تغير جديد في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    فلنذكر محاسن "حسين بدرالدين الحوثي" كذكرنا لمحاسن الزنداني    رشاد العليمي حاقد و"كذّاب" تفوّق على من سبقه ومن سيلحقه    شعب الجنوب أستوعب صدمة الاحتلال اليمني وأستبقى جذوة الرفض    ليس وقف الهجمات الحوثية بالبحر.. أمريكا تعلنها صراحة: لا يمكن تحقيق السلام في اليمن إلا بشرط    الحوثيون يراهنون على الزمن: هل ينجحون في فرض حلولهم على اليمن؟ كاتب صحفي يجيب    أنباء غير مؤكدة عن اغتيال " حسن نصر الله"    آخر مكالمة فيديو بين الشيخين صادق الأحمر وعبد المجيد الزنداني .. شاهد ماذا قال الأول للأخير؟    شيخ بارز في قبضة الأمن بعد صراعات الأراضي في عدن!    الأمل يلوح في الأفق: روسيا تؤكد استمرار جهودها لدفع عملية السلام في اليمن    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    دوري ابطال آسيا: العين الاماراتي الى نهائي البطولة    تشييع مهيب للشيخ الزنداني شارك فيه الرئيس أردوغان وقيادات في الإصلاح    كلية القيادة والأركان بالعاصمة عدن تمنح العقيد أديب العلوي درجة الماجستير في العلوم العسكرية    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    بن دغر يوجه رسالة لقادة حزب الإصلاح بعد وفاة الشيخ عبدالمجيد الزنداني    مفسر أحلام يتوقع نتيجة مباراة الهلال السعودي والعين الإماراتي ويوجه نصيحة لمرضى القلب والسكر    مركز الملك سلمان يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في الجوف    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    رئيس مجلس القيادة يجدد الالتزام بخيار السلام وفقا للمرجعيات وخصوصا القرار 2216    إعلان موعد نهائي كأس إنجلترا بين مانشستر يونايتد وسيتي    إنزاجي يتفوق على مورينيو.. وينهي لعنة "سيد البطولات القصيرة"    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    "ريال مدريد سرق الفوز من برشلونة".. بيكيه يهاجم حكام الكلاسيكو    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    لابورتا بعد بيان ناري: في هذه الحالة سنطلب إعادة الكلاسيكو    انقطاع الشريان الوحيد المؤدي إلى مدينة تعز بسبب السيول وتضرر عدد من السيارات (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مكان وموعد تشييع جثمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني    التضامن يقترب من حسم بطاقة الصعود الثانية بفوز كبير على سمعون    قيادي حوثي يقتحم قاعة الأختبارات بإحدى الكليات بجامعة ذمار ويطرد الطلاب    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    ميلشيا الحوثي تشن حملة اعتقالات غير معلنة بصنعاء ومصادر تكشف السبب الصادم!    دعاء مستجاب لكل شيء    ديزل النجاة يُعيد عدن إلى الحياة    رئيس مجلس النواب: الفقيد الزنداني شارك في العديد من المحطات السياسية منذ شبابه    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    ارتفاع الوفيات الناجمة عن السيول في حضرموت والمهرة    تراجع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.. "كمل امكذب"!!    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الزنداني يكذب على العالم باكتشاف علاج للإيدز ويرفض نشر معلوماته    الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تفعل هذا الأمر    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    المواصفات والمقاييس تختتم برنامج التدريب على كفاءة الطاقة بالتعاون مع هيئة التقييس الخليجي    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية لوثيقة الحوثيين الفكرية (2): عندما تصبح العنصرية دينا
نشر في الأهالي نت يوم 13 - 04 - 2012

