النائب العام يأمر بالتحقيق في اكتشاف محطات تكرير مخالفة بالخشعة    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    إيران ترحب باتفاق تبادل الأسرى بين اليمن والسعودية بوساطة عُمانية    مجلس الأمن يطالب بالإفراج الفوري عن موظفي الأمم المتحدة المحتجزين لدى سلطة صنعاء    علماء وخطباء المحويت يدعون لنصرة القرآن وفلسطين    العرادة: التحديات الراهنة تتطلب موقفاً دولياً موحداً لدعم مؤسسات الدولة    فتح ذمار يفوز على فريق 22 مايو واتحاد حضرموت يعتلي صدارة المجموعة الثالثة في دوري الدرجة الثانية    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    القاعدة تضع السعودية والإمارات في مرمى العداء وتستحضر حديثًا لتبرير العنف في أبين وشبوة    تحذيرات للمزارعين مما سيحدث الليلة وغدا ..!    شبوة تنصب الواسط في خيمة الجنوب    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    شباب عبس يتجاوز حسيني لحج في تجمع الحديدة وشباب البيضاء يتجاوز وحدة حضرموت في تجمع لودر    الشيخ أمين البرعي يعزي محافظ الحديدة اللواء عبدالله عطيفي في وفاة عمه احمد عطيفي    مؤسسة الاتصالات تكرم أصحاب قصص النجاح من المعاقين ذوي الهمم    الرئيس الزُبيدي: نثمن دور الإمارات التنموي والإنساني    مصلحة الجمارك تؤيد خطوات الرئيس الزُبيدي لإعلان دولة الجنوب    سوريا.. قوة إسرائيلية تتوغل بريف درعا وتعتقل شابين    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    لملس يتفقد سير أعمال تأهيل مكتب التعليم الفني بالعاصمة عدن    أبناء العمري وأسرة شهيد الواجب عبدالحكيم فاضل أحمد فريد العمري يشكرون رئيس انتقالي لحج على مواساته    الدولار يتجه نحو أسوأ أداء سنوي له منذ أكثر من 20 عاما    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    السلطة المحلية بمحافظة لحج تعلن دعمها الكامل لقرارات الرئيس عيدروس الزبيدي واستعادة دولة الجنوب    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    رئيس مجلس الشورى يعزي في وفاة الدكتور "بامشموس"    هدوء في البورصات الأوروبية بمناسبة العطلات بعد سلسلة مستويات قياسية    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    سياسي عماني: خيبة أمل الشرعية من بيان مجلس الأمن.. بيان صحفي لا قرار ملزم ولا نصر سياسي    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    حوادث الطيران وضحاياها في 2025    اختتام دورة تدريبية لفرسان التنمية في مديريتي الملاجم وردمان في محافظة البيضاء    تونس تضرب أوغندا بثلاثية    أعضاء في سياسي أنصار الله: السعودية دمرت اليمن واستنزفت ميزانيتها بلا فائدة    إغلاق مطار سقطرى وإلغاء رحلة قادمة من أبوظبي    قراءة أدبية وسياسية لنص "الحب الخائب يكتب للريح" ل"أحمد سيف حاشد"    البنك المركزي يوقف تراخيص فروع شركات صرافة بعدن ومأرب    خطوة إنسانية تخفف المعاناة.. السعودية ترحب باتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    هيئة الآثار: نقوش سبأ القديمة تتعرض للاقتلاع والتهريب    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    مستشار الرئيس الاماراتي : حق تقرير المصير في الجنوب إرادة أهله وليس الإمارات    الذهب يسجل مستوى قياسيا ويقترب من حاجز 4,500 دولار للأونصة    فقيد الوطن و الساحه الفنية الشاعر سالم أحمد بامطرف    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    صلاح ومرموش يقودان منتخب مصر لإحباط مفاجأة زيمبابوي    الخارجية الروسية: روسيا تؤكد تضامنها مع فنزويلا على خلفية التصعيد في البحر الكاريبي    فنان تشكيلي يتلقى إشعاراً بإخلاء مسكنه في صنعاء ويعرض لوحاته للبيع    الصحفي والناشط الحقوقي نشوان النظاري    تواصل منافسات بطولة الرماية المفتوحة للسيدات والناشئات    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصول الفكر التكفيري
نشر في عدن الغد يوم 27 - 12 - 2015


(1)


أوهام الخلافة الإسلامية


مارست نقد الفكر الديني -خصوصاً في صورته المتطرفة- منذ سنوات بعيدة، إدراكاً مبكراً مني لخطورة المشروع السياسي لجماعة «الإخوان المسلمين»، والذي يتمثل في حده الأدنى في الانقلاب على الدول العربية العلمانية وتحويلها إلى دول دينية تطبق الشريعة الإسلامية كما يفسرونها، سواء تم ذلك من طريق العنف المسلح أو طريق الممارسة الديموقراطية التي تكفل لهم الغالبية كما حدث في مصر بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير). أما في حده الأعلى، فيتمثل بإحياء نظام الخلافة الإسلامية وتوحيد البلاد الإسلامية كافة في مشارق الأرض ومغاربها تحت رئاسة خليفة واحد.


