ونحن نتابع الجهود الدولية والمساعي الحثيثة لعقد مباحثات جنيف 2 بين أطراف الصراع اليمنية بهدف إيجاد حلول سلمية للوضع المتفجر في اليمن وإيقاف حمام الدم بين الأشقاء اليمنيين, لتعود الحياة من جديد ويسود الأمن والأمان ليس في اليمن بل والمنطقة. وهو ما نأمل أن يتوصل إليه المتحاورون في جنيف في منتصف هذا الشهر برعاية الأممالمتحدة, إلا أن المؤشرات مخيبة للآمال في الشارع الجنوبي, رغم تطلعات الشعب اليمني إليها بأهتمام كبير, فيما لو يسود هذا اللقاء تفاهمات أخوية وأخلاقية. بعيداً عن التعنت والإصرار على فرض أجندات معينة لاتساعد على إنجاح أي توافق يمكن أن يخرج البلد من عنق الزجاجة. وهذا لايمكن أن يتحقق إلا بتضافر جهود الجميع والتفكير بعقلانية وبروح وطنية عالية وحس أنساني نبيل, يسعى إلى وقف الحرب والدمار في اليمن وتخفيف معاناة الناس الإنسانية ووضع الأمور في نصابها الصحيح .. أي أن على جميع الأطراف المتنازعة الاعتراف بحق الآخر والاستماع إليه بعقول منفتحة ونوايا صادقة, والبحث عن حلول واقعية يمكن تطبيقها على الأرض. بحيث أنه يجب على جميع الأطراف تقديم التنازلات الممكنة من أجل تخفيف معانات الشعب. وفي الوقت نفسه يجب أن يكون لقاء جنيف محطة وقوف يتم من خلالها معالجة الأزمة اليمنية والغوص في عمق جذورها وأسبابها, لكي يتم التوصل إلى حل دائم في اليمن والمنطقة. حيث أن التمدد الحوثي في اليمن يشكل واحدة من أهم القضايا التي سيتناولها هذا اللقاء لما تشكله من خطورة على دول الجوار وأمنها القومي, وهو ماتسعى إليه المملكة العربية السعودية ودول الخليج خوفاً من التوسع الإيراني في المنطقة. إضافة إلى مخاوف المجتمع الدولي والإقليمي والعربي من أزدياد نشاطات الجماعات الدينية المتشددة في اليمن. يبدو أن الأشقاء والأصدقاء جميعهم منشغلون في تلك الهموم التي تشكل خطراً على الأمن القومي الخليجي والعربي وما يهدد السلام العالمي. ومازالوا يتجاهلون القضية الجنوبية ولا يعيرون اهتمام كبير فيها كما ينبغي والتي هي في الأساس واحدة من أهم أسباب الأزمة اليمنية بل وتشكل المدخل الحقيقي لأنها الأزمة في اليمن باعتبارها مفتاح الحل لكل قضايا اليمن المركبة والمعقدة. أن دولة الجنوب القادمة هي بالتأكيد ستكون عامل استقرار بالمنطقة والضامن المهم لحفظ الأمن فيها وتأمين المصالح الدولية والعربية, نظراً لموقعها الجغرافي على حدود المملكة العربية السعودية وعمان, ولما يتمتع به الجنوب من موقع استراتيجي هام في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن يربط الشرق بالغرب, وكون الجنوب على استعداد كامل لحمايتها من الأطماع الخارجية وتأمين الممرات الدولية ومحاربة الإرهاب بكل أشكاله وألوانه, ونحن على ثقة بأن الأيام القادمة ستثبت صحة ذالك. السؤال هنا هل يستطيع المتحاورون في جنيف الاعتراف بالقضية الجنوبية, كقضية سياسية ومن حق الجنوبيين تقرير مصيرهم! ومن دون مشاركة قوى الحراك الحقيقية في مثل هذا اللقاء؟! لا أعتقد ذالك, طالما وأنه لم يتم استدعاء ممثلي المقاومة الجنوبية والحراك الجنوبي السلمي للمشاركة في هذا اللقاء..وكما نراه اليوم بأن التمثيل قد شمل فقط ممثلي السلطة المتناحرة والمنقسمة إلى مايسمى بالشرعية والانقلابيين وهم جميعاً يمثلون أحزاب السلطة السابقة وأن وجد فيهم بعض الجنوبيون المرتبطون بأحزابهم فهم لا يمثلون الجنوب !!. يبدو أن التمثيل الجنوبي سيتم الأعداد له لاحقاً في جنيف 3 لأن جنيف 2 بكل تأكيد لن تحقق أي نجاحات ملموسة على صعيد الحل النهائي للأزمة وربما سيكتب لها الفشل طالما والقضية الجنوبية مبعدة منه حتى هذه اللحظة. وقد يكون هذا اللقاء مقدمة للقاءات قادمة مهمة وحاسمة فيما لوتوصل المتحاورون إلى تفاهمات محددة أهمها وقف الحرب (هدنة ثابتة) ووصول الإغاثة الإنسانية إلى جميع مناطق اليمن لتعود الحياة من جديد ويستمر الحوار في أجواء خالية من العنف والحروب. أن الصراع الحقيقي باليمن يكمن في محاولة إحكام السيطرة الكاملة على الجنوب وثرواته, من قبل القوى التقليدية