قياديان بارزان في جماعة الحوثي يستببان في اخطر كارثة صحية بصعدة    بعد استراليا ..تحرك اوروبي وشيك لمواجهة تصاعد تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية    الفن والدين.. مسيرة حياة    عن طريق أمين جدة السعودية.. بيع عشرات القطع الأثرية اليمنية في لندن    أحدث ظهور للفنان ''محمد عبده'' بعد إصابته بالسرطان.. كيف أصبحت حالته؟ (فيديو)    احباط تهريب 213 شخصًا من اليمن ومداهمة أوكار المهربين.. ومفاجأة بشأن هوياتهم    أمطار على 8 محافظات يمنية.. وارتفاع درجات الحرارة خلال الساعات القادمة    دورة الانعاش القلبي الأساسي للطاقم الطبي والتمريضي بمديرية شبام تقيمها مؤسسة دار الشفاء الطبية    بصعوبة إتحاد النويدرة يتغلب على نجوم القرن و يتأهل إلى نصف النهائي    الدوري الايطالي ... سقوط كالياري امام فيورنتينا    المهندس "حامد مجور"أبرز كفاءات الجنوب العربي تبحث عنه أرقى جامعات العالم    الروس يذّكرون علي ناصر محمد بجرائم 13 يناير 1986م    الشراكة مع الشرعية هرولت بالإنتقالي لتحمل جزء من فاتورة الفساد!!    تصحيح التراث الشرعي (32) أين الأشهر الحرم!!؟    محاولات التركيع وافتعال حرب الخدمات "يجب أن تتوقف"    السعودية تقدم المزيد من الترضيات للحوثي    إعلان سعودي رسمي للحجاج اليمنيين القادمين عبر منفذ الوديعة    رونالدو يفاجئ جماهير النصر السعودي بخطوة غير مسبوقة والجميع ينتظر اللحظة التاريخية    هل لا زالت تصرفات فردية؟.. عبدالملك الحوثي يبرر اعتقال الناشطين وتكميم الأفواه ويحذر: مواقع التواصل عالم مفخخ وملغوم    احتجاز نجم نادي التلال العدني وثلاثة صيادين في معاشيق: نداء عاجل لإطلاق سراح أبناء صيرة المقاومين    المشروع السعودي "مسام": 84 مدرسة في تعزز تضررت من الألغام الحوثية    نجل القاضي قطران: والدي معتقل وارضنا تتعرض للاعتداء    شاهد: "المشاط يزعم أن اليمن خالٍ من طبقة الأوزون والاحتباس الحراري ويثير سخرية واسعة    منارة أمل: إنجازات تضيء سماء الساحل الغربي بقيادة طارق صالح.    مأساة في عدن: فتاة تنهي حياتها قفزًا بعد تراجع معدلاتها الدراسية    الحوثيون يسرقون براءة الأطفال: من أيتام إلى مقاتلين    العطس... فُرصة للتخلص من السموم... واحذروا كتمه!    بنك اليمن الدولي يرد على شائعات افلاسه ويبرر وقف السحب بالتنسيق مع المركزي .. مالذي يحصل في صنعاء..؟    بنك مركزي يوقف اكثر من 7شركات صرافة اقرا لماذا؟    الحكومة تطالب دول العالم أن تحذو حذو أستراليا بإدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب    - بالصور لقاء حماس وحزب الله وانصارالله في ايران كمحور مقاومة فمن يمثلهم وماذا دار؟    الهلال الأحمر اليمني يُساهم في توفير المياه الصالحة للشرب لمنطقة عبر لسلوم بتبن بدعم من اللجنة الدولية ICRC    إقالة تشافي والتعاقد مع فليك.. كواليس غضب لابورتا من قائد برشلونة السابق    "القسام" تواصل عملياتها برفح وجباليا وجيش الاحتلال يعترف بخسائر جديدة    مصادر: مليشيات الحوثي تتلاعب بنتائج طلاب جامعة إب وتمنح الدرجات العالية للعناصر التابعة لها    سنتكوم تعلن تدمير أربع مسيّرات في مناطق سيطرة الحوثيين مميز    بسبب مطالبته بدفع الأجرة.. قيادي حوثي يقتل سائق "باص" بدم بارد في ذمار    نايف البكري يدشن صرف البطاقة الشخصية الذكية لموظفي وزارة الشباب والرياضة    ماذا قال السامعي و الكبوس والكميم ووزير الشباب    رسميا.. برشلونة يتواجد بالتصنيف الأول في قرعة دوري أبطال أوروبا    ليفاندوفسكي يفشل في إنعاش خزائن بايرن ميونيخ    وزير الأوقاف يحذر ميليشيا الحوثي الارهابية من تسييس الحج والسطو على أموال الحجاج    الحوثيون يقيلوا موظفي المنافذ ويجرونهم للسجون بعد رفضهم السماح بدخول المبيدات المحظورة    الهلال يُشارك جمهوره فرحة التتويج بلقب الدوري في احتفالية استثنائية!    