مع كل عام يمر، تبدو صورة الحرب الدائرة في أفغانستان أكثر قتامة بالنسبة للأميركيين، فما بدأه الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش باجتياح قوات بلاده أفغانستان عام 2001 تحول إلي أطول حرب دخلتها الولاياتالمتحدة في تاريخها، وتجاوزت مدتها حتي حرب فيتنام، وأصبح هذا هو الصراع العسكري الأكثر مرارة في تاريخ البلاد. وقال مايك برايسنر المنسق الوطني لحركة "متحدون من أجل السلام والعدالة" المناهضة للحرب في تصريح ل "بي بي سي "إن الصورة تبدو واضحة بالنسبة لكثير من الأمريكيين بأن بلادهم تواجه "هزيمة عسكرية" في أفغانستان، تماما كما كان الحال في العراق على حد قوله. ويرى برايسنر أن “المشكلة تتمثل في أن قادة البلاد لا يريدون الاعتراف بذلك، ولا تحمل المسؤولية عن تلك الهزيمة". و يضيف "لم نعد نعلم ما الغرض من هذه الحرب الآن، الغالبية العظمي من الأمريكيين لا يريدون استمرار الحرب أكثر من ذلك". معارضة متزايدة
وقد أظهر أحدث استطلاع للرأي العام أجرته جامعة "كوينيبياك" الأمريكية في يوليو/تموز الماضي أن 72 في المئة من الأمريكيين يعارضون الحرب في أفغانستان، ما يشير إلى زيادة نسبة المعارضين بنحو 21 في المئة عما كانت عليه إبان تولي الرئيس الأمريكي باراك أوباما منصبه عام 2008. كما أظهر الاستطلاع أن 62 في المئة من الأمريكيين لا يرون انتصارا يلوح في الأفق في هذه الحرب. يتبنى ريتشارد ويتز ، كبير الباحثين، مدير مركز الأبحاث السياسية والعسكرية في مركز هدسون للدراسات في واشنطن، وجهة نظر مختلفة عن برايسنر في وصف الوضع في أفغانستان وأن الولاياتالمتحدة تواجه هزيمة هناك. يقول ويتز ل "بي بي سي إن "الأوضاع في أفغانستان أفضل مما كانت عليه في 2001 علي المستويين الأمني والاقتصادي". لكن ويتز يقر في الوقت نفسه بأن مسلحي حركة طالبان لا يزال لهم تواجد كبير على الأرض رغم كل هذه السنوات، وأن لديهم القدرة على اختراق الأجهزة الحكومية وأجهزة الأمن الأفغانية. يذكر أن القوات الأمريكية قد اجتاحت أفغانستان في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2001 بعد حوالي شهر من هجمات 11 سبتمبر/أيلول علي الولاياتالمتحدة. وكان هدف العملية العسكرية "الحرية الدائمة" للقوات الدولية بقيادة الجيش الأمريكي حينها هو البحث عن زعيم تنظيم القاعدة آنذاك أسامة بن لادن، وإسقاط نظام طالبان في أفغانستان. "ثمن باهظ"
تنظم الجماعات المناهضة للحرب، كتلك التي ينتمي إليها برايسنر، عددا كبيرا من التجمعات والاحتجاجات السلمية هذا العام في أكثر من 10 ولايات أمريكية بمناسبة ذكرى بدء الحرب وللمطالبة بإنهائها وعودة الجنود الأمريكيين إلي بلادهم. ويهدف منظمو الاحتجاجات أيضا إلي توعية الشعب الأمريكي "بالثمن الباهظ" الذي يدفعونه في هذه الحرب، على حد وصف برايسنر. ويؤكد برايسنر، وهو نفسه أحد المحاربين القدامي، إنه حتي في صفوف الجيش الأمريكي هناك الكثيرون ممن يريدون إنهاء الحرب. وتحل الذكري الحادية عشرة للحرب مع تجاوز عدد قتلي الجيش الأمريكي في أفغانستان ألفي جندي منذ دخول القوات إلي الأراضي الأفغانية عام 2001 ، وفقا لبيانات وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون). ووفقا للأرقام الصادرة عن البنتاغون أيضا فإن نفقات الحرب في أفغانستان قد تجاوزت حاجز 1.1 تريليون دولار أمريكي منذ عام 2001. وتنشر الولاياتالمتحدة منذ بداية الحرب في أفغانستان أكبر كتيبة داخل قوة حلف شمال الأطلسي "ناتو"، ويبلغ عدد قواتها هناك حاليا 68 ألف جندي. ومن المقرر سحب القوات الأمريكية من أفغانستان كافة بحلول نهاية عام 2014 ، على أن يبقي نحو 20 ألف جندي بعد ذلك بهدف المساعدة في تدريب قوات الأمن الآفغانية. لكن برايسنر ورفاقه لا يرون في هذه الخطة أملا كبيرا. يقول الناشط الأمريكي إن “كل ما يقال عن الانسحاب التدريجي يعنى فقط أنه لا يزال أمامنا سنوات وسنوات في هذه الحرب. وبالنسبة للمسئولين، لا يهم كثيرا حقيقة أن الآلاف من جنودنا يموتون، ولا يهم أن الآلاف من الأفغان والنساء والأطفال أيضا يموتون جراء تلك الحرب". ووفقا لاحصائيات الأممالمتحدة، فإن أكثر من ثلاثة عشر ألف مدني أفغاني لقوا حتفهم في هذه الحرب منذ عام 2007 فقط، وهو العام الذي بدأت فيه المنظمة الدولية إحصاء عدد القتلي من الأفغان. ميزان الانتخابات
لكن ما يجعل مهمة برايسنر وغيره من مناهضي الحرب عسيرة هذه الأيام هو أنه لا يبدو للحرب في أفغانستان أي ثقل حقيقي في ميزان الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ففي المعركة الانتخابية المستعرة بين الرئيس باراك أوباما الذي يسعي للفوز بفترة ثانية ومنافسه الجمهوري ميت رومني ، لا تعتبر الحرب من الأمور التي تحتدم عليها المنافسة بين الغريمين. ويتز، الباحث السياسي، لديه تفسير لذلك وهو أن رؤية كلا المرشحين للحرب قد لا تختلف كثيرا. واستغل الرئيس الأمريكي ذكري هجمات سبتمبر/أيلول ليجدد وعده بسحب تدريجي للقوات الأمريكية من أفغانستان وبانهاء الحرب هناك "بطريقة مسؤولة". وسعي أوباما لاستمالة الناخبين الأمريكيين بقوله إن الحرب في أفغانستان ستنتهي في عهده كما انتهت في عهده الحرب في العراق. وحسب رأي ويتز ، فإما أن المرشح الجمهوري رومني لم يحسم أمر سياسته إزاء الحرب بعد أو أن تلك السياسة لا تختلف كثيرا عما أعلنه أوباما بالفعل. ويرى ويتز أن كل ما يستطيع أن يقوله رومني ليختلف فيه عن أوباما هو ضرورة الإسراع في سحب القوات من أفغانستان، و"لكن لا أعتقد أن رومني قد يطرح أمرا كهذا". ويتفق برايسنر مع ويتز في هذه النقطة، حيث يرى أيضا أنه لا يوجد اختلاف فيما بين المرشحين لسدة الحكم على مسار الحرب. ويقول "يبدو أن الحرب هي الشيء الوحيد الذي اتفقا عليه".