كان من الطبيعي أن تبدأ الوثيقة بأهم مسائل أصول الدين، وهي –بحسب الموقعين على الوثيقة- الإيمان بالله ورسوله وكتابه وإمامة علي وسبطيه ثم حصرها في ذريتهما إلى يوم الدين، وهي ما تعرف في كتب الأئمة بالتوحيد والنبوة والإمامة، وسنتناول هذه القضايا بالترتيب التي عرضتها الوثيقة، وسنبدأ بقضية الإيمان بالله التي قد يظن البعض أن ما أوردته الوثيقة بشأنها ليس محل خلاف بين المسلمين، مع أن الأمر ليس كذلك، فالتفاصيل التي أوردتها الوثيقة تؤكد الخلاف العقائدي مع أهل السنة تحديدا، ولهذا الخلاف تبعات وتداعيات خطيرة امتلأت بها كتب التاريخ، ولا يزال أثرها قائما حتى اليوم وهو ما سنحاول إظهاره فيما يلي:
لم يخرج النص الذي أوردته الوثيقة بشأن الإيمان بالله قيد أنملة عن ما ورد عن الإمام القاسم الرسي والإمام الهادي وعبدالله بن حمزة وغيرهم من الأئمة، وهي أيضا عقائد المعتزلة –بغض النظر عن الخلاف حول من أخذ من الآخر- فالوثيقة تصف الله بأنه ".. لا تدركه الأبصار –لا في الدنيا ولا في الآخرة" وذلك خلافا لأهل السنة الذين يؤمنون برؤية الله يوم القيامة، كما تنص الوثيقة على أن الله لا تجوز عليه الأعضاء ... والأيدي ونحوها، ولا تجوز عليه الحركة والسكون والانتقال ولا يحويه زمان ولا مكان، وهو خلاف معتقد أهل السنة الذين يثبتون صفات الله كالسمع والبصر والعين واليد، وكذلك العرش والكرسي وأن الله في السماء وكل ما ورد بشأنه نص دون تعطيل كما تحدثت الوثيقة عن صفة العدل وهي أحد الأصول الخمسة للمعتزلة، حيث نفوا نسبة أفعال الكفر والفسوق والعصيان إلى الله ونسبوها إلى الإنسان وهو ما رفضه أهل السنة الذين يقولون أن الخير والشر من الله، وأخيرا نصت الوثيقة على أصل الوعد والوعيد، والذي يستلزم أن النار مستقر ومثوى للعصاة خالدين مخلدين فيها وأن لا شفاعة لأهل الكبائر، وهو على النقيض من عقيدة أهل السنة الذين يرون أن من مات مصرا على المعصية فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، وإنه سيخرج من النار بإيمانه، وأن الشفاعة لأهل الكبائر، هذه الخلافات العقدية جعلت أهل السنة يطلقون على المعتزلة المعطلة لأنهم عطلوا النصوص، في حين سماهم المعتزلة وكذلك الزيدية الهادوية، المشبهة لأنهم يشبهون الله بخلقه في إثباتهم للصفات والرؤية، وسموهم كذلك القدرية، لأنهم نسبوا جميع الأفعال إلى الله، والمفارقة أن أهل السنة قد سموهم بالاسم هذا نفسه –كما سموهم المرجئة لأنهم لا يجزمون بعذاب المؤمن العاصي ولا يقولون بتخليده في النار وإنما يرجون أمره إلى الله.
قد يتساءل البعض: ما المشكلة إن أكد الحوثي ومن معه تمسكهم بعقائد ورثوها عن أجدادهم وهل تريدون منهم التخلي عنها واتباع العقيدة الطحاوية للطحاوي أو "التدمرية" لابن تيمية؟ والجواب: لا بكل تأكيد، ولسنا بمقام المقارنة بين عقائد الطرفين وأيهما أصح؟ لكن ما يهمنا هنا هو لوازم هذه العقيدة وهي تكفير من لم يؤمن بها، إن ما أوردته الوثيقة مأخوذ بالنص من كتب أئمة الهادوية وعلى رأسهم الإمام الهادي وعبدالله بن حمزة وغيرهما، وهؤلاء الأئمة يحتلون مكانة مقدسة عند موقعي الوثيقة، بل إنهم قرنوا الإيمان بإمامتهم بالإيمان بالله ورسوله –كما سنرى في العدد القادم- وهؤلاء الأئمة قد كفروا من خالف عقيدتهم، وهم غالبية الأمة، أهل السنة والذين وصفوهم بالجبرية والحشوية والمشبهة والمرجئة، فها هو الإمام الهادي يقول عن مثبتي الصفات -وهم أهل السنة كما مر معنا- "اعلم رحمك الله أن هذه الفرقة من المشبهة قوم عند الله أكذب الكاذبين وأخسر الخاسرين، ولأقسمت يمينا بالله عز وجل أن الواحد منهم يرى أن على شيء ليصلي ويصوم ويتنفل وإن قلبه ليحكي له بعده من الله تبارك وتعالى وأنه لا يتقرب من الله أبدا ولا يزداد بكثرة عمله إلا بعدا، وإن قلبه لنافر من الله سبحانه"(1) وكان يرى أن ذبيحة من يقول برؤية الله يوم القيامة –وهم جمهور أهل السنة كما مر معنا- تعد من الذبائح المحرمة، بل وقرنها بذبائح اليهود والنصارى والمجوس، حيث يقول "يحرم من الذبائح ست: ذبيحة اليهودي...، وذبيحة المشبه لأنه يقول: أنه يعبد الذي يقع عليه بصره يوم القيامة"(2).