شاب سعودي طلب من عامل يمني تقليد محمد عبده وكاظم.. وحينما سمع صوته وأداءه كانت الصدمة! (فيديو)    تغاريد حرة .. الفساد لا يمزح    للوحدويين.. صنعاء صارت كهنوتية    مفاتيح الجنان: أسرار استجابة الدعاء من هدي النبي الكريم    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تجعل إيران النووية الشرق الأوسط أكثر أمنا؟
نشر في عدن الغد يوم 22 - 09 - 2012

موضوع امتلاك إيران السلاح النووي وما يعنيه ذلك من تهديد لأبرز حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ولمصالح الغرب في المنطقة عموما، مازال يثير كثيرا من الجدل والنقاش داخل أميركا بين السياسيين وأصحاب القرار والمختصين. وجهتا نظر تعرضهما مجلة «فورن أفيرز » للموضوع النووي الإيراني لباحثين من أبرز الباحثين الأميركيين وهما كينيث إن. والتز و كولين كال.. وجهتا نظر تبرزان مدى التخبط الذي تعرفه السياسة الأميريكة في التعامل مع الملف الإيراني وبقية الملفات في المنطقة.
كولين إتش كال:خطوة واحدة بعيدة جدا
ربما كان كينيث والتز على حق في أن إيران المسلحة نوويا قد ترتدع عن الاستخدام المدروس للسلاح النووي أو نقل معدات نووية إلى إرهابيين («لماذا يجب أن تحصل إيران على القنبلة»، يوليو/ تموز – أغسطس/ آب). ولكنه على خطأ تماما في أن الجمهورية الإسلامية قد تصبح طرفا دوليا أكثر تحملا للمسؤولية إذا اتخذت الخطوة التي تسمح لها بمرور البوابة النووية. في دفاعه عن هذا الرأي، أساء والتز تشخيص الدوافع الإيرانية وكذا قرأ التاريخ على نحو خاطئ. وعلى الرغم من حقيقة أن والتز أحد أكثر المنظرين في العلاقات الدولية المرموقين، فإنه يتجاهل البحث السياسي المهم في آثار السلاح النووي بما فيه من النتائج الأخيرة التي تشير إلى أن الدول النووية الحديثة غالبا ما تكون أكثر تهورا وعنفا في مستويات منخفضة من الصراع.
عقلانية ولكنها خطرة
أصاب والتز في إشارته إلى أن قادة إيران، على الرغم من خطبهم الحماسية المتطرفة، عقلانيون في الأساس. ونظرا لأن قيادات إيران ليسوا انتحاريين، فإنه من غير المرجح بنسبة كبيرة أن تسعى إيران المسلحة نوويا إلى استخدام أسلحة نووية عمدا أو نقلها إلى إرهابيين. ولكن على الرغم من أن الجمهورية الإسلامية عقلانية فإنها خطرة ومن الممكن أن تزداد خطورتها إذا طورت سلاحا نوويا.
ترعى حكومة إيران في الوقت الراهن جماعات إرهابية وتدعم مجموعات مسلحة في الشرق الأوسط، ويرجع أحد أسباب ذلك إلى إظهار القدرة على الانتقام من الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى إذا رغبت في شن هجوم على إيران أو عرقلة مصالحها. وإذا كان القلق الوحيد الذي يعتري قادة إيران هو بقاؤهم ويعتقدون أن الرادع النووي وحده يمكن أن يمنحهم الحماية الكافية، ربما يقلص وجودها كدول نووية من دعمها لوكلاء من أجل تجنب نزاعات غير لازمة مع قوى نووية أخرى.
