البعض من المواطنين، عند حدوث أزمة خانقة في المشتقات النفطية من ديزل، وبترول، وغاز الطبخ وغيرها، يعتقد أن سببها الفساد الإداري والمالي في المرافق المرتبطة بتلك المحروقات. والبعض الآخر، يعتقد أن السبب يعود إلى تهريب تلك المشتقات النفطية إلى غير محلها، عوضا عن إنزالها إلى السوق المحلية. وهناك رأي ثالث، ورابع، وهلم جرا! معظم تلك الآراء محقة في طرحها ولكن في جزئية منها، وهي في معظمها حقيقية، لكنها تنظر إلى الأزمة من نتيجتها، وفقا لقاعدة السبب والنتيجة، وليس إلى سببها الرئيس الذي، من وجهة نظرنا المتواضعة، يكمن في الجانب الإداري والتنظيمي (الهيكل الإداري والتنظيمي) لتلك المرافق المتخصصة في إنتاج، وبيع، وتوزيع المشتقات النفطية، وسأخص بالذكر هنا شركة مصافي عدن، وشركة توزيع المنتجات النفطية فرع عدن (شركة النفط اليمنية سابقا)! كانت شركة مصافي عدن، حتى عام 1996م، مؤسسة حكومية مستقلة ماليا وإداريا، لها هدفها ومهامها الأساسية المتمثلة - اختصارا - في عقد صفقات استيراد النفط الخام، وتكريره، وبيع مشتقاته من ديزل، وبترول، وغاز، وكيروسين، ومازوت، وغيرها، إلى شركة النفط اليمنية - مستقلة هي الأخرى ماليا وإداريا - التي تتولى شراء تلك المشتقات ومن ثم توزيعها على السوق المحلية من خلال محطات بيع الغاز ووقود السيارات التابعة لها المنتشرة في كافة أرجاء المدن، وكذا لعملائها المعتمدين لديها من القطاع الخاص، علما أن كلا المرفقين تابعان لوزارة النفط والمعادن، ويخضعان لرقابتها. من هنا، نستشف أن كل مرفق منهما يعمل بميزانية مستقلة تتناسب مع حجمه ومهامه وظروف عمله. لذا، لم نلمس، كل تلك الفترة السابقة من الاستقلالية المالية والإدارية، أي أزمات في المشتقات النفطية؛ لأن كل مرفق منهما، كان لديه هيكل تنظيمي مبن على أسس علمية وإدارية تنظيمية صحيحة، حتى وإن شابته بعض الأخطاء، إلا أنها لم تكن تؤثر على طبيعة العمل وتأدية المهام بكفاءة عالية. في عام 1996م، أصدر الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح قرارا جمهوريا، حمل الرقم (47) والصادر بتاريخ 24 أبريل 1996م، تأسست بموجبه المؤسسة اليمنية العامة للنفط والغاز، وهو القرار الذي "قصم ظهر البعير"، والذي لم نر من بعده إلا كل تلك الأزمات في المشتقات النفطية، كما سنوضحه تاليا، باختصار شديد (نص القرار من موقع المؤسسة الإلكتروني)! نصت المادة رقم (4) من الفصل الثاني من القرار، أغراض ومهام وصلاحيات المؤسسة، أوردها نصا (مع التعديلات الإملائية وذكر الفقرات المختصة بموضوعنا):- "مع مراعاة ما تنص عليه الاتفاقيات النافذة في مجال النفط والغاز تقوم المؤسسة بممارسة الأنشطة الاستكشافية والإنتاجية والاقتصادية والتجارية أو من خلال شركاتها التابعة المتخصصة بما يحقق وحدة القرار الاقتصادي في إدارة الأنشطة وتتولى على وجه الخصوص ما يلي:- • الإشراف على إدارة الشركات التابعة لها والرقابة على أدائها الفني والمالي. • توفير احتياجات السوق المحلية والمنتجات النفطية والخامات الأولية والوسيطة. • تكرير النفط الخام ومعالجة الغاز وإقامة المنشآت الخاصة بالعمليات الصناعية للنفط والغاز من استخلاص