وينفي العلامة الزيدي المعاصر أحمد بن لطف الديلمي في كتاب قدم له وأثنى على مضمونه واعتبره القول الفصل في مذاهب أهل البيت العلامة محمد المنصور –عضو مجلس الإفتاء، والعلامة محمد بن أحمد الكبسي –عضو المحكمة العليا، ما ذهب إليه بعض أهل السنة المعاصرين الذين أرادوا التقرب من مذهب الهادوية واعتبروه الأقرب إلى أهل السنة، وزعموا أن تكفير الهادي إنما كان للروافض فقط، حيث يؤكد فعلا أن الإمام الهادي قد كفر الإمامية الرافضة ولكنه يساءل هؤلاء: "ما رأيكم في حكم هذا الإمام نفسه فيمن يخالف في أصول الدين كالجبر والتشبيه والقول بالقدر، وهم هؤلاء الذين يسمون أنفسهم أهل السنة، هل حكمه حق على الفريقين"، وبعد أن يورد نصوص الهادي في تكفير أهل السنة يؤكد "وأما رأي الإمام الهادي يحيى بن الحسين في المجبرة والمشبهة وأتباعهم فهو رأيه ورأي سائر العترة الطاهرة عليهم السلام"(3).
لم يكن أئمة الهادوية وحدهم من كفروا مخالفيهم في العقيدة، فكتب العقائد لدى كل الفرق الإسلامية مليئة بتكفير بعضها بعضا، وهو ما يجب أن ينتقد من أي مصدر كان، بيد أن هناك فرقا جوهريا بين التكفير لدى المذهب الهادوي والتكفير لدى الفرق الأخرى وخصوصا أهل السنة والشيعة الاثنى عشرية، فالتكفير لدى هذه الفرق ظل في بطون الكتب، باستثناء ما حاوله بعض الحكام -غير العلماء- استخدامه لتصفية خصم أو أكثر، على خلاف أئمة الهادوية فقد كانوا علماء وحكام، فكفروا ثم استباحوا دم المخالفين -وهو ما لم يقل به غيرهم- ثم نفذوا باعتبارهم أئمة، ويمكن أن نشير إلى بعض مآسي التكفير والاستباحة لدى الأئمة وهي:
1- الإمام عبدالله بن حمزة ومأساة المطرفية
المطرفية فرقة من الزيدية الهادوية، لم تخرج عن المذهب الهادوي قيد أنملة كما يؤكد زيد الوزير كما أنها لم تخرج على الإمام عبدالله بن حمزة (ت: 614ه، 1217م) وإنما اختلفت معه حول قضية خلافيه تتعلق بخلق الأصول والفروع وما أودع الله من تأثير في الطباع.. الخ، وقد كف�'ر الإمام ابن حمزة المطرفية بالإلزام وهو "إلزامهم على ما يقول به ما لا يقولون به" وقد خالف الأئمة من قبله الذين كفروهم فقط، ولكن لم يستبيحوا دماءهم، لكنه بعد أن كفرهم استباح دماءهم وأموالهم وسبى نسائهم وهدم مساجدهم وأحرق كتبهم ومحا كل آثارهم، فهل تقارن هذه المأساة بأي مأساة نالتها الفرق الأخرى على يد المتطرفين من أهل السنة؟ لقد حاول الأستاذ زيد الوزير مقارنة ما حدث للمطرفية على يد الإمام عبدالله بن حمزة، بما حدث للمعتزلة على يد المتوكل العباسي الذي قرب أهل السنة ونكل بخصومهم، فوجد أن الفرق شاسع، حيث يقول: "إن ما أصاب المطرفية كان أشد عنفا وقسوة، فالمتوكل لم يستبح دماء المعتزلة بصورة جماعية، بل صادر كتبها وسجن قادتها ومنع تدريس كتبها وحرم الاجتهاد، وهم قد عادوا بعد حين، ثم منعوا ثم عادوا، أي أنهم لم يتعرضوا للإفناء، بينما قتل المتطرفيون بصفة عامة وقاسية، واختفت كتبهم حتى اليوم..، إذ أن ما حدث لهم ليس فقط منعا لأفكارهم وقتلا لبعض زعمائهم بل إبادة كاملة لهم ولكل من يواليهم، ولقد بلغت حمى القتل حدا مفجعا عندما لفت عاصفتها الهائجة النساء اللاتي سكنَ�' بمحض الصدفة في قرى المطرفية ولسن على اعتقادهم، فاعتبر الحكم بسبي المطرفيات ساري المفعول عليهن بحكم الجوار..." (4). وهو يشير بذلك إلى الفتوى الشهيرة لعبدالله بن حمزة عندما سئل عن حكم المرأة التي تسكن قرى المطرفية، وهي لا تعرف اعتقادهم، هل يجوز سبيها؟ فأجاب: "إن حكمها حكمهم، لأن الظاهر من حال نساء أهل تلك البلاد أنها لا تخالفهم وإن خالفت واحدة، فإنما يكون نادرا ولا حكم للنادر"(5).