ولكن إيران ليست دولة الوضع الراهن، ويهدف دعمها لجماعات إرهابية ومسلحة إلى ما هو أكبر من مجرد الدفاع والانتقام. يعتبر مثل هذا الدعم أداة هجوم، مخصصة من أجل الضغط على دول أخرى وتخويفها، وتوسعة نفوذ إيران بصورة غير مباشرة، وتقديم أجندتها المتطرفة التي تسعى إلى جعل إيران القوة البارزة في الشرق الأوسط، وبطل مقاومة إسرائيل و«القوى المتعجرفة» في الغرب، وتروج لآيديولوجيتها الإسلامية الثورية، وتؤكد على قيادتها في العالم الإسلامي الواسع.
في الوقت الراهن، تقدم طهران دعمها ورعايتها للمسلحين والإرهاب من أجل الحد من مخاطر وقوع مواجهة مباشرة مع الدول الأكثر قوة. ولكن إذا اعتقد القادة الإيرانيون أن امتلاكهم لترسانة نووية سيعد رادعا أكبر كثيرا من الأعمال الانتقامية، فإنهم على الأرجح سيسعون إلى تحقيق أهدافهم الإقليمية بقوة أكبر.
على وجه التحديد، قد تقدم طهران المسلحة نوويا إلى حزب الله والجماعات المسلحة الفلسطينية أسلحة تقليدية أكثر تعقيدا ودقة وأبعد مدى لكي يستخدموها ضد إسرائيل. وفي محاولة لتعزيز القدرات الرادعة لهؤلاء الحلفاء، ربما تدرس إيران منحهم أسلحة «مزدوجة الاستخدام»، لتخمن إسرائيل هل هذه الأنظمة تقليدية أم مسلحة بمواد كيماوية أو بيولوجية أو نووية. ربما أيضا تعطي إيران المسلحة نوويا الإذن لوكلائها باستخدام أنظمة أسلحة متقدمة بدلا من الاحتفاظ بها احتياطيا، كما تردد من قبل عن تعليمات طهران إلى حزب الله أثناء الحرب التي خاضها عام 2006 ضد إسرائيل.
يمكن أيضا أن تزيد إيران المسلحة نوويا، والتي تعتقد أنها تمتلك رادعا قويا ويمكنها بذلك ارتكاب أعمال عنف في الخارج مع الإفلات من العقوبة، من عدد ونطاق الهجمات الإرهابية ضد أهداف أميركية وإسرائيلية بواسطة حزب الله وفيلق القدس، جناح العمليات السري لقوات الحرس الثوري الإسلامي في إيران. ربما تزيد إيران الأكثر جرأة من أعداد قوات الحرس الثوري التي تنشرها في لبنان، وتسمح لقواتها البحرية بالدخول في أعمال متكررة تستعرض فيها القوة في البحر المتوسط، وتؤكد ذاتها بصورة أكثر شراسة في الخليج العربي ومضيق هرمز.
ومن أجل تعزيز صورتها أمام أعين الجماهير المحلية والإقليمية كزعيمة لكتلة المقاومة المناهضة للغرب، ربما تستجيب إيران المسلحة نوويا إلى الأزمات الإقليمية بالتهديد باستخدام جميع الوسائل المتاحة لديها لضمان استمرار نظام الأسد في سوريا أو حزب الله أو الجماعات الفلسطينية. ربما تتجرأ إيران على لعب دور المفسد في عملية السلام الإسرائيلي الفلسطيني من خلال تشجيعها على شن هجمات مسلحة واسعة النطاق وربما تحاول زعزعة استقرار الدول المجاورة لها من خلال دبلوماسية القسر والتخريب في العراق ودول الخليج.
كولين كال
يزيد النفوذ المتزايد للأصوليين المتشددين في طهران من إمكانية وقوع تلك الاحتمالات. تتشكل رؤية هؤلاء الأصوليين للعالم وفقا لمعتقداتهم الآيديولوجية في حتمية التراجع الأميركي والهزيمة الإسرائيلية والصعود الإيراني. ويرون أن المنافسة مع الولايات المتحدة وإسرائيل لعبة محصلتها صفر. إذا حصلت إيران على السلاح النووي، سيراه الأصوليون تأكيدا لقناعاتهم وسيدفعون الحكومة الإيرانية إلى ما هو أبعد من ذلك في اتجاه المخاطرة والاستفزاز.
وتأكيدا على ذلك، تدخل إيران غير النووية بالفعل في العديد من الأنشطة التي تزعزع الاستقرار. ولكن إذا تسلحت بالنووي، فعلى الأرجح تستمر إيران في إثارة المشاكل وتعتمد على أداة الردع التي تملكها من أجل الحد من خيارات الرد المتاحة أمام الدول التي تتعرض للتهديدات.
تناقض الاستقرار وعدم الاستقرار
يقول والتز: «يوضح التاريخ أنه عندما تحصل الدول على القنبلة، يزداد شعورها بأنها معرضة للخطر وترتفع حدة وعيها بأن أسلحتها النووية تجعل منها هدفا محتملا في عيون القوى الرئيسية. ويمنع هذا الإدراك الدول النووية من اتخاذ إجراء جريء أو عدواني».
في هذه الفكرة يتجاهل والتز تاريخا طويلا شهد تصرفات استفزازية من دول نووية ناشئة. على سبيل المثال في عام 1950، أعطى الزعيم الروسي جوزيف ستالين كوريا الشمالية الضوء الأخضر لغزو كوريا الجنوبية، لتشتعل على أثرها الحرب الكورية. يبدو أن ستالين افترض (مخطئا) أنه ليس من الممكن أن ترد الولايات المتحدة لأن السوفيات يملكون في ذلك الحين سلاحهم النووي الخاص. ويدعي والتز أيضا أن الصين أصبحت أقل عدوانية بعد أن امتلكت سلاحا نوويا في عام 1964. ولكن في عام 1969، أمر ماو تسي تونغ القوات الصينية بمهاجمة القوات السوفيتية على الحدود الصينية – السوفيتية. وكان الغرض من الهجوم تحذير موسكو من القيام بأعمال استفزازية عبر الحدود وحشد التأييد الصيني الشعبي لثورة ماو. وكما فعل ستالين من قبله، ربما كان ماو واثقا من أن الصين حصلت مؤخرا على قدرات نووية ستقلص من الصراع الناتج. (في النهاية، أسفرت الاشتباكات الحدودية عن أزمة أكبر مما توقع ماو، حيث طرحت إمكانية حدوث هجوم نووي سوفيتي، وكانت النتيجة تراجع الصين).
ويؤكد والتز أيضا أن «الهند وباكستان أصبحتا أكثر حذرا منذ أن امتلكتا سلاحا نوويا». ولكن في الواقع أدى تطوير باكستان للسلاح النووي إلى تسهيل استراتيجيتها في خوض صراع منخفض الحدة ضد الهند، لتصبح شبه القارة الهندية منطقة أكثر عرضة لوقوع أزمات. وكما أوضح العالم السياسي إس. بول كابور، كلما زادت القدرات النووية التي تملكها إسلام آباد، زادت سخونة الصراع الهندي – الباكستاني. منذ عام 1998، عندما أجرت كل من الهند وباكستان اختبارات علنية على أسلحتها النووية، بدت إسلام آباد أكثر رغبة في دعم الجماعات المسلحة التي تحارب في إقليم كشمير المتنازع عليه ودعم الجماعات التي تشن هجمات إرهابية في مناطق أخرى في الهند. علاوة على ذلك، في عام 1999، أرسلت باكستان قوات تقليدية تبدو في هيئة متمردين إلى خط المراقبة في منطقة كارجيل في كشمير، ليشعلوا حربا محدودة مع الهند. شجع على هذه الخطوة اعتقاد الباكستانيين أن سلاح الردع النووي سيحد من قدرة الهند على الانتقام بالأسلحة التقليدية. إضافة إلى ذلك، على مدار العقد الماضي، تورط مسلحون مدعومون من باكستان في هجمات إرهابية كبرى داخل الهند ذاتها، من بينها هجمات عام 2001 على مجمع البرلمان في نيودلهي وتفجيرات مومباي عام 2008.
وكتب والتز أن «واضعي السياسات والمواطنين في العالم العربي وأوروبا وإسرائيل والولايات المتحدة يجب أن يشعروا بالارتياح لحقيقة أن التاريخ أظهر أنه أينما تظهر القدرات النووية يظهر الاستقرار أيضا».