ومعالجة وتسييل وتعبئة ونقل وتخزين وغيرها من العمليات حسب أصول الصناعة النفطية والغازية. • التنسيق بين شركاتها لضمان التكامل الفني-الاقتصادي لأنشطتها. • أي مهام تقتضيها طبيعة أغراضها ومهامها أو مركزها كمؤسسة قابضة أو توكل إليها من قبل الوزير أو بما تقتضي القوانين والقرارات والأنظمة النافذة. تتولى المؤسسة اليمنية العامة للنفط والغاز ممثلة بدائرة تسويق النفط الخام تسويق حصة الدولة من النفط الخام من القطاعات المنتجة إلى الأسواق العالمية بعد تحديد كمية النفط الخام اللازم لتغطية حاجة الاستهلاك المحلي من المواد البترولية وتتم عملية التصدير للنفط الخام من موانئ التصدير الواقعة في رأس عيسى، الشحر، وبلحاف وفقاً للسياسات التي تحددها اللجنة الوزارية لتسويق النفط الخام ووفقاً للأسس المتعارف عليها في هذا المجال. الشركات التابعة للمؤسسة: 1. شركة توزيع المنتجات النفطية. 2. شركة مصافي عدن. 3. الشركة اليمنية للغاز. 4. الشركة اليمنية لتكرير النفط. 5. الشركة اليمنية للاستثمار النفطية والمعدنية. 6. أية شركة يتم إنشاؤها مستقبلاً. تعمل المؤسسة على الإشراف والتوجيه لنشاط وعمل الشركات التابعة لها وتذليل أية صعوبات أو مشكلات تعترضها سواء من خلال القرارات التي يتخذها مجلس إدارة المؤسسة أو من خلال المتابعة اليومية لإدارة المؤسسة لعمل الشركات التابعة". (انتهى) وقد استعرض الموقع الإلكتروني للمؤسسة بإيجاز نشاط وعمل الشركات التابعة، واختصاصها ومهامها (نورد هنا، كما جاء في الموقع، ذلك النشاط للمرفقين اللذين نحن بصددهما): "أولاً: شركة توزيع المنتجات النفطية: تتولى (شركة النفط اليمنية سابقاً) مهمة تسويق وتوزيع المنتجات النفطية في السوق الداخلية للجمهورية اليمنية (البنزين، الديزل، المازوت، الكيروسين) التي تقوم بتسلمها من مصفاتي عدن ومأرب، وكذا تموين الطائرات في مطارات الجمهورية، وكذا تزويد البواخر بالوقود في معظم موانئ الجمهورية، وتقوم الشركة بممارسة هذا النشاط من خلال المحطات والمنشآت المملوكة لها أو من خلال الوكلاء (ملاك المحطات)، كما تعمل في مجال الرقابة على عملية التموين ودقتها والحفاظ على قضايا الأمن والسلامة. ثانياً: شركة مصافي عدن: بدأ العمل في مصافي عدن عام 1952م واستكمل بناؤها في عام 1954م من قبل شركة الزيت البريطانية بي بي (BP) وقد صممت المصفاة لتعمل بطاقة (170) ألف برميل يومياً وآلت ملكيتها إلى الدولة في 1/5/1977م عندما تخلت عنها شركة الزيت البريطانية، وقد تم خلال الفترة الماضية (نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات) تنفيذ عدد من المشاريع الهامة في المصفاة من مواردها الذاتية أهمها:- • تحديث المراسي وتوسيع قدرتها الاستيعابية. • تعميق الميناء لاستيعاب ناقلات ذات حمولة أكبر. • بناء مصانع لإنتاج الأسفلت. • تطوير بعض الوحدات. • إنشاء وتطوير منشآت الغاز المسال (LPG) وزيادة السعة التخزينية. ويجري العمل حالياً في الإعداد والتحضير لتطوير وتحديث المصفاة وفقاً لخطط وبرامج، وبحسب التمويل المتاح لها". (انتهى) يتضح لنا، مما ذكر أعلاه، أن القرار "المشؤوم" قد سحب كل المهام والصلاحيات الرئيسية