جيسوس.. عجوز برتغالي تربع على عرش الدوري السعودي    جدول مباريات وترتيب إنتر ميامي في الدوري الأمريكي 2024 والقنوات الناقلة    مصادر سياسية بصنعاء تكشف عن الخيار الوحيد لإجبار الحوثي على الانصياع لإرادة السلام    لهذا السبب الغير معلن قرر الحوثيين ضم " همدان وبني مطر" للعاصمة صنعاء ؟    نادي الخريجين الحوثي يجبر الطلاب على التعهدات والإلتزام بسبعة بنود مجحفة (وثيقة )    لو كان معه رجال!    الحوثيون يسمحون لمصارف موقوفة بصنعاء بالعودة للعمل مجددا    ميليشيا الحوثي تجبر أعضاء هيئة التدريس وموظفي جامعة صنعاء بتسجيل أبنائهم بالمراكز الصيفية    بالصور .. مقتل وإصابة 18حوثيا بينهم قيادي في كمين نفذه أحد أبطال الجيش الوطني في تعز    مفاجأة وشفافية..!    الدوري الايطالي ... ميلان يتخطى كالياري    فوضى عارمة في إب: اشتباكات حوثية تُخلف دماراً وضحايا    عاصفة مدريدية تُطيح بغرناطة وتُظهر علو كعب "الملكي".    الدوري المصري: الاهلي يقلب الطاولة على بلدية المحلة    القوات الجنوبية تصد هجوم حوثي في جبهة حريب وسقوط شهيدين(صور)    الحوثيون يطورون أسلوبًا جديدًا للحرب: القمامة بدلاً من الرصاص!    "هذا الشعب بلا تربية وبلا أخلاق".. تعميم حوثي صادم يغضب الشيخ "ابوراس" وهكذا كان رده    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بعد فوزها على مقاتلة مصرية .. السعودية هتان السيف تدخل تاريخ رياضة الفنون القتالية المختلطة    كوابيس أخته الصغيرة كشفت جريمته بالضالع ...رجل يعدم إبنه فوق قبر والدته بعد قيام الأخير بقتلها (صورة)    بلباو يخطف تعادلًا قاتلًا من اوساسونا    إطلاق سراح عشرات الصيادين اليمنيين كانوا معتقلين في إريتريا    شاهد:ناشئ يمني يصبح نجمًا على وسائل التواصل الاجتماعي بفضل صداقته مع عائلة رونالدو    أطفال غزة يتساءلون: ألا نستحق العيش بسلام؟    الاحتجاجات تتواصل في الحديدة: سائقي النقل الثقيل يواجهون احتكار الحوثيين وفسادهم    مصر تحمل إسرائيل مسؤولية تدهور الأوضاع في غزة وتلوح بإلغاء اتفاقية السلام    احتكار وعبث حوثي بعمليات النقل البري في اليمن    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    المبيدات في اليمن.. سموم تفتك بالبشر والكائنات وتدمر البيئة مميز    السلطة المحلية بمارب: جميع الطرقات من جانبنا مفتوحة    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    سلطة صنعاء ترد بالصمت على طلب النائب حاشد بالسفر لغرض العلاج    توقعات بارتفاع اسعار البن بنسبة 25٪ في الاسواق العالمية    مقتل شاب برصاص عصابة مسلحة شمالي تعز    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل الأمني بمحافظة أبين    اليمن يرحب باعتماد الجمعية العامة قرارا يدعم عضوية فلسطين بالأمم المتحدة مميز    القيادة المركزية الأمريكية تناقش مع السعودية هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية مميز    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    أمين عام الإصلاح يعزي رئيس مؤسسة الصحوة للصحافة في وفاة والده    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    قوات دفاع شبوة تضبط مُرّوج لمادة الشبو المخدر في إحدى النقاط مدخل مدينة عتق    هل الموت في شهر ذي القعدة من حسن الخاتمة؟.. أسراره وفضله    اكلة يمنية تحقق ربح 18 ألف ريال سعودي في اليوم الواحد    الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ 5 أبريل    وفاة وإصابة أكثر من 70 مواطنا جراء الحوادث خلال الأسبوع الأول من مايو    في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني    بسمة ربانية تغادرنا    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    ولد عام 1949    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل القبيلة ممانعة للإصلاح السياسي؟- مجيب الحميدي
نشر في الصحوة نت يوم 08 - 03 - 2011

تعتمد الأنظمة الاستبدادية العربية على عدد من الفزّاعات لتبرير احتكارها للسلطة والثروة، والتهرب من متطلبات الإصلاح السياسي، ومن هذه الفزّاعات التي تستخدم على المستوى اليمني،التعلل بعدم قابلية القبيلة اليمنية للإصلاح وتخويف المجتمع المدني من سيطرة القبائل على السلطة في حال تحرير المؤسسة العسكرية من السيطرة الأسرية، ومن تدخل القبائل المسلحة لنهب العاصمة وقمع المعارضة السلمية..
وفي مقابل ذلك يعتقد بعض الدارسين أن القبائل اليمنية قبائل متخلفة وأدوات مأجورة تستخدمها الأنظمة الاستبدادية في البلطجة والقمع لأي ثورة شعبية، في حين تذهب دراسات أخرى إلى أن القبائل اليمنية كانت في طليعة القوى التي طالبت بالتغيير والإصلاح، وقدمت الكثير من الشهداء في سبيل محاربة الظلم والاستبداد بمختلف أنواعه، وترى هذه الدراسات أن السلطات الاستبدادية استغلت الجهل والأمية وغياب وسائل الإعلام في فترات معينة في تضليل بعض القبائل وتخويفها من الثورة واتهام الثوار بالعمالة ومحاربة الدين لتحريض القبائل على قمع الثورة،و وأن هذه الظاهرة لم تتكرر بعد عام 1948م بعد نجاح الثورة المصرية ولهذا لم تتكرر في ثورة ستمبر 1962م التي وقفت فيها الكثير من القبائل مع الثورة، ويؤكد بعض المؤرخين أن القبائل اليمنية التي قاومت الثورة كانت تعتقد أنها تحارب الظلم والاستبداد العسكري المستند إلى قوة عسكرية من خارج اليمن، ولم تكن تحارب التغيير والإصلاح، لأن هذه القبائل من الناحية المذهبية تنتمي إلى المذهب الزيدي، وهو مذهب ثوري لا يقبل التهادن مع الظلم، ويؤمن بوجوب الخروج على الظالم. ومع ترجيح هذه الدراسة للرأي الذي يؤكد أن معظم أبناء القبائل اليمنية يقفون في صف الإصلاح السياسي، فإنها لا تتجاهل وجود بعض المرتزقة في صفوف مشايخ القبائل الذين يبيعون قضايا الوطن مقابل مصالحهم الخاصة، ووجود بعض المجموعات القبلية المستأجرة، و بعض العصابات القبلية التي تمارس التقطع وتهريب الممنوعات ونحو ذلك، غير أن الواقع يؤكد أن هذه الاستثناءات لا تمثل حقيقة القبيلة اليمنية، كما أن التعليم والانفتاح الإعلامي ساهما في تحجيم هذه الظواهر، واندماج الكثير من أبناء القبائل في الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، والوقائع تؤكد أن أبناء القبائل أكثر تعطشاً للتغيير، وأنهم لا يحترمون مشايخهم الذين تستخدمهم السلطة أدوات للقمع والبلطجة مقابل دراهم معدودة،وأكثر أبناء القبائل لا ينصاعون لهذا الصنف من المشايخ، ويتمردون عليهم، وقد يركبون أي موجة تغييرية للتخلص من سيطرة هذا الصنف من المشايخ، كما حدث في مدينة صعدة التي ألتحق الكثير من أبناء قبائلها بالحركة الحوثية، وتمردوا على مشايخهم بعد أن اكتشفوا أنهم أذيال للسلطة المستبدة.
وإذا كان البعض يشكو من تعاظم نفوذ القبيلة في اليمن، فإن هذه الدراسة تؤكد أن نفوذ القبيلة الخارج على الأطر القانونية تنظمه السلطة العسكرية لتبرير هيمنة العائلة العسكرية الحاكمة، وأن السلطة العسكرية الاستبدادية تعمل على تنمية أسوأ السلبيات في القبيلة كالبلطجية والانتفاعية، وتحارب الأعراف الأصيلة والقيم المدنية الحضارية التي استلهمتها القبيلة من الدين الإسلامي والانفتاح الإعلامي على الحضارات العالمية.
في الأسطر الآتية محاولة لمناقشة موضوعية للأطروحات التي تؤكد أن القبيلة اليمنية ممانعة للإصلاح السياسي أو تقف عقبة في طريقه من خلال التتبع الموضوعي للحراك السياسي القبلي، وقراءة الخطوط العامة لمسار هذا الحراك والتفاصيل الهامة، وتهتم هذه الدراسة بدرجة أساسية بحراك القبائل المحيطة بالعاصمة اليمنية صنعاء، من بداية إرهاصات الثورة اليمنية وحتى عصرنا الراهن.