2- مأساة أهل السنة في صنعاء
لم تكن المطرفية وحدها ضحية تطرف هذا الإمام فقد قرن المؤرخون مأساة المطرفية بمأساة أهل السنة في صنعاء، الذين سماهم ابن حمزة الجبرية والمشبهة واستباحهم كما استباح المطرفية لأسباب عقدية بحتة، جاء في تاريخ بني الوزير، بعد الحديث عن عدم اكتفاء عبدالله بن حمزة في اعتقاد الكفر دون المحاربة في خصومه "... بل جعل حكمهم –أي المطرفية- حكم "الحربيين"، واستحل دماءهم وأموالهم وخرب ديارهم ومساجدهم، وحكم بأنها مساجد ضرارية، وكذا حكم بذلك على "المجبرة" واستباح نساءهم وسباهم "بالمهجم" وأم ولده سليمان من سبايا المهجم"(6). لقد كان أهل صنعاء سنة، وهم في نظره من المجبرة المشبهة، وزادوا على ذلك أن كانوا تحت حكم الأيوبيين وهم كفار تأويل ومن كان تحت حكمهم فحكمه حكمهم، وهكذا جهز جيشا بقيادة أخيه الأمير يحيى بن حمزة وأباح له صنعاء التي دخلها بالفعل وقتل رجالها "وسبى ستمائة سبية من نساء صنعاء، واقتسموهن في قاع طيسان"(7). وعندما استنكر الناس سبي نساء المسلمين قال عبدالله بن حمزة "أما النساء فنحن الآمرون به" ثم ذهب يؤصل لفعلته الشنيعة فألف كتابا بعنوان "الدرة اليتيمة في أحكام السبا والغنيمة" حيث أكد على شرعية ما قام به وأنه لم يخرج عن ما أفتى به أئمة أهل البيت من قبله، حيث قال "وأما حكايتنا عن القاسم والهادي والناصر بأن دار المجبرة والمشبهة دار حرب فهي من أجلى الحكايات وأوضح الروايات.. ولا يختلفون أن هذا هو رأي الأئمة الثلاثة عليهم السلام في المجبرة القدرية والمشبهة الجبرية، ويغزوهم ليلا ونهارا ويختطفون ذراريهم سرا وجهرا، ويبيعونهم في أسواق المسلمين ظاهرا"(8). إن من يقرأ هذا الكلام يشعر أنه أمام منهج وسلوك قطاع طرق، لا أصحاب رسالة جاءت رحمة للعالمين، ومع ذلك يزعم عبدالله بن حمزة إنما فعله والأئمة الذين ذكرهم، إنما هو تنفيذ لحكم صاحب الرسالة –حاشاه من هذا الظلم- حيث يقول "وقد كفت الإشارة من محمد بن عبدالله عليه السلام، ولا جرم لنا إلا أن�'ا فصلنا ما أجمل وشرحنا ما علل، وقد بينا عذر الأئمة في تبيين أحكام الجير والتشبيه ومن نحا نحوهم من الفرق الكافرة"(9).
