طرفة قديمة: يقال إن جورج بوش عندما كان رئيساً اجتمع مع توني بلير وخرجا للإدلاء بتصريح للصحافيين، فقال بوش: «قررنا أن نقتل 20 مليون مسلم وطبيب أسنان»، فصمت الجميع وسط ذهول بالغ، وسأله أحدهم: ولماذا طبيب الأسنان؟ فابتسم بوش ومال على بلير وهو يهمس له: «ألم أقل لك إن أحداً لن يهتم ب20 مليون مسلم»!
حتى أمس كانت تلك دعابة ربما انطبقت على بعض المواقف في الغرب، لكن إيران أعادتها إلى ذاكرتي بعد أن حوّلتها إلى حقيقة، فما إن أعلنت الداخلية السعودية عن تنفيذ حكم القصاص في حق 47 من الفئة الضالة، حتى تناسوا 46 وتفرغوا فقط للحديث عن نمر النمر، على رغم أن هناك كثيرين ممن نفذت فيهم تلك العقوبة يفوقون النمر علماً ومعرفة على غرار فارس آل شويل، فهل يا ترى أعدم المنظر الشرعي لتنظيم القاعدة لأنه سني؟
لنترك آل شويل قليلاً ونطرح السؤال بصيغة أخرى، هل أعدم نمر النمر لأنه شيعي؟
من السذاجة والتضليل القول بمثل ذلك، لكنهم سيعزفون على هذا الوتر كثيراً، وسيسعون بكل السبل لإلصاق هذه التهمة بالعدالة التي تم تطبيقها لتشويهها، فعلى أرض الواقع تم تنفيذ محاكمات معلنة، وحضرها ذوو المتهمين، وترافع فيها محامون، وحضرها الإعلام، ولم تتضمن من قريب أو بعيد أية إشارة إلى أنها محاكمة مذاهب، بل كانت هناك لائحة اتهامات وأدلة كافية لإدانة المتهمين، وهذا ما يجعلنا نشعر بالارتياح إلى أن الأحكام التي صدرت ونفذت عقوبتها كانت مستنبطة من الشريعة التي تقوم عليها البلاد، وإذا كان هناك من يتهم تنفيذ العقوبة بالمذهبية، إذاً فبماذا نفسر إعدام البقية وهم من السنة؟
لنمعن النظر قليلاً فيمن يصرخ منذ تنفيذ العقوبة يا ترى هل هي إيران الطائفية داعمة الإرهاب في العراق وسورية ولبنان واليمن، والتي تدعم أكثر من 250 فصيلاً إرهابياً شيعياً بجانب القاعدة، وخرجت بلا استحياء عن كل عرف دبلوماسي وأخلاقي في اعتداء سافر بتهديدها الرياض عبر خارجيتها بأنها ستدفع ثمن إعدام النمر، أم حزب الله، الأداة الإيرانية للأدوار القذرة، أم تلك الفصائل الشيعية المتطرفة المنتشرة في لبنان وسورية والعراق، أم تنظيم القاعدة الذي يتلقى صفعة تلو الأخرى على أيدي رجال الأمن الأوفياء، أم الحوثيون الذين يعملون قتلاً وتنكيلاً بأشقائهم تنفيذاً لأطماع فارسية وتمت إعادتهم إلى الجحور! أم الإعلام الغربي الذي ركب الموجة فيما هو يغض النظر عن أكثر من 300 ألف سوري قتلهم النظام والجماعات الإرهابية المدعومة من طهران؟
حسناً لندع المتباكين على القتلة والمجرمين قليلاً، ولنتحدث عن الجانب الأكثر أهمية وهو أن القصاص كان مطلباً شعبياً، فما عاناه المواطن والمقيم من العمليات الإرهابية لم يكن ليمر هكذا من دون عقاب، كان لا بد أن يكون للوطن كلمته، وبالفعل استيقظ المواطنون وذوو الضحايا، الذين قتلتهم يد الغدر والإرهاب بالأمس على تنفيذ العقوبة، حتى وإن طال وقتها بالنسبة إلى البعض.
ومع إيماننا بأنه لا أحد يتمنى الموت لأحد، لاسيما أن من نفذت فيهم الأحكام كانوا يعيشون بيننا، بعضهم إخوة وبعضهم أبناء عم أبوا إلا أن يطعنوا الوطن وأمنه، لكن ما ذنب تلك الصغيرة التي قتلت وهي تلعب في حديقة منزلها، سوى أنها كانت بالقرب من أحد الأهداف التي ضربها الإرهاب؟ وما ذنب طفلة أخرى تعيش بلا أب يحتضنها بعد عودته من العمل ويشتري لها ثوب العيد أو لعبة تلهو بها، بعد أن استشهد على يد قتلة مجرمين؟ وما ذنب امرأة استيقظت صباحاً على خبر استشهاد زوجها، بينما كان في طريقه إلى عمله بعد إصابته في تفجير إرهابي؟ وأخيراً ما ذنب هذا الوطن الذي أنجب وربى وأعطى، ليطعنه أبناؤه ويسعوا إلى قتله؟ هناك قصص كثيرة، لكنها باتت اليوم من الماضي، بعدما تمكّن أهلها من التعايش معها، نجح الوطن في الاقتصاص لهم من الجناة.
ما يهمنا اليوم هو أن السعودية قالت كلمتها، وواصلت رسالتها في مكافحة الإرهاب، وأكدت أنها قادرة على التصدي لأوجهه كافة، ولعل هذا ما استفز إيران ومن في ركبها ممن توقعوا أن تهديداتهم ستثني المملكة عن تنفيذ الحكم العادل بحق من سعى للتخريب، توقعوا أن ترضخ السعودية لابتزازهم وتنفيذ رغباتهم المشوهة، لكن لا بد للحق أن يعود لأهله، هكذا هي السعودية، والأكيد أن تنفيذ تلك الأحكام لم يكن نكاية بأحد، لا طهران ولا سواها، مثلما يحاولون الترويج، والأمر الأكثر أهمية أنه لم يستهدف طائفة دون أخرى، فأمام الوطن السنة والشيعة سواء، تسقط جميع التفاصيل وتتحول أشلاء، ويبقى أمنه واستقراره خطاً أحمر، فوطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه.