حاول عفاش في عز قوته أن يجر الحراك السلمي الجنوبي إلى مربع العنف، أكثر من مرة ليتسنى له الانقضاض عليه وضربه في الصميم، فلم يفلح في ذلك رغم تعدد أدواته وقوة تأثيره بما كان يمتلكه من أموال وإمكانيات ففشل . وينبغي الآن أن لا تنجر المقاومة الجنوبية، وقد حققت هذا الانتصار الباهر على الغزاة الحوثيين وقوات المخلوع بدعم وتحالف وثيق مع الأشقاء في التحالف العربي وشرعية الرئيس هادي إلى ما لم يتمكن عفاش أن يجرها إليه، حرصا على ما حققته من انتصارات، وعلينا أن نعرف أن من يقف مثل هذا الموقف بوعي أو بدون وعي إنما يضر بقضية شعبنا الجنوبي أكثر مما يفيدها لاعتبارات كثيرة على لا تخفى علينا. فانتصارنا، كما نعلم ويعلم الجميع ضد الغزاة الهمجيين من مليشيات الحوثي وقوات المخلوع، لم يكن انتصاراً أحادي الجانب، بل له ثلاثة اضلاع رئيسية ما كان له أن يتحقق إلا بها، وهي: أولا: إرادة ووحدة الشعب الجنوبي ومقاومته البطولية الباسلة التي برزت فجأة من خلفية الحراك السلمي الحضاري المنظم والواعي فحملت السلاح حين دعا الواجب وأذهلت العالم بصمودها الأسطوري، وأرعبت الغزاة ممن ظنوا أن دخول عدن سيكون مجرد نزهة بالنسبة لهم، وأسهل وأيسر من دخولهم مدن الشمال التي تساقطت كأوراق الخريف ودخلوها بسلام آمنين، فكانت عدن والجنوب بكل رجالها ونسائها وشبابها، وفي المقدمة، أبطال المقاومة الجنوبية السد المنيع الذي كسر شوكة الغزاة وبدد أحلامهم. ثانياً: الموقف الحاسم والحازم للأشقاء في دول التحالف العربي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والأمارات العربية المتحدة، ذلك الموقف التاريخي الذي جاء في الوقت المناسب، وفي اللحظات العصيبة الفاصلة، لاسناد شعبنا ومقاومته الباسلة ، وتجسد ذلك في (عاصفة الحزم) التي عصفت بالقوة الماكرة الباغية من مليشيات الحوثي وقوات المخلوع، التي كادت أن تلتهم الشمال والجنوب وتهدد بأجندتها المشبوهة المرتبطة بنظام ولاية الفقيه في إيران النسيج الاجتماعي والديني بلادنا، بل وتهدد الأمن والسلام في الجزيرة العربية بكاملها، كأخطبوط سرطاني غريب وخطير في الخاصرة الجنوبية لجزيرة العرب. وهو ما لقي ترحيبا من نظام الملالي في طهران الذين تفاخروا علناً بأن تكون صنعاء هي العاصمة العربية الرابعة التي تقع تحت نفوذهم. ثالثاً: شرعية الرئيس هادي، وهي الشرعية المعترف بها دوليا، والتي حصل عليها من خلال إجماع شعبي عارم في الشمال، دون الجنوب، لأسباب يعرفها الجميع ولا صلة لها بالموقف من شخص عبدربه. ومن أعجب العجائب أن يجد الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي نفسه محاصرا في قصر الرئاسة بل وقيد الإقامة الجبرية، فيما الجيش الشرعي عن موقفه الوطني المفترض كحامٍ للشرعية، ويقف مع الرئيس المخلوع ومليشيات الحوثيين الطائفية، ويعرف الجميع أنه لولا تدخل الأشقاء بطلب من الرئيس عبدربه منصور لما بقي حتى اللحظة في موقعه، ولما جاءت شرعية ذلك التدخل الذي أنقذنا من خطر داهم كاد أن يجدد احتلال الجنوب، والاستبداد بالشمال إلى ما شاء الله، ولهذا أقول ما قلته سابقا أن الرئيس عبدربه