في الحقيقة، تشير أحداث التاريخ إلى أن التنافس بين إيران المسلحة وخصومها الرئيسيين قد يسير على نمط «مفارقة الاستقرار وعدم الاستقرار»، إذ يولد الاستقرار المفترض الناتج عن تأكيد متبادل على الدمار انعدام استقرار كبير لأنه يجعل الاستفزازات والنزاعات والصراعات التي تبعد عن السلاح النووي تبدو آمنة.
كينيث والتز
في أثناء الحرب الباردة، على سبيل المثال، منع الردع النووي اندلاع حرب تقليدية واسعة النطاق أو نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. ولكن في الوقت ذاته، مرت القوتان العظميان بأزمات مباشرة عديدة وتواجهتا في سلسلة من الحروب الدموية بالوكالة في كل من كوريا وفيتنام وأفغانستان وأنغولا ونيكاراغوا والسلفادور ومناطق أخرى. في تحليل إحصائي أجراه مؤخرا عالم السياسة مايكل هوروفيتز، يتضح أن القوى النووية التي لا تملك الخبرة تميل إلى أن تكون أكثر عرضة للإصابة بالأزمات من أنواع أخرى من الدول، وكشف بحث آخر أجراه عالم السياسة روبرت روشهاوس أن الدول النووية أكثر إمكانية لأن تدخل في صراعات عسكرية على مستويات منخفضة مع بعضها البعض، حتى وإن كانت أقل احتمالا للتورط في حرب شاملة.
إذا كان تأثير الردع كما يتوقع والتز، ربما تقلل إيران من خطر وقوع حرب تقليدية بين دول منطقة الشرق الأوسط. ولكن يشير التاريخ إلى أن تطوير إيران للسلاح النووي سيشجع روح المغامرة الإيرانية، مما يؤدي إلى مزيد من الأزمات الحادة والمتكررة في الشرق الأوسط. قد تتضمن مثل هذه الأزمات خطورة متلازمة من حدوث تبادل نووي ينتج عن خطأ الحسابات أو حادث أو استخدام غير مسؤول، وهي خطورة غير موجودة في الوقت الراهن على الإطلاق.
سيكون هذا التهديد كبيرا بوجه خاص في الفترة الأولى بعد انضمام إيران إلى النادي النووي. وبمجرد أن وصلت القوتان العظميان إلى التكافؤ النووي تقريبا أثناء الحرب الباردة، مثلا، انخفض عدد الأزمات المباشرة، وخفت المخاطر المرتبطة بالتصعيد النووي.
ولكن أثناء الأعوام الأولى من الحرب الباردة، دخلت القوتان العظميان في العديد من الأزمات، وذات مرة على الأقل – أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 – اقتربتا على نحو خطير من اندلاع حرب نووية. وكذلك، من الممكن أن تظهر مع مرور الوقت علاقة ردع مستقرة بين إيران من جانب والولايات المتحدة وإسرائيل من جانب آخر، ولكن قد تكون الأعوام الأولى المثيرة للأزمات مفزعة.
وعلى الرغم من أن كلا الجانبين لديه مصلحة كبيرة في عدم السماح للأمور بالخروج عن السيطرة، فإن الخطورة المتبقية في التصعيد غير المتعمد الناتج عن أعوام من الارتياب والعداء، وغياب خطوط اتصال مباشر، وأخطاء تنظيمية لن تكون تافهة، ويُمكن أن تكون تبعات النتيجة الأقل احتمالية مدمرة.
تهديد حقيقي للغاية
في ظل تفاؤل والتز حيال آثار التسلح النووي الإيراني، يختتم حديثه بأن «الولايات المتحدة وحلفاءها لا يحتاجون إلى بذل كل هذه الجهود من أجل منع الإيرانيين من تطوير سلاح نووي». يعتقد والتز أن الجدوى الوحيدة من استمرار المساعي الدبلوماسية هي الحفاظ على «خطوط اتصال مفتوحة (…) ستجعل الدول الغربية تشعر أنها قادرة بصورة أفضل على التعايش مع إيران نووية». ويقول إنه «من الممكن إسقاط العقوبات المفروضة حاليا على إيران».
