"حكومة زَلْحَه" مثل شعبي ليبي قديم يردده الجدود والجدات مراراً، كناية عن عدم رضائهم على حكومة معينة. لا نعرف زلحه هذه أو هذا، أي بالأحرى لا نعرف ما إذا كانت مؤنثا أم مذكرا! لقد ضاع منّا هذا التراث الشفهي على هذا النمط. نردد المفردات، ولكننا لا نعي ما مفهومها التفصيلي! لا أحد سأل: من هو أو هي زلحه؟ لكن العبارة تعني الاستهزاء والازدراء في التراث الشعبي الليبي. وعلى الرغم من ذلك المعنى الساخر الذي يعبّر عنه المثل، ونظراً لأن من يعيش طويلا يرى كثيرا، فقد كتب الله لي طول العمر، حتى أؤكد المثل العربي “ليس من رأى كمن سمع”، أؤكده بأنني رأيت رأي العين، وفوق هذا سمعت بأذني اللتين سيأكلهما «الدود والتراب» وهذا أيضا وفق رأي الجدات، ومن ضمن «أقوالهن». لقد رأيت «حكومة زلحه» هذه، بأم عيني، وأنا أتابع على شاشة التلفزيون رئيس وزراء ليبيا الجديد/القديم الدكتور مصطفى أبوشاقور يتلو على أعضاء المؤتمر الوطني العام أسماء وزراء حكومته، التي كُلف من المؤتمر تشكيلها. تشكيلة الحكومة الليبية الجديدة ضمت خمسة وزراء من الحكومة السابقة، التي ترأسها الدكتور عبد الرحيم الكيب، والتي من وجهة نظري أرى أنها تمثل أفشل حكومة في تاريخ ليبيا السياسي منذ الاستقلال في عام 1951، كما ضمت أربعة وكلاء وزارات سابقين تحولوا إلى وزراء، إضافة إلى رئيس الوزراء أبوشاقور نفسه الذي كان النائب الأول للدكتور الكيب، والحرمين محمد الحرمين النائب الثالث للكيب. معايير بوشاقورية عقب انتهاء الدكتور أبوشاقور من تسمية وزارته، تبين للمراقبين أن الحكومة الجديدة بتركيبتها الغريبة لن ترى الحياة مطلقا، وأنها ولدت مسخا ميتا. إذ لا أحد يعرف ما المعايير التي اختار على أساسها أبوشاقور أعضاء فريقه الوزاري، ذلك أن معظمهم يعدون من المجهولين، وخير مثال على ذلك تسمية شخص يدعى الهادي أبوالقاسم الغرياني ليكون وزيرا للثقافة، وهو امرؤ غير معروف في الوسط الثقافي الليبي، ومن يرى هيأته يظن أنه قادم للتو من قندهار! وهذا ليس انتقادا للوزير نفسه، بقدر ما هو انتقاد لهيئته. فلكل بلد تقاليده. ولكل وطن أعرافه! في حديث مع كاتب ليبي في طرابلس قال لي «لو عيّن السيد أبوشاقور المُلاّ عمر رئيس حركة طالبان وزيرا للثقافة، لكان أفضل مما فعل، لأن المُلاّ عمر، على الأقل، معروف لنا». أعضاء حركة تحالف القوى الوطنية انسحبوا من جلسة المؤتمر، عقب انتهاء أبوشاقور من تسمية فريقه الوزاري احتجاجا على هذه الاختيارات غير الموفقة، وغير المسؤولة. ليبيا ليست في وئام، وكان على أبو شاقور أن يقرأ الإرث القبلي ببصرياته التي أفلح فيها، ولكنها خانته في قراءة الواقع الليبي. إنه خطأ ذريع. وأعتقد شخصيا أنهم محقون في موقفهم. محمود جبريل إن الحكومة الجديدة لا تحمل أي برنامج سياسي، ومؤلفة على أساس التحاصص الجهوي، هكذا قيل. ثم علمنا فيما بعد من وسائل التواصل الاجتماعي أن المؤتمر – إذا كانت المعلومة صحيحة – عبر عن استيائه من التشكيلة الوزارية، لأنها ببساطة، ووفق آراء أعضائه، لا تمثل الجهات والمناطق الليبية، والتي يحتم الظرف الراهن تمثيلها وعدم تجاهلها، تهدئة للخواطر ودرءا للفتنة. كما انهم اعترضوا على وجود وزراء من حكومة الكيب فيها، وطالبوا بإقصاء ثلاثة عشر وزيرا، وقد قبل الدكتور أبوشاقور باعتراضات أعضاء المؤتمر الوطني العام، ووعد بإحداث تغييرات في التشكيلة، آخذا في الاعتبار اعتراضات الأعضاء. وفي حالة قيام السيد أبوشاقور بالمهمة من جديد، وعدم موافقة أعضاء