والمتنفذة في اليمن . وفي الوقت الذي يناضل شعب الجنوب من أجل (التحرير والاستقلال) وقدم تضحيات كبيرة وجسيمة من خيرة شبابه منذ عام 1994م, حرب الاحتلال الأولى للجنوب إلى يومنا هذا, وقد واجه قوات صالح والحوثيين في الحرب الأخيرة بقوة فولاذية واستماتة للدفاع عن نفسه من أجل يستعيد حريته وكرامته. وقد شاهد العالم تلك البطولات التي سجلها شعب الجنوب رغم إمكانياته البسيطة والمحدودة أمام جيش صالح الجرار ومليشيات الحوثي, ولكن بعون من الله وإرادة أبنائه ودعم التحالف العربي بقيادة المملكة ودولة ألامارات حقق النصر وطرد المحتلين, لهدف واحد هو الاستقلال. وهو حق مشروع تكفله الأعراف والمواثيق الدولية والقانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة.. ورغم معرفة المجتمع الدولي والإقليمي بحجم المعاناة الإنسانية لشعب الجنوب وحقه في العيش الكريم كبقية شعوب العالم الحر, الإ أ ن هناك مماطلة واضحة بالاعتراف الكامل بهذا الحق القانوني والإنساني. ويتم تأجيله من فترة إلى أخرى وهو مايزيد الأمر تعقيداً وإرباكاً للمشهد السياسي في اليمن. ويساعد على بقاء وتزايد نشاطات القوى الإرهاب الدخيلة على شعب الجنوب , والتي ستنتهى وتمحو من الوجود بعودة دولة الجنوب الجديدة دولة النظام والقانون. من المؤسف جداً أن نسمع بعض الأصوات النشاز التي مازالت تتحدث عن الوحدة اليمنية والأقاليم والمبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني المزيف, والذي أوصل البلاد إلى ماوصلنا إليه البوم. في الوقت الذي ماتت الوحدة في نفوس وعقول الجنوبيين, ويعتبرونها بمثابة كابوس جاثم على صدورهم. وقد انتهت في عام 1994 عندما تحولت إلى احتلال للجنوب, وتم دفنها نهائياً بعد حرب الاحتلال الثانية. وما سببته من شرخ كبير في النسيج الاجتماعي وكراهية للاحتلال من الصعب ترميمها على المدى البعيد.
المحلل السياسي والعسكري الكويتي د فهد الشليمي من أكثر الكتاب السياسيين العرب الذي يتلمس عن قرب معاناة الشعب الجنوبي وينظر بعمق وواقعية تجاه القضية الجنوبية وفشل الوحدة اليمنية وحق شعب الجنوب في استعادة دولته حيث قال (( دراما الوحدة اليمنية احتوت على أغرب (الحكايات) التي لا مثيل لها في مسيرة المجتمعات البشرية منذ العصر الحجري حتى العصر الرقمي, وأنتجت واقعاً مشوهاً وأحدثت صدوعاً بين كتل المجتمع في الجنوب والشمال, وأن محاولة استدعاء الوحدة مجدداً في ظروف الراهن الجنوبي خطر مدمر, كما أن الأقلمة أو الدولة الاتحادية التي زرعت في (صلبها التلف), لا تلد الإ دماً متعفناً, وأي توحد من هذا القبيل لن يكون سوى انتحاراً حقيقياً للشمال والجنوب. وأضاف قائلاً فبعد هذا التعبير الكارثي الدامي والتدميري لفشل الوحدة الذي نراه اليوم, لايمكن استقامة أي مقاربة سياسية غير تلك التي تحيل إلى ضرورة تمكين الجنوب من خياراته)). اليوم المجتمع الدولي والعربي والإقليمي أمام محك عملي من تلك الشعارات التي يرفعونها دفاعاً عن حقوق الإنسان وهي مدونة في دساتير بلدانهم, حتى الحيوان يثيرون حوله العالم ضجيجاً, إذا ماتم قتله في أحدى الشوارع الأوربية أو الأمريكية, ولايعيرون أهتماماً للآلاف من البشر تم قتلهم في مناطق الجنوب بدم بارد من قبل القوات العسكرية والأمنية لنظام صنعاء..كونهم يطالبون سلمياً بحقوقهم المشروعة, ويرفضون الظلم والاستبداد العفاشي, ويرفضون أيضاً الإرهاب التي تمارسه جماعات دينية متطرفة في الأراضي الجنوبية. ويقتل الأبرياء من نشطاء الحراك الجنوبي السلمي وخيرة كوادر الجنوب العسكرية والأمنية والمدنية بشكل مستمر وممنهج. أليس من حق هذا الشعب أن يدافع عن نفسه اليوم! ويطالب بحقه وحريته, ليعيش بأمن وسلام ووئام. أنه شعب حضاري ومنفتح على العالم الآخر, سيمد جسور المحبة والإخاء والصداقة والتعاون مع الجميع, وسينبذ العادات الدخيلة على شعبنا, من إرهاب وغلو وتطرف, الذي يدمر المجتمعات ويلحق المعاناة والخراب ويمس بجوهر الحياة والموطن وأمنه واستقراره, ويشوه سمعة البلد وتعاليم الدين الإسلامي السمحة.