لشركة مصافي عدن وشركة النفط اليمنية لصالح المؤسسة اليمنية العامة للنفط والغاز، خصوصا عمليات شراء النفط الخام وبيع مشتقاته بعد التكرير، ما جعل الشركتين في عدن مهلهلتين، لا حول ولا قوة لهما، لا تستطيعان التصرف بميزانيتيهما، وإيراداتهما وصرفياتهما، إلا بما يأتيهما من أموال من صنعاء حيث المقر الرئيسي للمؤسسة العامة، حتى المرتبات الشهرية لموظفي وعمال الشركتين، وما يلحقها من علاوات وحوافز، وكذا أعمال الصيانة الدورية أو العمرية لشركة المصافي، تصرف لهما من عاصمة القرار! وعليه، وبعد تنفيذ "المؤامرة" بصدور ذلك القرار، أصبحت المصافي كمثل الجمل الذي يعصِر في عدن، وآخر يأكل "العصّار" في صنعاء، وبينهما وسيط هي شركة النفط اليمنية - مهامها إدارية أكثر منها فنية - تلعب بين الطرفين. وبتوضيح دقيق، فقد أصبحت شركة النفط اليمنية تتسلم مشتقات النفط، بعد تكريره، من مصافي عدن، مجانا، عكس ما كان عليه في السابق شراءً، ثم تقوم بتوزيعه على السوق المحلية، ولا أحد من المحللين ولا أي جهة أخرى، عدا قيادة المؤسسة العامة في صنعاء، يعرف قيمة النفط الخام الذي يدخل في التكرير وكميته، وصرفيات تكريره، ولا كميات المشتقات النفطية قبل البيع، وقيمة إيراداتها بعد بيعها في الأسواق! لهذا، نجد أن النفط الخام لا أب له، ومشتقاته لا أم لها، فبعد أن كان النفط الخام ملكا لمصافي عدن، أصبح مستَوْلا عليه من المؤسسة اليمنية العامة للنفط والغاز بصنعاء، بينما مشتقاته كانت ملكا لشركة النفط اليمنية، فأصبحت تتصرف فيها مؤسسة النفط والغاز نفسها! من هنا، نجد أن العشوائية تظهر في عمليات استيراد النفط الخام، وفي إنتاجه لعدم معرفة الطلب والعرض، وفي عمليات تسليم مشتقاته من ديزل، وبترول، وغاز وغيرها، وعمليات بيعه وتوزيعه على السوق المحلية، فالكل معتمد على أوامر وتوجيهات صنعاء، وفي ظل تلك الأعمال العشوائية، من كل بد، ينتشر ويزداد الفساد بين بعض القيادات، ممن بيدهم القرار، في الشركتين ومن خارجها، فيضيع الإنتاج في دهاليز العشوائية، ويظهر التهريب، وتبدأ الأزمة بالظهور، ويبيت المواطن بدون ديزل، أو بترول، أو غاز؛ لأن الالتزامات القانونية المترتبة على الإخلال بالعقود بين الطرفين (المصافي وشركة النفط)، والمتمثلة بالغرامات المالية، قد سقطت، وكذا المسؤولية المالية والإدارية على الأموال (النفط الخام والمواد المنتَجة عنه) لم تعد قائمة كما كانت عليه في السابق قبل صدور القرار عام 1996م، فأصبح المال "السائب" معرضا "للسرقة"! الخلاصة، أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل صدور القرار الجمهوري رقم (47) لعام 1996م وذلك بإلغائه، وتوفير رأسمال جديد (ربما قرض) لشركة مصافي عدن لتتمكن من شراء النفط الخام وفق إمكانيات مصفاتها الفنية وتسيير نشاطها كما يجب، ومنها دفع مرتبات الموظفين والعمال فيها بدل الاعتماد على صنعاء، وكذلك توفير السيولة النقدية لشركة النفط اليمنية لتتمكن من شراء المشتقات النفطية من المصافي وبيعه في السوق المحلية، ومن ثم إعادة الإيرادات إلى الخزينة العامة للدولة في عدن، مع ملاحظة أن يتم استبدال بعض قيادات المرفقين الفاسدة بأخرى نزيهة)!