وقد مارست هذا النقد الجذري لهذه التوجهات المتطرفة التي لو تحققت لأدت إلى تفكك الدول العربية والتغيير القسري لهويتها الوطنية وتوجهاتها القومية. وبدأت هذا المشروع النقدي في منتصف التسعينات من القرن العشرين، وجمعت أبحاثي في هذا المجال في كتاب من جزأين عنوانه: «الكونية والأصولية وما بعد الحداثة: أسئلة القرن الحادي والعشرين»، نشرته في العام 1996 المكتبة الأكاديمية بالقاهرة. وخصصت الجزء الثاني لأبحاثي النقدية للفكر الديني وجعلت عنوانه «أزمة المشروع الإسلامي المعاصر». ورغم أن هذا الجزء ضم أبحاثاً ومقالات عدة في هذا المجال، إلا أن أهم ما فيه في الواقع هو تسجيل دقيق للمناظرة التي دارت بيني وبين الشيخ يوسف القرضاوي لأسابيع عدة على صفحات جريدة «الأهرام».


بدأت المناظرة، التي لم أخطط لها في الواقع، بمقالة نقدية عنوانها «الحركة الإسلامية بين حلم الفقيه وتحليل المؤرخ» (1/8/1994)، وسرعان ما رد عليها الشيخ القرضاوي بمقالة (7/8/1994) حاول فيها تفنيد آرائي حول أوهام إحياء نظام الخلافة الإسلامية، ورددت عليه بمقال عنوانه «الإمبراطورية والخليفة» (15/8/1994)، واختتم الشيخ القرضاوي المناظرة بمقال أخير له عنوانه «تعقيب حول مقال الإمبراطورية والخليفة».


كانت هذه المناظرة التي دارت بيني وبين الشيخ القرضاوي على صفحات «الأهرام»، والتي كانت حواراً فكرياً، مقدمة رصدي لتحول الفكر النظري لجماعة «الإخوان» إلى فكر إرهابي يقوم أساساً على تكفير غير المسلمين، بل وعلى تكفير المسلمين أنفسهم، خصوصاً الحكام الذين لا يحكمون بالشريعة الإسلامية والجماهير المسلمة التي تستسلم لهم ولا تخرج عليهم. وقد تبنت هذا الفكر التكفيري جماعتان إرهابيتان مصريتان هما جماعة «الجهاد» و «الجماعة الإسلامية»، اللتان قامتا بأعمال إرهابية عدة كان أبرزها واقعة ذبح السياح في مدينة الأقصر.


وبعد أن استطاعت الدولة استئصال شأفة الإرهاب بدأت بتشجيع من الأمن محاولات قادها زعماء هذه الجماعات الإرهابية في السجون لإجراء مراجعات لفكرهم المتطرف، وتتضمن اعتذارهم عن سلوكهم الإرهابي ونيتهم في التوبة والرغبة في أن يعودوا من جديد مواطنين صالحين. وأسفرت هذه الحركة عن صدور أكثر من خمسة وعشرين كتيباً من «المراجعات» أشرف عليها عدد من كبار قادة هذه الجماعات، وأدت في النهاية إلى الإفراج عن مئات من هؤلاء الإرهابيين وتأهليهم ليعودوا إلى المجتمع من جديد.


وقد اهتممت اهتماماً خاصاً بكتب المراجعات ودرستها بصورة منهجية دقيقة لأكشف عن مفردات النظرية التكفيرية التي استندوا إليها في سلوكهم الإرهابي.





(2)


أصول النظرية التكفيرية


نعتمد في عرض أصول النظرية التكفيرية على وثيقة «ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم» التي أصدرتها في العام 2007 جماعة «الجهاد» الإرهابية المصرية في إطار سلسلة المراجعات للفكر الإرهابي والتي ترتب عليها الإفراج عن أعضاء الجماعة.


يمكن القول إن مقدمة وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم تتضمن -على إيجازها- مجموعة من الأفكار الأساسية التي تشكل ما يمكن أن نطلق عليه الإطار المرجعي للوثيقة. ولعل الفكرة الجوهرية الأولى هي النظر إلى الخلافة الإسلامية نظرة مثالية تؤدي في النهاية إلى تقديسها والحلم باستعادتها. لكن أخطر ما في الوثيقة هو عرضها نظرية متكاملة في التكفير. وفي تقديرنا أن هذه النظرية هي الأساس الذي اعتمدت عليه الجماعات الإرهابية المتطرفة في تكفير الحكام وتكفير المجتمعات الإسلامية لأنها لا تطبق الشريعة الإسلامية، وتكفير غير المسلمين، بل وتكفير بعض المسلمين بشروط معينة.