3- مأساة الشوافع في جنوب اليمن
نظرا للمكانة التي يحتلها عبدالله بن حمزة لدى أتباع المذهب الهادوي فقد ظل قدوة -سيئة- للأئمة من بعده، فهاهو الإمام المتوكل على الله إسماعيل (ت: 1087ه -1676م) في القرن السابع عشر الميلادي يعتبر أبناء جنوب وشرق اليمن "الشوافع" كفار تأويل خصوصا وقد حكمهم الأتراك –وهم في نظره كفار تأويل أيضا- وقد جعل أرضهم خراجية -كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في أرض خيبر- وهي التي ظلت أرض "عشرية" منذ اعتناق أهل اليمن الإسلام طوعا، حتى مجيء القاسم إليها، وحين اعترض عليه بعض العلماء رد عليهم بالقول "..إن المجبرة والمشبهة كفار... وأنه يدخل في حكمهم من والاهم واعتزى إليهم، ولو كان معتقده يخالف معتقدهم وأن البلد التي تظهر فيها كلمة الكفر بغير جوار كفرية، ولو سكنها من لا يعتقد الكفر، ولا يقول بمقالة أهله، هذه الأصول معلومة عندنا بأدلتها القطعية، ومدونة في كتب أئمتنا وسلفنا، ولا ينكر ذلك عنهم أحد ممن له أدنى بصيرة ومعرفة بمصنفاتهم "الأزهار" وغيره"(10).
ولم يكتف هذا الإمام بتحويل أراضي اليمنيين الشوافع إلى أراضي خراجية، وإنما عمل على نهب أموالهم بطرق أخرى حيث فرض عليهم ضرائب ورسوم بمسميات عدة، فهناك ضريبة على الشخص الذي يصلي "مطلب الصلاة على المصلي" وضريبة التبغ "التنباك"، وضريبة "الربح القرو"، مطلب "الرباح"، أو رسم الرصاص "الطلقة"، ورسم مائدة الأمير "مطلب سفرة الوالي"، ورسم العيدين "جعالة العيد.." (11).
باختصار، لقد كان يرى أنه يكفيهم أنه لم يستحل دماءهم كما فعل ابن حمزة، أما أموالهم فقد استباحها وألف كتابا بعنوان "إرشاد السامع إلى جواز أخذ مال الشوافع".
الكارثة أنه كان يعتبر ما يقوم به إرضاءً لله، ولهذا كان يقول لمن كانوا يأتون إليه شاكين باكين من جور تلك الضرائب ونهب الأموال" إن الله سيؤاخذني فيما أبقيت لكم وليس فيما أخذت منكم"(12) لقد وزع أراضي الجنوب إقطاعيات على أبناءه ومقربيه، وظل الغضب مكتوما لدى أبناء تلك المناطق حتى ضعف حكم الدولة القاسمية فانفصلوا عنه وعن شمال اليمن بالكامل وكان ذلك بداية الانفصال بين شمال اليمن وجنوبه في العصر الحديث، والذي عمقه فيما بعد الاحتلال البريطاني والحكم الإمامي الحميدي "نسبة لآل حميد الدين"!
قد يتساءل البعض، وما علاقة الحوثيين اليوم بهذا التراث؟ أليس من الجائز أنهم ينتقدوه كما فعلت الجماعات الدينية الأخرى بتراثها؟ أتمنى لو كان الأمر كذلك، لكن الواقع –للأسف- يؤكد أنهم يقدسوا هذا التراث لأنه جاء ممن فرض الله إمامتهم وطاعتهم كما تؤكد الوثيقة، وما يزيد المخاوف أن العلا�'مة بدر الدين الحوثي -الأب الروحي لجماعة الحوثيين- والذي كان المؤهل لأي مراجعة أو نقد من أشد علماء الزيدية الهادوية، تمسكا وتزكية ودفاعا عن هذا التراث البائس، وخصوصا تراث الإمام عبدالله بن حمزة، فعندما فتح الأستاذ زيد الوزير ملف مقتل المطرفية في مجلة المسار، وأبدى تعاطفا مع مأساتهم استفز ذلك بدر الدين الحوثي واعتبر –في تعقيبه على مقالة الوزير- أن من أظهر الخلاف في شأن المطرفية في هذا الزمان إنما هم –بحسب قوله- "بعض النواصب ليتوصلوا إلى ذم وتحقير بعض أئمة الهدى، وتبع النواصب واغتر بكلامهم من ليس مثلهم، فرأيت أن تنزيه المطرفية والجزم ببراءتهم يعني الطعن في الإمام عبدالله