مدخل تمهيدي
من المهم في مفتتح هذه التناولة تجلية الفرق بين ثلاثة مصطلحات متداولة في الثقافة اليمنية ترتبط بمصطلح القبيلة فبالإضافة إلى مصطلح القَبِيِلة ثمة مصطلحي- القَبْيَلَة والقبلية- . وإذا كانت القَبِيِلة تعبيراً محايداً عن قيمة اجتماعية وثقافية نشأت لضرورة معاشية وبيئية فإن القَبْيَلَة في المفهوم اليمني تعبير قيمي عرفي عن الأخلاقيات والأعراف المفترضة في التعامل الاجتماعي، وهي أخلاقيات ممايزة لأخلاقيات الحضرية التجارية أو ما يطلق عليها اجتماعياً- أخلاقيات السوق- وأما النزعة القبلية فهي نزعة عرقية عنصرية إقصائية والفرق بين القبيلة والقبلية هو ذات الفرق بين الشعب والشعوبية فكلمة الشعب تعبير محايد عن انتماء طبيعي من حيث الدلالة والمفهوم وكذلك مصطلحات القبيلة، و المذهب و الطائفة. هذه المصطلحات تعبيرات عن واقع طبيعي ولا تتحول إلى مشكلة إلا في حالة تحول الانتساب إلى الطائفة إلى طائفية وإلى المذهب إلى مذهبية وإلى القبيلة إلى قبلية بما يعنيه هذا التحول من تمحور حول الذات على حساب قواعد التعايش المشترك والمصلحة العامة لجميع المواطنين في الدولة. وبالمفهوم الديني فإن الفرق بين الانتماء الاجتماعي المشروع إلى القبيلة باعتباره حق اجتماعي متوارث، و التحيز العرقي المحرم في الشريعة الإسلامية هو تحويل هذا الانتماء إلى عصبية جاهلية، وكما حرم الإسلام العودة إلى عصبية الجاهلية الأولى، فإن الدراسات الاجتماعية تعتبر العودة إلى هويات الأصول العرقية انتكاسة حضارية وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم الفرق بين الانتماء المشروع إلى القبيلة ونزعة العصبية القبلية حين قال (ليست العصبية أن تحب قومك ولكن العصبية أن تعين قومك على الظلم).
وبتجلية الفرق بين مصطلح القبيلة ومصطلح القبلية العرقي يمكن تحديد بعض أوجه علاقة القبيلة بالأزمات السياسية والإصلاح السياسي سلباً وإيجاباً.
مفهوم القبيلة في سياقه الطبيعي من منظور (برتراند راسل) ينطلق عن المعنى الغريزي الذي يفرض على الإنسان أن يعيش في خلية اجتماعية تقوم على عنصر التعاون والوحدة، يرى راسل أن هذا المعني هو واقع الحس الغرائزي البشري وحتى الحيواني فالنحل والنمل تتعايش مع بعضها وفق هذين الشرطين في التجمع والتعاون ويرى راسل أن الخلية البشرية الأولي كانت خلية عائلية في مجموعات يتراوح عددها ما بين خمسين إلى مائة شخص، و كانت العلاقات داخل المجموعة العائلية علاقات تعاون وبين المجموعة والمجموعات الأخرى علاقة عداء وصراع، وبسبب قلة السكان كان الصراع نادرا وكان التزاوج في إطار نفس المجموعة، ومع تزايد السكان بدأت كل مجموعة تشعر بحاجتها إلى التوسع المكاني الذي يستوعب حاجات السكان وينشأ عن هذه الحاجة إلى التوسع في المكان صراع مع الجيران، وبدأت بعض المجموعات تعمل على توسيع محيطها الجغرافي من خلال التزاوج والتصاهر مع المجموعات الأخرى، ويربط راسل بين هذا الامتداد لما يسميه بالطفولة البشرية وما نتج عنه من تقسيم للعمل في البيت والمجتمع، ويرى الغذامي أننا مع حدوث هذا التشكل في أزمنة مبكرة فإننا لا نزال نعيش بنفس الغريزة التي كانت تدفع الإنسان الأول كي يعيش مع مجموعة محددة هي قبيلته، ويتحرك تحت حس دقيق نحو السلام مع جماعته في مقابل معاداة كل ما هو خارج عنها
كيف تتبلور الحاجة إلى القبيلة؟
عندما تكون الدولة عاجزة عن منح المواطن الشعور بالأمن والسلام، فضلاً عن تحولها إلى مصدر تهديد ومبعث للخوف، فإن الشعور الغرائزي بالحاجة إلى حماية القبيلة والانتماء إليها يتفاقم ويزداد رسوخاً يوماً بعد أخر على حساب الشعور الحضاري بالمواطنة، وفي هذه الحالة يرى راسل أن الإنسانية إذا بالغت في ضغطها على نفسها واندفعت بشدة إلى تبني أنظمة عقلانية صارمة تخالف ما هو غريزي وأولي في سلوكها فإن الذي يحدث هو أن الطبيعة سوف تنتقم لنفسها إما بفرض نوع من الكسل النفسي أو بإحداث نوع من التدمير وفي الحالين فإن المصير سيكون انهيارا للعقلانية وعودة للغريزة.
