أيام قاسية ومريرة عاشها عدد من أبناء الجنوب في معتقلات وزنازن القادمون من كهوف التاريخ. معاناة ما بعدها معاناة، ويل، وجع، ضياع، جبروت وغرور وتكبر من قبل هؤلاء الذين غفل عنهم الزمن في لحظة نسيان. أيام قاسية عاشها الأسرى في سجون ومعتقلات المليشيات ذاقوا فيها الويلات وتجرعوا فيها كأس المرارة وتعرضوا لشتى أنواع العذاب التي لاتخطر على بال ولاتستوعبها الإنسانية فصارت الحرية بالنسبة لهم كحلم مستحيل، بل أضغاث أحلام، وكيف لا تكون وهم قابعون في سجون من لا يعرفون الإنسانية.. وتقف عدن وما حل بها من قتل ودمار وإنتقام كشاهدة عيان على حقدهم الأسود وبطشهم لن تمحوه ملايين السنوات الضوئية. أيام تلو أيام كانت كسحابة سوداء مظلمة لم يروا فيها سوى الظلام والعذاب والقهر الذي يخلو من كل معاني الرحمة والإنسانية. كان ذنبهم أنهم يدافعون عن دينهم وشرفهم وعرضهم، ووقفوا (جبالا) بشرية في وجه من يريد إعادة إحتلال الجنوب مرة أخرى بعد جائحة حرب صيف 1994م. لكن الأبطال لم يخضعوا وصمدوا في وجه الطغاة حتى أسروهم.. ذلك الأسر لم يؤثر في نفسياتهم شيئا رغم الويلات والعذاب.. رغم فراق الأهل والخلان. ففضلو ا العيش وراء تلك القضبان بدلا من العيش تحت الذل والمهانة. وبفضل من الله تعالى وحرص وجهد المقاومة الجنوبية البطلة تمت عملية مبادلة الأسرى، واستقبل الجنوب_كل الجنوب_ أبطاله بفرحة عارمة لا تضاهيها فرحة. فهاهي نافذة الحرية فتحت أبوابها لهم، هاهي الشمس المشرقة تعود من جديد، وذلك القمر الباسم يختال ضاحكا، حتى النجوم تتلألأ، عاد الأبطال إلى ذويهم.. عادوا إلى احضانهم، والبسمة ترتسم على شفاهم وتمحي كل الآلام والاوجاع التي مرت عليهم طوال أشهر الضياع في السجون المعتمة. كان فرحا لا يوصف، فرح كل الجنوب بأبنائه الأبطال وأستقبلتهم المدن استقبال الفاتحين. ولأننا نعيش حالة فرح فينبغي ألا ننسى ما تبقى من أسرانا، ونتمنى على المقاومة الجنوبية مواصلة جهدها وحثها على كشف مصير المختفيين قسرا منذ أيام الحرب اللعينة، فهناك كثيرون لا يعرف أهاليهم عنهم شيئا.. ويدركون أن تلك المليشيات والعصابات تقف خلف ذلك الإختفاء. وكم اعجبني ذلك الوصف الذي قاله أحد الأسرى بعد خروجه وتنفسه هواء الجنوب، وسطوع شمسه، وبساطة أهله: "شمس الجنوب غييير"!!.