عاشت, ومازالت تعيش محافظة حضرموت بجنوب اليمن وضعاً أشبه بالحرب الصامتة. فرغم جهود المجلس الأهلي الحضرمي, الذي تشكل سريعا بدعم من مجموعة من علماء حضرموت بعد سيطرة تنظيم “القاعدة” على مدينة المكلا, إلا أن المحافظة الآمنة الهادئة أصيبت بالشلل شبه التام, توقف بيع المشتقات النفطية, وانعدم المازوت المغذي لشبكة الكهرباء شبه الهالكة. فازدادت ساعات إطفاء التيار الكهربائي حتى وصل إلى الإطفاء التام. حضرموت استقبلت عشرات الآلاف من النازحين من أهالي عدن ولحج وأبين وغيرها من مناطق الحروب في الجنوب, التي واجهت جحافل مليشيات الشمال بزعامة الحوثي والمخلوع. واستضافتهم ويسرت لهم طرق الإيواء وأعانتهم بالمواد الإغاثية, وبعد أن انتصرت المقاومة في عدن وما حولها, سهلت للاجئين طريقاً للعودة إلى ديارهم معززين مكرمين. العجيب أنه في الوقت الذي تتوافد سفن الإغاثة على ميناء الحديدة, لم يصل منها شيء ذو بال إلى ميناء المكلا. وإن وصل فواحدة او اثنتان من السفن, والبقية بجهود خيرية اجتماعية لأبناء المحافظة المغتربين, وهي قليلة جداً. الجهات الداعمة الرسمية والأممية يحتجون بوجود عناصر تنظيم “القاعدة” في المكلا, يرونهم أكبر معوق لتقديم المساعدة والإغاثة, مع أن المجلس الأهلي الذي يدير الحياة اليومية وخدماتها, يصرح بأنه استلم المطار والميناء وجميع مؤسسات الدولة, إلا أن تنظيم “القاعدة” مايزال قابعاً في مديريات ساحل حضرموت ويدير شؤون الناس القضائية, فقد أقام دارا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, أو كما يسمونها “دار الحسبة” مع أنهم لا يملكون قضاة مؤهلين تأهيلاً قضائياً صحيحاً, بل هم طلبة علم أو خريجو بكلاريوس دراسات إسلامية, والقضاء فن مستقل بذاته فهم بمثابة مصلحين وليسوا قضاة بالمعنى المتعارف عليه. في حضرموت حرب غير معلنة من اتجاهات, عدة أولها استمرار فصولها بين أميركا وبين تنظيم “القاعدة” وإلى هذه اللحظة فقد حصدت طائرات الدرونز أو الطائرة من دون طيار عدداً من قيادات وعناصر التنظيم, أبرزهم ناصر الوحيشي الذي يعد زعيمه الأول في جزيرة العرب, فكان صيداً ثميناً للولايات المتحدة الأميركية فهو في مقدمة المطلوبين في قائمة الإرهاب.. الغريب فعلا كيف سقط تنظيم “القاعدة” في فخ سهولة سقوط المكلا في يديه, فظنوها غنيمة باردة وهي حصاد الموسم لعدوه ومطارده? وكيف استطاعت الولاياتالمتحدة استثمار هذه الفرصة الذهبية وكأنها أقنعت دول التحالف بألا يقتربوا من المكلا, فهي كفيلة بتأمينها, ولكن على حساب أمن واستقرار وراحة مواطنيها المسالمين, لكنه قدر الناس في العالم كلما حل بينهم تنظيم “القاعدة” أو “داعش”. الوجه الثاني من الحرب غير المعلنة تجاه حضرموت, جاءها من قبل حكومة المنفى تجاه مواطنيها; إذ عجزت هذه الحكومة في تأمين وصول المشتقات النفطية باستمرار, وتأمين وصول سفن الإغاثة مقارنة بالحديدة قبل توقف مينائها, فقد وصلتها آنذاك الكثير من هذه السفن, رغم الوضع الحرج الذي تعيشه المحافظة المهمة والحيوية, فأصبحت وأمست تعيش حالة صعبة يتساقط فيها العجزة والمسنون والمرضى صرعى غياب الكهرباء وقلة امكانات المشافي. يتبع هذه الحرب, وإن كانت غير مقصودة من حكومة المنفى العاجزة, حرب الأسعار فازداد لهيبها ما أدى إلى زيادة معاناة الناس ومضاعفتها. مع أنه كان بالإمكان أن تنهار الأسعار إلا أن “تجار هذا الزمان وليس ذاك الزمان الأصيل”, ينتهزون الفرص للانقضاض على جيب المواطن, وأعظم هذه الفرص, فرص الفوضى والحرب, مع أن ضرائب الميناء تكاد تكون معدومة أو منخفضة, ولو فتح مطار الريان الدولي واشتغل لتغير الحال كثيراً, ولكنها السياسة هي الحاكمة على رقاب الناس. وتحارب حضرموت أيضا من الطابور الخامس أتباع النظام السابق الذين هربوا واختفوا أو اختبأوا في بيوتهم , يترقبون الوضع تارة, وينشرون سموم إشاعاتهم تارة, و تارة أخرى يهاجمون من يعمل لتسيير الحياة اليومية بالمحافظة بشكل طبيعي, وبعض هؤلاء من يحاول اظهار خدمته لها ببعض التصريحات الخاوية من مضمونها, مدعياً وقوفه إلى جانب أهلها الطيبين, ولا أثر في الواقع لما يقول ويزعم ويدعي. وممن يحاربها, وهو لا يفقه أنه كذلك, هؤلاء الوافدون إليها بحجة دفاعهم عنها, وأقصد بهم تنظيم “القاعدة” إذ أصبح وجودهم الشماعة التي يعلق عليها الهاربون إلى الخارج فشلهم في الوقوف إلى صف مواطني المحافظة, وليتهم تفاوضوا مع هذا التنظيم الموسوم دولياً بالإرهاب, وربما ينتهي الأمر بقبوله الخروج ولو بالمال, وهو أكثر ما يحتاجونه. لم أسمع بأي إجراء تفاوضي في شأن القاعدة. بل تم تعيين قيادات عسكرية في ساحل حضرموت ولكن لم يظهر حتى الآن أثرها على الأرض. الحضارم استوعبوا جيداً درس “أبين 2012م”, ويستحضرون السيناريوهات المتوقعة فيما لو أنهم قاوموا والتي أدناها نزوحهم ودمار مدنهم وقراهم, فآثروا الصمت والترقب والعيش بأدنى المستويات حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا. قد تكون هي حكمة الحضارم وحسن تدبيرهم للحياة, وقد يكون قراءتهم الواعية التي توارثوها عن الأجداد; كرههم للحرب ومقتهم لها مع قدرتهم خوض غمارها, فقد أرسلوا شبابهم لساحات الحرب في الجنوب, وضحى عدد منهم بنفسه فداء لوطنه الغالي في وجه العدو الصائل والعدوان الحوثعفاشي الباغي. فيبقى التساؤل مطروحاً ومشروعاً: ماذا تخبئ الأيام المقبلة لحضرموت?