ونظرية التكفير المتكاملة التي تعرضها الوثيقة لها مقدمات تبنى عليها نتائج خطيرة. المقدمات تتمثل في ما يسجله قلم «الدكتور فضل»، وهو الاسم الحركي لكاتب الوثيقة، في الصفحة الثانية من الوثيقة تحت عنوان «دين الإسلام»، حين يقول: «والإسلام ملزم لجميع المكلفين من الإنس والجن من وقت بعثة النبي (ص) وإلى يوم القيامة». وبالتالي فالبشر جميعهم منذ البعثة النبوية وإلى يوم القيامة هم «أمة الدعوة» (المدعوون إلى اعتناق دين الإسلام)، فمن استجاب منهم لذلك فهم «أمة الإجابة».


وتسترسل الوثيقة فتقول «ومعنى إلزام دين الإسلام أن الله سبحانه لن يحاسب جميع خلقه المكلفين منذ بعثة النبي (ص) وإلى يوم القيامة إلا على أساس دين الإسلام، فمن لم يعتنق دين الإسلام أو اعتنقه ثم خرج عن شريعته بناقض من نواقض الإسلام فهو هالك لا محالة إن مات على ذلك». واستند «الدكتور فضل» في هذا الحكم الخطير على آية قرآنية هي «ومن يتبع غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» (آل عمران: 85).


وفي تقديري أنه ينبغي التحليل النقدي لهذا التأويل لخطورته في مجال العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين، واعتبارهم جميعاً هالكين وكفاراً لأنهم لم يعتنقوا الإسلام.


وبعد ذلك تقدم الوثيقة نظرية متكاملة في الكفر مبنية على مقولة مبدئية هي أن «الإسلام يتحقق بتقديم مراد الرب على مراد النفس، فإنه ينقص أو ينتقص بمخالفة ذلك، والمخالفة درجات: فمن قدم مراد نفسه على مراد ربه في أشياء يسيرة فهذا مرتكب الصغائر (وهي العصيان)، ومن قدم مراد نفسه على مراد ربه في أشياء كبيرة فهذا مرتكب الكبائر (وهو الفسوق)، ومن قدم مراد نفسه على مراد ربه في أشياء عظيمة فقد وقع في الكفر». وفي تقديرنا أن هناك غموضاً في المفاهيم الأساسية التي تقوم عليها النظرية، وهي «الصغائر» و «الكبائر» و «الأشياء العظيمة».


والواقع أن الذي يؤكد خطورة نظرية التكفير أن الوثيقة ترتب عليها نتائج مهمة في مواضع عدة، إذ تقول الوثيقة في مجال المحظورات الشرعية (ص 15) إن «تلقي أموال والاستعانة بأنظمة حكم في دول أخرى ليست بأفضل من بلدانهم لقتال أهل بلدهم، بما أوقعهم في فخ العمالة وحروب الوكالة، فيبدأ شأنه مجاهداً ويصير عميلاً مرتزقاً». وهذا في الواقع نقد ذاتي محمود.


غير أن الوثيقة تسترسل وتقول في مجال تعداد المحظورات الشرعية إن «اضطرار البعض إلى عمل لجوء سياسي لدى الدول الأجنبية (بلاد الكفار الأصليين) فيكون بذلك قد دخل تحت حكم الكفار وقوانينهم باختياره». وحين تقرر الوثيقة أن الذي يلجأ سياسياً لبلد أجنبي كافر، بحسب التعريف، فإنه يدخل نفسه تحت حكم الكفار وقوانينهم باختياره. ومازالت الوثيقة تتبنى التقسيمات القديمة بين «دار الإسلام» و «دار الحرب»، وكأنه لم يتغير شيء في العالم منذ قامت الدولة الإسلامية الأولى!


ومازالت الوثيقة للأسف الشديد تعيش في الماضي، والدليل أنها قررت أن الشريعة لم تبح لآحاد الرعية معاقبة عامة الناس أو إقامة الحدود عليهم (وهذه بديهية، لأنها من مهمات الدولة المعاصرة). غير أن الوثيقة –من باب الدقة العلمية– قررت أنه لا يستثني من ذلك إلا إقامة المسلم الحدود على عبيده. وأياً ما كان الأمر فيمكن القول إن ما سكتت عنه الوثيقة هو آلية التفكير التي أنتجت أفكارها وهي استخدام القياس الخطأ، وأهم من ذلك التأويل المنحرف للنص الديني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.