بينما كانت روسيا تنشر القوات والطائرات في سوريا لمؤازرة نظام بشار الأسد، تم توثيق فترة الحشد التي سبقت تدخلها في تجسيد غير مسبوق تقريبا لقوة مصادر معلومات الاستخبارات المفتوحة. وبدأت موسكو حملتها الجوية يوم 30 سبتمبر. ولكن، قبل شهر من ذلك، طفت الأدلة على السطح. ويمكن القول إن أحدا لم يفعل أكثر في جمع وتحليل مجلدات من مصادر المعلومات المفتوحة أكثر من رسلان ليفييف، الروسي ذي التسعة وعشرين عاما، والذي أسس “فريق استخبارات النزاعات”. وتقوم المجموعة المكونة من ستة محللين بعمل دؤوب لمحاولة التحقق من المخلفات الرقمية التي يتركها الجيش الروسي. وقد أرسل ليفييف أكواما من الصور الفوتوغرافية، والخرائط، والتغريدات، والفيديوهات، وصور الأقمار الصناعية على موقعه المسمى “Live Journal”. ويقول ليفييف في حديثة لمجلة “فورين بوليسي” “لسنا صحفيين. هل نحن جنود؟ يبدو الأمر كذلك بالتأكيد”. نحن نعمل مع الجنود لنريهم الوضع الحقيقي. ونحن نعمل مع أقارب الجنود بهدف مساعدتهم. إننا نقاتل من أجل بلدنا، وسوف نستمر في ذلك”. ليفييف قال إنه تلقى تهديدات بالقتل، كما استدعته النيابة العامة بسبب تدقيقه في وجود وحدات من الاستخبارات العسكرية الروسية في شرق أوكرانيا. وأردف ليفييف قائلا إن النيابة العامة أرادت تفسيرا لعمله في توثيق موت ضابط استخبارات عسكري روسي في الدونباس، المنطقة المتنازع عليها في شرق أوكرانيا. ويقول خبراء الاستخبارات والمراقبون الذين يرصدون الجيش الروسي، إن السابقة الوحيدة لتوثيق الأحداث في الزمن الحقيقي باستخدام أدوات الاستخبارات المفتوحة لمغامرة عسكرية أجنبية، كانت غزو روسيالأوكرانيا وضمها لشبه جزيرة القرم. وقد أصبح ذلك العمل أسهل ببعض الطرق. ويقول ليفييف “تغطية الإنترنت جيدة والعديد من السكان المحليين يستخدمون الشبكات الاجتماعية، بل إنه تم بث بعض الأحداث، مثل الاستيلاء على مبنى البرلمان، مباشرة على الهواء”، مضيفا أن الوجود الهائل وفي كل مكان للكاميرات على لوحات القياس في السيارات في روسياوأوكرانيا، وفر مادة ضخمة من الفيديوهات. لكن “ليس هناك شيء كهذا في سوريا”. وبينما تواصل الصراع في أوكرانيا، قامت الجهود القائمة على مصادر المعلومات المفتوحة لرصد الحرب بتوثيق ظهور الدبابات وأنظمة السلاح والجنود.
رسلان ليفييف: لسنا صحفيين. هل نحن جنود؟ يبدو الأمر كذلك بالتأكيد
وتعزَّز هذا التوفر الكبير للمعلومات الاستخبارية من المصادر المفتوحة في جزء منه بالنمو الهائل لصناعة الأقمار الاصطناعية التجارية. وتقوم مؤسسات أمثال “ديجيتال غلوب” و“إيرباص”، وهما اثنتان من عمالقة هذه الصناعة، بتزويد العملاء بصور أقمار صناعية لا تبعد كثيرا عن القدرات التي تدعيها الحكومة الأميركية لنفسها. وتعد نوعية الصور التي توفرها أقمار التجسس الأميركية من الأسرار الأكثر صيانة وتكتما، ولذلك تصعب إقامة مقارنة دقيقة بين قدرات أقمار القطاع الخاص وأقمار الحكومة. ولدى وكالة الاستخبارات الأميركية الجيوفضائية عقد مع شركة “ديجيتال غلوب”. وفي أبريل 2014، استخدم حلف الناتو صورا التقطتها الشركة لكي يوثق تحشيد القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية. يذكر أن ستيفن وود الذي كان قد عمل 14 عاما في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في تحليل صور الأقمار الاصطناعية، وهو الآن يشغل خطة المدير التنفيذي لشركة “أول سورس أناليسيس”، وتقوم شركته بتحليل صور الأقمار الاصطناعية، بما فيها صور نشر القوات الروسية في سوريا. وود يقول “إنني أقوم بهذا العمل منذ 33 عاما، وبالنسبة إلي، كانت هناك بضع مرات في الشهر الماضي شاركنا فيها مباشرة في هذا العمل، حتى أنني نظرت خلفي إلى