بن حمزة عليه السلام وإلحاقهم له بأهل التعصب المذهبي، ومن عرف الحقيقة عرف براءته من ذلك..." (13). ولم يقدم الحوثي شيئا ذا قيمة علمية في الدفاع عن عبدالله بن حمزة سوى أنه من أئمة الهدى وآل البيت، فما يفعله هو الصواب حتى لو قتل الرجال وسبى النساء وهدم المساجد، وبيوت مؤمنين أطهار لم يخرجوا عن مذهبه، فضلا عن الإسلام! وقد مارس الحوثي –كعادة الأئمة المتعصبين- الإرهاب الفكري على كل باحث عن الحقيقة، إذ لا يبرئ الضحية إلا ناصبي خصوصا إذا كان سنيا وغير هاشمي، أما إذا كان هاشميا وزيديا –كزيد الوزير- فهو من المغرر بهم، لقد رد زيد الوزير بدراسة تفصيلية أكد فيها أن ما نقله خصوما المطرفية عنها ليس فيه مجال لتكفيرهم، وإنما كفروهم –كما صرحوا بذلك- بالإلزام، والذي يشبه كما قال زيد الوزير بحق منطق فحاكم التفتيش الأسبانية، أي إلزام الناس بالاعتراف بما يريد القاضي من أجل إدانة المتهم" وحاول زيد الوزير البحث عن أقوال بعض الأئمة الذين رفضوا التكفير بالإلزام، لكن العلا�'مة بدر الدين الحوثي يرفض اجتهادات الوزير وغيره ما دامت ستخطئ إمام الهدى عبدالله بن حمزة! لقد ذهب –في تعقيب آخر- للدفاع عن المبدأ التكفيري الخطير: التكفير بالإلزام، بل وضرب مثلا على ذلك ببعض عقائد أهل السنة الذين يسميهم المشبهة، حيث قال ما نصه "أما التكفير باللازم فينبغي فهم معناه أولا، ومعرفة اختلافه في الحكم، وذلك أن القائل مثلا بالتشبيه، وهو يشهد أن لا إله إلا الله يلزمه أن يعبد ويوحد غير الله، لاعتقاده أن الله هو ذو صورة طويل عريض ذو يدين ورجلين وأعضاء كأعضاء الحيوان، فهو يعتقد أن صاحب الصورة المذكورة هو الله، ولذلك فهو يعبد غيره، واللزوم في هذا واضح، وإن كان يجهله ويعتقد أنه يعبد الله فتكفيره غير بعيد"(14).
وإذا كان هذا هو موقف العلامة الحجة بقية البقية.. الخ ما يصفونه به، فهل نتوقع موقفا مخالفا تجديدياً من ابنه عبدالملك الذي لا يستحق أن يطلق عليه وصف التلميذ الناجح بله الأستاذية؟
أمام ضخامة التراث التكفيري للهادوية يتعجب المرء من إصرار بعض علماء ومثقفي أهل السنة على نسب ما ورد في ملازم حسين الحوثي من تكفير إلى الرافضة الاثنى عشرية، لقد بحث الحوثيون -ولا زالوا- عن دعم مادي ومعنوي من "الرافضة الاثنى عشرية" لكنهم لم يكونوا بحاجة إلى دعم "تكفيري"، لأن لديهم مخزون استراتيجي ورثوه كابرا عن كابر يكفي لتكفير الأمة كلها إلى يوم الدين!! ويزداد العجب –والعتب، عندما نجد هؤلاء ينقلون بحفاوة بالغة تكفير الإمام الهادي –والأئمة من بعده- للرافضة الاثنا عشرية، ويترضون على الهادي ويترحمون عليه عندما يذكرون حديثه الذي يزعم روايته عن أبيه عن جده عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا علي إنه سيخرج قوم في آخر الزمان يقال لهم الرافضة فإن أدركتهم فاقتلهم فإنهم مشركون فهم لعمري شر الخلق والخليقة"!! لو كان من فرحَ وأثنى على هذا الحديث وذك�'ر به علماء الزيدية، صحفيين أو حتى طلاب علم مبتدئين، لعذرناهم لكن أن يأتي من علماء كبار وخريجي مدرسة الحديث وتتلمذوا على يد محدث اليمني الشيخ مقبل الوادعي؟ فهذا ما يجعل موقفهم انتهازي بطريقة مكشوفة لأنهم يعلمون قبل غيرهم أن الحديث الذي استند إليه الهادي لا يساوي -في ميزان النقد الحديثي لأهل السنة– المداد الذي كتب به!!
