بعد النجاح الباهر والمنقطع النظير الذي حققته المقاومة الجنوبية مسنودة بقوات التحالف العربي هل سيفلح التحالف في تحرير مدن الشمال واستعادتها من مليشيات صالح والحوثي علماً بأن المدة الزمنية التي تحرر فيها الجنوب تعد قصيرة وخاطفة اذا ما قورنت بالمدة التي ترابط فيها قوات الشرعية والتحالف على تخوم مأرب والجوف ولم تتحرر محافظة شمالية واحدة حتى الان . والسبب في تقديري يعود الى البنية الاجتماعية والنزعة العصبوية والطائفية الجاثمة على عقلية الغالبية العظمى في مجتمع الشمال بالاضافة الى تجذر الفلسفة البراجماتية والاستبدادية المسيطرة على العقلية الجمعية في الشمال . فإذا ما توقفنا قليلاً عند هذه النزعة العصبية لوجدناها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار مبنية على مبدأ (انا واخي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب) . حيث ان شيخ القبيلة يهيمن على كل تفاصيل الحياة عند افراد قبيلته فهو الحاكم بأمره وهو القاضي والامين الشرعي وهو السجن والسجان ومن بيده مقاليد كل شيء من الغرّامة حتى قن الدجاج ومن سجن الحاكم الى عشور الزرع والضرع . وبالرغم من طغيان المدنية في هذا العصر خصوصاً في المدن حيث تتوافر وسائل المعرفة والتقنية الا أن العقلية هي نفسها العقلية المؤسسة على مبدأ ( من لا يظلم الناس يظلم ) . كما ان نظرية الخنوع والخضوع التي استقرت في اذهان عامة الناس صوّرت الحاكم وشيخ القبيلة غولاً ووحشاً ذا أنيابٍ حداد ينبغي الاذعان والانصياع له وهذا ما ذكرني بأبيات للشاعر الجاهلي عبيد ابن الأبرص الأسدي في احدى اعتذارياته للديكتاتور المستبد حُجر ابن الحارث الكندي الذي أذل بني أسد وسامهم صنوف العذاب حتى أنه لم يقتل اسراهم بالسيف وانما انهال عليهم ضرباً بالعصا حتى ماتوا وقيل فيهم ( عبيد العصا) يقول عبيد ابن الابرص : ومنعتهم نجداً فقد حلّوا على وجلٍ تهامة إما تركتَ تركتَ عفواً أو قتلت فلا ملامة أنت الملك فوقهم وهم العبيد الى القيامة ذلّوا لسوطك مثلما ذلّ الأشيفر ذو الخزامة . ان هذه القصة وغيرها الكثير من القصص التي تزخر بها كتب التراث العربي التي تجسد العلاقة بين الحاكم المستبد والمحكوم الخاضع الذليل في انصع معانيها فما أشبه اليوم بالبارحة . أما اذا اتجهنا جنوباً فسنجد اننا بصدد الحديث عن شعب طالما تاق الى الحرية وجعلها عنواناً وهدفاً ؛شعبٍ انسلخ من جلباب الجبروت والطغيان فمنذ عام 2007م وهو يسطّر أروع الملاحم البطولية في ثورته السلمية وصولاً الى معركة الدفاع عن الارض والعرض والعقيدة متوجاً ذلك بالنصر المؤزر على قوى الشر والطغيان . لقد تُرك الجنوب لوحده يواجه مصيره المحتوم فلم نجد احداً يعترض او حتى يدين تلك الجحافل البشرية الهائلة التي اجتاحت الجنوب لا من مثقفيهم ولا علمائهم وكأن الامر لا يعنيهم في شيء وكأن القوم نازلون ليوزعوا الحلوى لأطفال عدن ولحج وابين وشبوة والضالع. لقد وقفوا مع الظالم على المظلوم ولم نسمع منهم كلمة حق تجاه هذا الشعب الصابر المجاهد ولكن لا حر بوادي عوف كما يقال . ترك الجنوب في مواجهة هذا السيل الجارف من مغول العصر الحديث من جيش طائفي وقبائل همجية وشذاذ آفاق ولولا حماية الله وحفظه ثم تدخل المملكة السعودية ودول التحالف العربي لغدا الجنوب سفينة فارسية تدور في فلك ايران وتسبح بحمدها . صحيح ان قوات الشرعية باتت اليوم قريبة من اسوار صنعاء لكن في نظري الان الامور ليست بهذه البساطة والعفوية فالغدر والخيانة ضاربة أطنابها في رؤوس القوم ولا أرى الا ان التحالف سيلاقي نفس مصير الجيش المصري في ستينات القرن المنصرم غدراً وقتلاً واستنزافاً للمال والعتاد ولا يمكن إطلاقاً ان تتكرر تجربة الجنوب الناجحة في الشمال لأن الجنوب شيء والشمال شيء آخر تماما.