؤشرات فعلية ملموسة عن قرب تحقيق الحسم في العاصمة صنعاء". وقبل ذلك، قال المتحدث باسم الحكومة راجح بادي، إن حكومته "تسعى لتحرير كل اليمن من الحوثيين، وبسط هيبة الدولة على كامل أراضي الوطن". والسبت، قال اللواء عبدالرب الشدادي، قائد المنطقة الثالثة المتمركزة في مأرب (شرق)، في تصريحات صحفية إن "الحسم بات قريبا، وأن الجيش سيكون جنباً إلى جنب لتحرير محافظتي مأرب، والجوف (شمال)، والتقدم نحو العاصمة، لدحر الحوثيين، واستعادة هيبة الدولة" . وخلال الأيام الماضية، تحدثت مصادر أمنية، وأخرى في "المقاومة الشعبية" مفضلة عدم ذكر هويتها، عن وصول إمدادات عسكرية من قبل التحالف إلى محافظة مأرب (حيث المعارك الجارية على بعد 40 كلم من صنعاء شرقاً)، إمدادات رأى فيها مراقبون دعماً للقوات الشرعية لتحرير العاصمة. وتمثلت تلك الإمدادات في هبوط 8 مروحيات "أباتشي" في مطار "صافر" العسكري، ووصول قوة عسكرية برية كبيرة تضم عشرات المدرعات والدبابات وناقلات الجند، إلى منطقة صافر النفطية. ووفق مراقبين، فإن الطريق المنطقي إلى صنعاء هو عبر مأرب، وفي هذا الصدد قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبدالله سليمان إن "التحرك بمأرب سيكون في بيئة صديقة، حيث قبيلتي نهم وأرحب، المتاخمتين والمواليتين للقوى الداعمة للتحالف العربي على الأرض". ومع وصول هذه الإمدادات إلى مأرب، يتزايد الهلع في نفوس سكان العاصمة، من معارك شبيهة جرت في مدن محررة بالجنوب، ستشرد أكثر من 3 ملايين نسمة (سكان صنعاء). و في الوقت الذي تتعرض فيه صنعاء لغارات جوية متقطعة من قبل طيران التحالف، إلا أنها شهدت خلال الفترة الماضية، هدوء نسبياً مقارنة بباقي المحافظات التي تشهد حرب شوارع بين "المقاومة الشعبية" الموالية للحكومة الشرعية والحوثيين كتعز، وإب (في الوسط)، ما جعلها بمثابة "منطقة خضراء" لنازحين لجأوا إليها من تلك المحافظات. وقوبلت الأنباء عن قرب تحرير صنعاء، بانتقادات واسعة من قبل مراقبين وسكان، خصوصا قبل الانتهاء من "معركة تعز"، أو تثبيت الاستقرار في جميع المحافظات المحررة جنوبي البلاد، وهي عدن وأبين والضالع ولحج (جنوب) وشبوة (شرق) ويرى الكاتب والمحلل السياسي جمال حسن أنه من الناحية الجيوغرافية، فالأَوْلى هو تحرير تعز ثم الحُديدة. وقال حسن "لا أدري إن كان الإعلان عن قرب تحرير صنعاء، يهدف بدرجة أساسية إلى مناورة إعلامية تدفع ميليشيا الحوثي، وقوات صالح إلى تقديم تنازلات، والموافقة على كافة الشروط التي وضعتها، أو على الأقل تقديم تنازلات أكبر". وأضاف "إذا أخذنا جوانب عقلانية في دفع المعركة ناحية صنعاء، سنعيد السؤال ما المغزى من ذلك؟ هل الاستراتيجية قطع رأس الثعبان؟، الأمر ليس بذلك التبسيط، فالعاصمة مازالت إلى حد ما، تشكل ملاذا سكانيا لكثير من المدنيين، ومن الخطأ نقل الحرب إليها في وقت ما زالت فيه عدن (جنوب)، وتعز (وسط) غير جاهزتين أمنياً". وقال محمد المذحجي، أحد سكان العاصمة "كنا قد نزحنا إلى تعز عند اندلاع الحرب (في 26 مارس/أذار)، لكن بعد اقتصار الضربات الجوية على أهداف ومواقع عسكرية يسيطر عليها الحوثيون وقوات صالح، عدنا إلى صنعاء باعتبارها أفضل السيئين في اليمن، وقد نغادرها مجدداً". في أحد المولات التجارية بالعاصمة، تحدث عامل هناك عن حركة بيع وشراء نشطت في اليومين الماضيين. وقال هذا العامل مفضلا عدم ذكر اسمه "هناك من بدأ بشراء احتياجات قد لا يجدها في موطن نزوحه من ملابس ومواد غذائية ، وهناك من يراقب بحذر ويشتري خوفاً من انفجار الوضع بشكل مفاجىء، وإغلاق الأسواق والمستودعات كما حصل في تعزوعدن، حيث لم يجد الناس ما يأكلونه". وكما كانت الحرب "كارثية" في المحافظات المحررة، وعلى رأسها "عدن" التي تم تحريرها منتصف يوليو/تموز، وكذلك في تعز حالياً، يرى مراقبون أن المعركة المرتقبة في صنعاء، لن تكون بين طرفين فقط، وستشهد احترابا، ودماراً كبيراً يفوق ما حدث في باقي المحافظات المحررة. وبحسب تصريحات إعلامية أدلى بها وزير الإدارة المحلية، رئيس لجنة الإغاثة بمحافظة عدن، عبد الرقيب فتح، بعد تحرير المحافظة، فإن التقديرات الأولية تشير إلى أن كلفة المرحلة الأولى من إعادة إعمار المرافق الهامة قد تصل إلى مليار و150 مليون دولار. ويرى الكاتب الصحفي بشير عثمان أن "ثلاثة ملايين مواطن (سكان صنعاء) يبحثون عن حلول من السياسة، ولا يريدون أن يكونوا مجرد ضحايا في الحرب، وأكثر ما يدفعهم لذلك معرفتهم بطبيعة وأخلاق المتحاربين". وقال عثمان "الجميع ليس لديهم إحساس بالمسؤولية، الحوثيون غير معنيين بالمسائل الوطنية، ولا يبالون بالأرواح والنتائج كعهدنا بهم، الأمر متعلق هنا بالشرعية: هل أخذت احتياطاتها للنتائج المتوقعة وتداعيات معركة صنعاء، وكيفية مواجهتها؟". ومضى قائلا "المتوقع هنا هو مئات الآلاف من النازحين، وآلاف الضحايا، وانهيار لكل القطاعات المالية والصحية والاقتصادية في البلاد، لذلك الكلفة المتوقعة ستكون كبيرة جدا". من جانبه، يرى عبدالملك الشرعبي، وهو من أبناء تعز الذين يقطنون صنعاء، أن "تفجير الحرب بصنعاء سيكون كارثيا على كافة اليمنيين، وربما دول الجوار التي ستواجه طوفان من اللاجئين، كما هو حاصل في أوروبا حاليا". وقال الشرعبي "نزحت من صنعاء عقب اندلاع الحرب، وفي قريتي الصغيرة وجدت 3 آلاف نازح لا يجدون مياة شرب نظيفة، أو مآوى ملائم، فقررت العودة باعتبارها منطقة آمنة نسبياً توفر كل شي". ومنذ 21 سبتمبر/أيلول، تسيطر جماعة "أنصار الله" المعروفة إعلاميا ب"الحوثي" بقوة السلاح على العاصمة صنعاء.