والتز مخطئ. ربما لا يكون التهديد الذي تمثله إيران إذا تسلحت نوويا خطيرا كما يشير البعض، ولكنه أيضا سيجعل الشرق الأوسط مكانا متقلبا بل وأكثر عرضة للصراعات. لذلك يجب أن يظل منع إيران من امتلاك السلاح النووي إحدى أولويات الولايات المتحدة. من الممكن أن يشعل شن هجوم عسكري وقائي على البنية التحتية النووية في إيران سلسلة من التبعات غير المتوقعة والمزعزعة للاستقرار، لذا أفضل وأدوم حل للتحدي النووي الإيراني هو السعي إلى حل تفاوضي من خلال مزيج من الضغوط الاقتصادية والمساعي الدبلوماسية. من الممكن معارضة خوض حرب مع إيران دون الدفع، مثل والتز، بأن إيران المسلحة نوويا ستجعل من العالم مكانا أفضل.
والتز يردّ على إتش كال:الاستقرار النووي يقلل خطر وقوع حرب كبرى
في قوله إن إيران المسلحة نوويا تمثل تهديدا غير مقبول للولايات المتحدة وحلفائها، يرفض كولين رأيي بأن الدول تميل إلى توخي مزيد من الحذر بمجرد أن تحصل على سلاح نووي، ويدعي أنني أقلل من شأن التهديد المحتمل أن تشكله جمهورية إسلامية لديها الجرأة. ويتهمني بإساءة قراءة التاريخ ويشير إلى مبالغتي في تقدير حجم الاستقرار الذي سيثمر عنه الردع النووي. في الواقع، كال هو الذي أساء فهم الأحداث التاريخية، وأخفق في استيعاب عواقب الردع النووي.
من وجهة نظر كال، ليس بالضرورة أن تتصرف الدول النووية كقوى الوضع الراهن ويمكنها بدلا من ذلك أن تتطرف كثيرا في تصرفاتها. وفي ذكره لسابقة حدثت من قبل، أشار إلى حقيقة أن الاتحاد السوفياتي شجع كوريا الشمالية على القيام بعملية غزو خطيرة لكوريا الجنوبية عام 1950، بعد فترة وجيزة من إجراء السوفيات اختبارات على أول قنبلة نووية لديهم. ولكن يهمل كال شرح السياق المصاحب لهذا القرار. في فترة سابقة على ذلك، حدد وزير الخارجية الأميركي دين أشيتسون علانية تعهدات الولايات المتحدة الأمنية في آسيا؛ ولم يكن الدفاع عن كوريا الجنوبية من بينها. وكانت الولايات المتحدة قد أشارت أيضا إلى عدم اهتمامها بحماية الكوريين الجنوبيين برفضها مدهم بما يكفي من سلاح من أجل صد غزو كوريا الشمالية المدعوم من السوفيات. لذلك وجد الاتحاد السوفياتي سببا وجيها لافتراض أن الولايات المتحدة لن ترد إذا تعرضت كوريا الجنوبية لهجوم.
وفي ضوء هذه الحقائق، من الصعب أن نرى في تشجيع ستالين على الغزو مثالا على السلوك الجريء المتطرف. وعلى عكس ادعاءات كال، لا تشير بداية الحرب الكورية إلى أي دليل على روح المغامرة النووية السوفياتية، ومن ثم لا يجب أن نفهمها على أنها قصة تحذيرية لدى دراسة التأثير المحتمل الذي ستمثله الترسانة النووية على السلوك الإيراني.
يبدو أن كال يوافق على فكرة أن السلاح النووي يحقق الاستقرار – أو نوعا من الاستقرار على الأقل – ولكنه أشار، كما يفعل معظم دارسي الشؤون النووية وأنا معهم، إلى أن الاستقرار النووي يسمح بوجود عنف على مستوى منخفض. تستطيع الدول المسلحة نوويا، التي تستفيد من الحماية التي توفرها لها ترسانتها النووية، أن تشعر بحرية أكبر في شن عمليات ثانوية، ونشر الإرهاب وممارسة سلوك مزعج عامة. ولكن يتعلق السؤال المطروح بحجم هذه السلوكيات المزعجة مقارنة بالسلام والاستقرار اللذين تحققهما الأسلحة النووية.