المؤتمر العام عليها، يحق لإعضاء المؤتمر سحب تفويضهم له بتشكيل الوزارة وتفويض غيره. بساطة أم سذاجة! والحقيقة التي لابد من مواجهتها والتعامل معها، إن أمكن، بروح رياضية، هي أن أبوشاقور رجل أكاديمي بامتياز وحقق نجاحاً كبيراً في أبحاثه في مجال (تكنولوجيا التقنية المتناهية الصغر – تكنولوجيا النونو- والحواس الضوئية والحوسبة ومعالجة الاشارات الضوئية والاتصالات والألياف البصرية والاستشعار الضوئي).. إلى آخر التسميات العلمية لكن كل المؤهلات السابقة الذكر وخبرته في المجال العلمي، لا تساوي نقيراً في عالم السياسة، ذلك أن تشكيلة الحكومة التي عرضها على المؤتمر الوطني العام وعلى الشعب الليبي اثبتت «بساطته» وقصر يده سياسيا وافتقاده لحنكة السياسيين ودهائهم وخبرتهم بواقعهم والتعامل معه، إذ لو أنه امتلك قدراً من الفهم للمنطق السياسي لما تورط في تسمية خمسة وزراء من حكومة تميزت بفشلها الذريع، ولم تتمكن من بناء طوبة واحدة في بلاد دمرتها حرب مهلكة، وأضاعت هباء أكبر ميزانية عرفتها ليبيا في تاريخها خلال سنة واحدة (68 مليار دينار ليبي). أين ذهب هذا المال؟ هل أهدر؟ لقد قامت الانتفاضة من أجل هذا.. فكيف سال المال الليبي إلى هذا الحد، وإلى أين ذهب؟ أسئلة لا بد من الإجابة عنها، وإلا فإن دم الضحايا قد ذهب هباء. لا بد من محاسبة الحكومة المؤقتة لكي تتضح الأمور، حتى يحس الناس بأن تغييرا جوهريا حصل في ليبيا. فكل ما لاحظه الليبيون أن هناك حرصا متكلفا على ارتداء ربطات عنق لمّاعة، ولحى محففة، يقابلها بهوت ورداءة في الانتاج، ودعة ولامبالاة، وكأن (الجماعة) سياح لا يخصهم البلد من قريب أو من بعيد. كيف تلبس بدلة في غبار معركة مازالت متقدة؟ لكأن الجماعة يعالجون قضية البلد سبهللا! إن الحكومة التي كانت مؤقتة في ليبيا، وكان على قل جبهتها، ولا تقل رأسها أبو شاقور- كانت كسائح أجنبي ينظر من شرفة حجرته.. إنه لا يعلم ما يجري في البلد، لكنه يتلذذ بالمناظر سواء أكانت خلابة أم تعيسة! إنها مأساة أن تكون حكومة في بلدها.. سائحا أجنبيا! ليبيا في حاجة لرجال لا ينامون الليل، يراقبون عن كثب العمليات الأمنية، يتصلون ببوابات حدودها يراقبون مداخلها وبواباتها وموانئها البحرية والجوية. حكومة كفاءات.. ماذا؟ دعونا في أمر التشكيلة. في اليوم التالي لرفض التشكيلة الوزارية كتب السيد أبوشاقور في موقعه على شبكة تويتر معلقا إن احتجاج أعضاء المؤتمر الوطني العام على تشكيلة الوزارة راجع لكونها: «لم يكن بها أعضاء من بعض المدن والقرى، فلا يريدون حكومة كفاءات، ولكن يريدون حكومة محاصصة»!!، ولكم تمنيت أن يقول الدكتور أبوشاقور مَن مِن الاسماء التي ضمتها تشكيلته الوزارية ينطبق عليه وصف «الكفاءات»؟ هل يا ترى يقصد صهره الدكتور نعيم الغرياني وزير التعليم العالي؟ أم عديله الدكتور فيصل الكريكشي الذي عيّنه وزيرا للصحة أم غيرهم من الأسماء؟. الدكتور مصطفى أبوشاقور وصل إلى منصب رئيس الوزراء المنتخب نتيجة للمناورات التي تمت في أروقة المؤتمر الوطني العام، حيث سعى الاسلاميون بمختلف توجهاتهم إلى حرمان الدكتور محمود جبريل رئيس حركة تحالف القوى الوطنية من الوصول إلى منصب رئيس الوزراء، وحيث يقال إنه في سبيل الحصول على أصوات الأعضاء المستقلين، كان الدكتور أبوشاقور سخيا جدا في وعوده لهم. يا للخسارة: أول حكومة ليبية حقيقية تستحق بجدارة أن يطلق عليها وصف «حكومة زلحه» ولدت مسخا ميتاً ولم تكتب لها الحياة ولو لدقائق!! *جمعة بوكليب