فالحديث ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" وابن عراق في "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة والموضوعة" والسيوطي في "اللآلئ" والشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" وغير هؤلاء كثير، لقد كنت أتمنى على هؤلاء العلماء أن لا تطغى عليهم عاطفة الكره والخصومة للشيعة الاثنى عشرية، وأن يلتزموا معهم الإنصاف، ويكون لهم في ابن تيمية قدوة، فقد جادلهم واختلف معهم وردوه للاثنى عشرية معروفة، لكنه مع ذلك لم يكفرهم ولم يلجأ إلى تصحيح أحاديث موضوعة في ذمهم وإنما قال "لا يصح في تكفير الرافضة حديث".
قد يرد هؤلاء إنما أرادوا تذكير علماء الزيدية بما يؤمنون به، لكن فاتهم أن علماء الزيدية –لا يؤمنون ببعض أحاديث وأحكام الهادي ويكفرون ببعض- كما هو شأن بعض علماء السنة المعتدلين!! وإنما يؤمنون بها جميعا، والهادي يك�'فر أهل السنة كما يكفر الرافضة وهذا ما رد به العلامة أحمد بن لطف الديلمي على الشيخ محمد المهدي والأستاذ محمد الخضر اللذان استدلا بالحديث في كتابٍ لهما(15). فبعد أن أورد استدلالهما بأقوال الهادي في تكفير الرافضة قال: "... على أن إمام أئمة الهدى الميمون، الهادي عليه السلام ومن قبله ومن بعده من أئمة الهدى وسفينة النجاة كما يكفرون الرافضة كما نقل عنهم، فهم يحكمون على من نسب قبايحه وفضايحه إلى الله، وقال "هي من فعل الله" يحكمون عليهم بأنهم مجوس هذه الأمة، لما صح عن جدهم عليه وعليهم الصلاة والسلام "القدرية مجوس هذه الأمة".. كما أن الأئمة الهداة صلوات الله عليهم يسمون المجسمة "الذين جوزوا حلوله في مكان أو كونه على العرش أو الكرسي" أو المشبهة "الذين يجوزون رؤيته عز وجل" بأنهم كفار تأويل، حتى أن الهادي إلى الحق عليه السلام حرم أكل ذبائحهم ومنع من دخولهم في آية الظهار، لأن نصها "الذين يظاهرون منكم".. (المجادلة: 2)، فهل حكم هؤلاء الأئمة جائز على الرافضة وعلى غيرهم –وهو حكم حق في الجميع- أم أنهم أصابوا في حكمهم على خصمكم وأخطئوا في الحكم عليكم؟" ويؤكد المؤلف بل ويجزم "أن حكم الهادي وغيره من الأئمة على الجميع هو "موافق لحكم جدهم عليه وعليهم صلاة الله وسلامه"(16).
لقد رفض الديلمي، منطق المعتدلين الذين فقط أبدو رضاهم وإيمانهم بتكفير الهادي للاثنى عشرية، وسكتوا بل وأنكروا أن يكون للهادي حكم وتكفير لأهل السنة! ولكن ماذا عن من يرفض تكفير الهادي للطرفين، وهو الموقف الذي سلكه الشيخ مقبل الوادعي رغم رفضه وكراهيته للرافضة، لكن وفاءه لمنهجه الحديثي جعله يرفض حديث الهادي في تكفير الاثنى عشرية؟ لقد استفز ذلك المؤلف وبتعصب سلالي مقيت أثنى على كل ما طرحه الهادي واعتبره حكم الله ورسوله ثم قال "ولذلك فقد وقع من بعض أهل الزيغ –وفي الهامش قال: المقصود مقبل الوادعي- المجاهرة ببغض الهادي إلى الحق عليه السلام، وهم بإخراجه من قبره.. ولا شك أنه يصدق عليه ما قيل في باغض يحيى بن عبدالله عليه السلام:
أفرغ الملعون في
آل رسول الله حقده
وغدا يشتم يحيى
في كتاب قد أعدَ�'ه
فهو لا يشتم يحيى
إنما يشتم جده!