يضرب كال مثلا بباكستان، التي ربما ضاعف سلاحها النووي من رغبتها في شن معارك منخفضة الحدة ضد الهند، مما جعل شبه الجزيرة الهندية أكثر عرضة للوقوع في أزمات. كما أصاب كال في التوضيح، قد تكون رغبة باكستان الزائدة سببا في التعجيل بوقوع ما يسمى بحرب كارجيل بين الهند وباكستان عام 1999. ولكن كانت حرب كارجيل المعركة الرابعة التي تندلع بين الدولتين، كما أنها تبدو صغيرة مقارنة بالحروب الثلاث الأخرى التي اندلعت قبل أن تحصل كلتا الدولتين على سلاحهما النووي.
في الواقع، يعد الصراع في كارجيل حربا فقط بالنسبة لعلماء الاجتماع، الذين يُعرفون «الحرب» بأنها أي نزاع ينتج عنه مقتل 1000 شخص أو يزيد في ميدان المعركة. ووفقا للمعايير الدولية، يشكل هذا المعدل من الضحايا ما يزيد قليلا على المناوشات. بعيدا عن إثبات أن الدول النووية الجديدة لا يسيطر عليها منطق الردع، تؤيد حرب كارجيل الفرضية التي تشير إلى أن السلاح النووي يمنع الصراعات الصغيرة من التحول إلى حروب كبرى. في الواقع، السلاح النووي ليس السلاح الوحيد الذي يشجع على السلام كما شهد العالم، ولا يوجد سبب لأن نعتقد أن الأمور ستختلف إذا حصلت إيران على مثل هذا السلاح.
يقلق كال أيضا من أن إيران النووية سوف تزيد من الدعم الذي تقدمه إلى الجماعات الإرهابية. الإرهاب مأساة لهؤلاء الذين تتدمر حياتهم بسببه ومصدر اضطرابات في الدول التي تعاني منه. ولكن تقل أعداد القتلى نتيجة لأعمال الإرهاب الدولية سنويا كثيرا إذا قورنت بالخسائر البشرية الناجمة عن الحروب الكبرى. وبالطبع، مثل كال، لن أرحب بزيادة الدعم الإيراني الذي يحصل عليه حزب الله أو زيادة الإمدادات من الأسلحة الإيرانية الأكثر قوة إلى المسلحين الفلسطينيين. وأرجو أيضا أن يكون هناك حل سلمي للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني والنزاعات القائمة بين إسرائيل وجيرانها. ولكن لم تقدم العقود العديدة الماضية سببا للاعتقاد في سهولة تحقيق هذه الأهداف، بل يمكنني رؤية احتمالية تقليل خطر وقوع حرب كبرى من خلال الاستقرار النووي، حتى وإن كان الثمن هو زيادة الأنشطة الاضطرابية والصراعات على مستوى منخفض.
منذ عدة أشهر فقط على هذه الصفحات، أعرب كال في بلاغة عن معارضته لهجوم وقائي مقترح على منشآت نووية إيرانية، محذرا من أن ذلك قد يشعل حربا إقليمية («لا وقت للهجوم على إيران»، مارس/ آذار – أبريل/ نيسان 2012). أتفق معه. ولكنني أختلف مع كال فيما يمكن أن تحققه الولايات المتحدة في مواجهتها مع الجمهورية الإسلامية. يبدو أن كال يعتقد أنه من الممكن على الولايات المتحدة أن تمتنع عن اتخاذ تصرف عسكري تحفه المخاطر ويظل في إمكانها أيضا أن تمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية من خلال مزيج من العقوبات والمساعي الدبلوماسية. ولكني أشك في هذا بقوة. دون استخدام القوة العسكرية، من الصعب تخيل كيف يمكن منع إيران من الحصول على سلاح نووي تصمم عليه. حينها ستسفر النتائج عن زيادة مؤسفة في الإرهاب والصراعات منخفضة المستوى. ولكن تتفوق المميزات العديدة للاستقرار الإقليمي كثيرا على التكاليف.
*كينيث إن. والتز: كبير باحثين في معهد أرنولد إيه. سالتزمان لدراسات الحرب والسلام. تهتم أبحاث والتز بدراسة المؤلفات الكبرى في نظرية العلاقات الدولية ودور السلاح النووي في العلاقات بين الدول.
*كولين كال: أستاذ مساعد في برنامج الدراسات الأمنية في كلية إدموند إيه والش للخدمة الخارجية في جامعة جورج تاون وهو أيضا نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط سابقا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.