الماضي وقلت: لم أظن أبدا أننا سنكون قادرين على القيام بهذا باستخدام مصادر المعلومات المفتوحة”. وقال الرئيس باراك أوباما لبرنامج “60 دقيقة” في محطة “سي. بي. أس” يوم 11 أكتوبر “كنا نعرف أن بوتين يخطط لتقديم المساعدة العسكرية التي يحتاجها الأسد”. وبالنسبة إلى القوى الرئيسية الكبرى، مثل الولاياتالمتحدةوروسيا، جعل انفجار معلومات المصادر المفتوحة من الأصعب كثيرا الإبقاء على الأعمال السرية. ويرصد انفجار مصادر المعلومات التغيرات التي أصبح لزاما على مجتمع الاستخبارات الأميركي أن يحسب لها حسابا، سواء بالنظر إلى المعلومات المرسلة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو التعامل مع الوعي الجماهيري المتزايد بالتطورات الجيوسياسية. ويعكف مجتمع الاستخبارات، الآن، على التفكير بكيفية التحقق من صحة التقارير التي تنشر على وسائل الإعلام الاجتماعية. ويسأل ماتيو ماكنز، الذي يعمل الآن زميلا مقيما في معهد المؤسسة الأميركية، “كيف تستشف من الجنود الأغبياء الذين يضعون صور السيلفي لأنفسهم على فيسبوك أين هي الوجهة التي ربما تتحرك إليها القوات؟”.
الغبار الرقمي أنهى التجسس التقليدي
ويتحرك مجتمع الاستخبارات الأميركي الآن نحو دمج أفضل لمعلومات المصادر المفتوحة في عمله. ويقول مدير وكالة الاستخبارات المركزية، جون بيرنان، إن تحسين قدرة وكالته على حصد الرؤى لمثل هذه البيانات، يشكل عنصرا مركزيا في محاولته لإصلاح منظمة التجسس في أميركا. وكان بيرنان أضاف خلال شهر أبريل الماضي أنه “في كل مكان نذهب إليه وفي كل شيء نفعله، فإننا نترك خلفنا بعض الغبار الرقمي، ومن الصعب عليك حقا أن تعمل بتكتم، عندما تترك وراءك غبارا رقميا. فبعض الأشياء تأتي أحيانا من الإعلام الاجتماعي، والتي لا تكون أعين خصومنا عليها، لكنها تكشفهم”. ولكن استخدام مجتمع الاستخبارات الأميركي لمعلومات المصادر المفتوحة في المجال الرقمي ما يزال في “مرحلة التجريب”، وفقا لسليك، الذي شغل منصب مستشار المخابرات للرئيس جورج دبليو بوش. وأضاف سليك “من خلال مزيج ما من التكنولوجيا والحِرفية، سوف يحتاج كل محلل استخبارات في المستقبل إلى وصول متاح في الزمن الحقيقي لمعلومات المصادر المفتوحة”. برايان هيل، المتحدث باسم مكتب مدير الاستخبارات القومية، قال إن مجتمع المخابرات الأميركي قام على مدى سنوات “باتخاذ خطوات للاستفادة من منصات جمع المصادر المفتوحة والإعلام الاجتماعي والتقنيات الناشئة لضمان أن توفر منتجاتنا لصناع القرار أكثر التقييمات الممكنة دقة وتفصيلا وفي الوقت المناسب”. ومن جهته، حذر سليك من أن استخبارات المصادر المفتوحة “ستكون قادرة بالكاد على الإجابة عن الأسئلة حول السبب في أن قرارا ما قد تم اتخاذه، أو الكشف عن الخطط والنوايا المستقبلية لزعيم أجنبي”. وقد أصبحت مصادر الاستخبارات المفتوحة، في مزيج مع أدوات التجسّس التقليدية، أداة قوية بشكل غير عادي، خصوصا في ما يتعلق بالعلاقات العامة. وفي مارس استبدلت الوحدات الإقليمية في داخل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لصالح ما يدعى “مراكز المهمات”، وأنشأت مديرية للابتكار الرقمي كطريقة لتركيز عمل الحكومة على مجموعات البيانات الكبيرة المتاحة للجمهور علنا. وقد استوعبت تلك المديرية مركز المصادر المفتوحة في الوكالة، الذي كان قد أنشئ لمراقبة أشياء مثل تويتر من أجل استخلاص الإشارات الاستخبارية. وتتحمل المديرية الجديدة مسؤولية واسعة. ويقول ماكينز عن ذلك “لا أعرف كيف سيتمكن مجتمع الاستخبارات من تجاوز ذلك، لأنك تقوم بطريقة ما بالتقليل من قيمة قدرات جمع الاستخبارات التقليدية لدى وكالات التجسس الأميركية التي تُختصر أسماؤها في ثلاثة أحرف”.