وقد عجل الله أخذه بعبره، ورجع أكثر تابعيه إلى الحق على أنه منحدر من فصيلة محبة لآل بيت النبوة، بل من لواء محب، وهو لواء صعدة، لكنه تأثر بالأفكار النجدية واستمالته عطاياهم كغيره"(17). أ.ه كلامه، فتأمل أخي القارئ هذا التعصب السلالي والمذهبي المقيت من رجل من كبار علماء الزيدية وأثنى على كتابة علماء آخرين كبار كالمنصور والمؤيد والكبسي، إنه يؤكد تكفير الهادي لأهل السنة القدامى والمعاصرين، ألا تراه يخاطب المهدي والكبسي، ويريد من أهل السنة أن يقبلوا تكفيرهم ويؤمنوا به؟ فإذا تجاهلوه أو سكتوا عنه أو نفوه كالمهدي وغيره فهم ممن يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، أما إذا تجرأوا ونقدوه كمقبل الوادعي فهم ملعونين وليسوا أعداء الهادي وإنما أعداء جده. فإذا كان هذا هو موقف الراسخين في العلم فيا ترى ماذا سيكون موقف عبدالملك الحوثي الذي لا يستحق صفة الطالب المجتهد دعك من الأستاذية والاجتهاد".
إن ما يجري من قتال عنيف للحوثيين في دماج وحجة ليس ببعيد عن هذا الشحن العقائدي التكفيري، للمشبهة والمجبرة والقدرية الذين هم شر من المجوس، والذين يقولون صراحة أن المقصود بهم أهل السنة!! وتزداد المأساة والخوف من المستقبل الذي توجته وثيقة الحوثيين عندما يجعلون الإيمان بإمامة هؤلاء التكفيريين والطغاة، جزء من العقيدة وأصول الدين مثله مثل الإيمان بالله عز وجل، وهذا سيكون موضوع مقالنا القادم إن شاء الله.
------
الهوامش
(1) انظر: المجموعة الفاخرة للإمام الهادي يحيى بن الحسين، تحقيق علي أحمد الرازحي، ص57.
(2) المرجع السابق، ص289.
(3) العلامة أحمد لطف الديلمي "كشف النقاب عن مذهب قرناء الكتاب، الطبعة الأولى 2010م، ص 50، 52.
(4) زيد الوزير.. "حوار عن المطرفية الفكر والمأساة"، كتاب المسار (2)، إصدار مركز التراث والبحوث اليمني، الطبعة الأولى 2002م، ص7-8.
(5) انظر نص الفتوى في: المجموع المنصوري، تحقيق عبدالسلام الوجيه، إصدار مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية، الأردن، ج2، ص196.
(6) زيد الوزير، مرجع سابق، ص172، نقلا عن كتاب "تاريخ بني الوزير".
(7) انظر إسماعيل الأكوع في ترجمة "عبدالله بن حمزة" في "هجر العلم ومعاقله" ج3، ص1211.
(8) مجموع رسائل الإمام عبدالله بن حمزة ص107-108.
(9) نفس المرجع.
(10) انظر، يحيى بن الحسين القاسم "بهجة الزمن في تاريخ حوادث اليمن" تحقيق أمة الغفور عبدالرحمن الأمير، ج1، ص289-290.
(11) انظر: سلوى سعد سليمان الغالبي "الإمام المتوكل على الله إسماعيل القاسم" الطبعة الأولى 1991م، ص166.
(12) انظر: عبدالإله بن علي الوزير "طبق الحلوى وصحائف المن والسلوى"، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء 1986م، ص325.
(13) انظر مقالة العلامة بدر الدين الحوثي في كتاب "حوار عن المطرفية.." مرجع سابق، ص25.
(14) المرجع السابق، ص210-211.
(15) هو كتاب "نظرة الإمامية الاثنى عشرية إلى الزيدية بين حقيقة الأمس وتقية اليوم" لمؤلفه محمد الخضر، وقدم له الشيخ محمد المهدي، مقدمة طويلة استغرقت 40 صفحة.
(16) العلامة أحمد بن لطف الديلمي في كتابه "الزيدية بين محب غال ومبغض فال" ص 30-60، والكتاب رد على الكتاب السابق للخضر والمهدي.
(17) المرجع السابق، ص37.
* للاطلاع على الجزء الأول من القراءة النقدية يمكنك الضغط هنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.