منصور هادي لن يخذل أبناء جلدته وشعبه الجنوبي، الذي لم يجد الأمان إلا في أحضانه حين تنكر له من انتخبوه لمآرب سياسية، ممن ظنوا أنه مجرد ألعوبة في أيدهم يسهل الخلاص منه متى شاءوا، كما كانوا يتوهمون.. لكن الرجل خيب آمالهم وأثبت أنه عَصِيٌّ على الكسر، ونقول اليوم، كما قلنا من قبل، أن عبدربه منصور هادي لن يكون إلا عونا لشعبنا في هذا الظرف التاريخي العصيب لانتزاع دولته وهويته من براثن قوى الصراع الهمجية في صنعاء التي لم يعجبها أداء الرئيس هادي منذ لحظة اقترابه- وهو ما زال في صنعاء- من مواقع نفوذ (المركز المقدس) لتحالف ورثة الإمامة المسنود بالأتباع من رموز الاستبداد القبلي-الطائفي. ونؤكد هنا أن الدولة الجنوبية والاستقلال والحرية لن تأتي بالفوضى وخلق أعداء وهميين من بين صفوفنا، أو التخلي عن حلفائنا، ولكن بالوصول إلى ذلك بالعمل المنظم والواعي والمدروس على الأرض من خلال تظافر الجهود للإسراع في خلق مقومات وأسس الدولة ومنظومتها المتكاملة المدنية والعسكرية والأمر بيدنا وفي مقدورنا عمله، ونحن المعنيين به كجنوبيين في عدن وبقية محافظات الجنوب، ولا ينبغي أن ننتظر حتى تأتي مؤسساتنا ودولتنا هبة (من السماء) كاملة غير منقوصة، أو نظل ندور ونراوح في حلقة مفرغة من الخلافات التي لا تثمر دولة ولا استقلالاً ولا استقراراً. نعرف أن الوحدة الضيزى قد أُشبعت موتاً، منذ حرب احتلال الجنوب عام 1994م، وهو ما أجمع عليه الكل، بما في ذلك ما سُمّي بالحوار الوطني، وأنها قد أصبحت ذكرى مشؤمة، ولا تربة لها، لا في الأرض ولا في النفوس، بعد الغزو الهمجي الأخير على عدن، وأن الجنوب الجديد الذي ضحى من أجله الشهداء ومعاناة الجرحى لن يكون إلا مستقلا، وملكاً لكل ابنائه وجزءاً متجانساً ومتناغماً مع محيطه العربي، وكل المؤشرات على الأرض تؤكد أن الحلفاء من الأشقاء لن يكونون إلا عونا لنا في مسعانا هذا بكل ثقلهم، كما كانوا كذلك في أصعب الظروف، فقد قدموا مشكورين، الدعم العسكري والمادي، بل ولم يبخلوا بتقديم الدماء الزكية التي امتزجت في عجينة أرضنا، حتى تحقق نصرنا، الذي ما زلنا نعيش نشوة الفرحة به، وينبغي أن لا نتنكر لهم في منتصف الطريق وأن نكون سنداً لهم حتى القضاء على الوباء السرطاني الذي انقض علينا وكاد أن يفتك بنا ويتهددنا جميعا في جزيرة العرب بكاملها، ومن مصلحتنا ومصلحة الجميع استئصال شأفته لتجنب شرره نهائيا. وهكذا ينبغي أن نعرف أن عدونا ليس الرئيس عبدربه منصور هادي، ولا دولة رئيس الوزراء المهندس خالد بحاح، ولا قوات التحالف التي ساندتنا في اللحظة الحاسمة في الجنوب قبل الشمال باسم الشرعية، وإنما عدونا وعدوهم جميعا هو المخلوع عفاش والحوثيين، ومن يقف ورائهم من دول الإقليم لأسباب سياسية-مذهبية، وكذا بقايا الفاسدين من أزلامهم، سواء كانوا شماليين أو جنوبيين، ممن يركبون موجة الأحداث ويتقلبون ويتلونون في مواقفهم، فالمهم بالنسبة لهم البقاء في واجهة المشهد السياسي، وأمثال هؤلاء لا ينبغي القبول بهم وسنحتج ضدهم، ولكن بالطرق السلمية والمشروعة. هكذا يلزمنا الوفاء لتضحيات الشهداء، والوفاء لموقف الأشقاء.