لا أعرف مدى شهرة الدكتور فواز طرابلسي في العالم العربي بالمقارنة مع شهرته في لبنان، كاتبًا ومؤرخًا وأستاذًا جامعيًا. وللرجل نحو 20 عملاً تراوحت ما بين تاريخ لبنان المعاصر، وعصر الرحابنة، وحروب اليمن، جنوبًا وشمالاً. آخر هذه المؤلفات «جنوباليمن في حكم اليسار» بقلم شيوعي لبناني عن الرفاق السابقين في عدن وأبين و... ظفار. في تلك التجربة التي رأينا فيها لينين في مأرب والمكلا والمعاشيق، سوف نرى غرابة أخرى «دور الرفاق اللبنانيين في يوميات (كريتر) وحياة الناس العاديين». ويبدو من صفحات الكتاب أن طرابلسي يعرف ويتذكر أسماء الوزراء والمديرين والضباط اليمنيينالجنوبيين أكثر مما يتذكر أسماء وزراء لبنان. فقد كان يقوم بخمس زيارات إلى عدن كل عام على الأقل، متفقدًا بلاء الرفاق في نشر تعاليم ماركس وأفكار لينين بين القبائل والعشائر. ومن الصعب أن يبلغ أحد الدكتور طرابلسي أن اليسار الذي عاشه قد أصبح شيئًا من الماضي. فهو لا يزال يعتقد أن «الجيل الآتي» هو الجيل الأول، كما كان يقول ماو تسي تونغ. ولا يمكنك إلا أن تعجب بشجاعة هذه الوحدانية الافتراضية، فيما أصبحت سيدة الصين الأولى تلبس الفستان الطويل في حفل الملكة إليزابيث، وسيد روسيا الأول يمشي خلف بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية. كأنما فواز طرابلسي يرفض أن يعود مكسور الخاطر إلى العائلة البورجوازية التي خرج منها إلى «منظمة العمل الشيوعي». ولسنا نراه بين اليمنيين أولاً في عدن، بل نراه بينهم وهو بعد طالب في مانشستر، ينظم عملهم النقابي وحمايتهم من التمييز المادي والعنصري. وبعدها نرى ابن العائلة التجارية الثرية في كل مكان يميل إلى اليسار، أو بالأحرى، إلى أقصاه. ومثل معظم - وليس جميع الآيديولوجيين - يرفض فواز الدعابة أو الابتسام، بعكس رفيقيه السابقين محسن إبراهيم ومحمد كشلي، حيث تحضر الفكاهة قبل أن يحضر الرفيق فلاديمير إيليتش. ويبقى أن «جنوباليمن في حكم اليسار» مرجع تاريخي موضوعي لمن يعنيه تاريخ المنطقة. وفيه يبرز أمران مهمان في ضوء أحداث اليوم: الدور الرديء الذي لعبه علي عبد الله صالح في اغتيالات صنعاء، والدور البنّاء الذي لعبه الرئيس علي ناصر محمد في محاولة انتشال الجنوب من الفقر. الشرق الاوسط