وبناء على هذا الإحساس بالخوف وفشل الدولة في تحويل العقد الاجتماعي للمواطنة إلى خيار مأمون وجذاب، تعززت عصبية الولاء للقبيلة والقاعدة العامة أن الخوف الخارجي هو الذي يدفعنا إلى التضامن الداخلي في إطار مجموعاتنا الجزئية، وعندما تتحول الدولة إلى مصدر للخوف فإنها تدفع الحس الغرائزي للقبيلة إلى تحويل الانتماء إلى القبيلة من انتماء طبيعي إلى عصبية ولاء تفوق عصبية المواطنة لأن الشعور بالتهديد يدفع القبيلة إلى الانكفاء لغرض الاحتماء، و نستطيع تلمس هذا المعنى الاحتمائي في تصريحات الكثير من أبناء القبائل وأعضائها الفاعلين في الساحة السياسية حين يؤكدون أنهم لا يستطيعون ممارسة حقوقهم الطبيعية في التعبير عن الرأي دون الاستقواء بالقبيلة والاحتماء بشوكتها وعصبيتها، كما نستطيع تلمسه في تصريح بعض مشايخ القبائل عن اعتزامهم الدفاع عن المتظاهرين من بلاطجة السلطة التي تخلت عن وظائفها في حماية الشعب، وانشغلت بالدفاع عن المصالح غير المشروعة لأسرة مهيمنة.
وفي هذه الحالة عندما تحتدم الأزمات السياسية وتتحول المؤسسة العسكرية إلى قبيلة عسكرية أسرية متجردة من أخلاق القبائل وقيم الدين، تعبث بالمال العام في ممارسة جرائم البلطجة والإقصاء. فإن القبائل تكون مضطرة لاستدعاء داعي القبيلة، ولو لاحظنا البيانات الصادرة عن المؤتمرات القبلية، لوجدنا أن هاجس الخوف والشعور بالتهميش وغياب الأمن ودولة النظام والقانون هو الخيط الناظم لجميع هذه البيانات.
وهذا يعني أن القبيلة في الظروف الطبيعية لديها الاستعداد للتحرر من الهويات الإجبارية فالإنسان الحر في المجتمع الحر يتوق دائما للتخلص من الهويات القسرية و يميل الإنسان في الظروف الطبيعية إلى التطور من مرحلة الطفولة البشرية والتقوقع في الانتماءات الضيقة إلى البحث عن الانتماءات الواسعة. ونستطيع قراءة مبررات ظهور العصبية القبلية وأنواعها في ضوء مبررات تبلور الهويات التي يقسمها كاستلرز حسب مقومات نشوئها إلى ثلاثة أقسام هي:هوية فزّاعية تنتجها السلطة لتبرير هيمنتها على المجتمع وإدامة هذه الهيمنة وشرعنتها من خلال الإيحاء للرأي العام أن البديل عن وجود الدولة في حالة غيابها هو الهويات التمزيقية و بعض العصبيات القبلية يمكن إنتاجها في هذا السياق لتخويف المجتمع الحضري من سيطرة القبائل ودفعه للالتفاف حول الدولة التي هي في الحقيقة قبيلة عسكرية.
والهوية الثانية هي هوية المقاومة الناتجة عن الشعور بالتهديد وممارسة الانكفاء لغرض الاحتماء من سياسيات الهيمنة و التهميش وتنشأ هذه الهوية على قواعد ومبادئ مغايرة لقواعد القوى المهيمنة.
والهوية الثالثة هي الهوية الثقافية التي تهدف إلى إعادة بناء المجتمع على أسس وتصورات ثقافية من خلال إعادة صياغة البنية الاجتماعية الكلية ونستطيع أن نضرب مثلاً لهذه الهوية، بالهوية التي أوجدها نبي الإسلام عندما هاجر إلى يثرب وأطلق عليها اسم المدينة في محاولة لإخراج المجتمع من بوتقة الهويات القبلية الضيقة إلى هوية الدولة المدنية الجديدة، وأعاد تقسيم المجتمع إلى مهاجرين وأنصار. والهجرة والنصرة معايير عملية تتناقض مع معايير التقسيم القبلي والعرقي، وكان نبي الإسلام شديد الحرص على تعزيز الهوية الجديدة والتحذير من الهويات القديمة
ولهذا يروى عن أحد الصحابة أنه شهد مع الرسول اللّه معركةً فضرب رجلاً من المشركين، وقال: خذها مني وأنا الغلام الفارسي، فالتفت إليه النبي فقال: «فهلاَّ قلت: خذها منِّي وأنا الغلام الأنصاريُّ».
واعتبر الإسلام الرجوع إلى البادية بعد الهجرة ردة حضارية عن الاجتماع السياسي الجديد للمسلمين و أثار رجوع بعض الصحابة إلى البادية جدلاً شديداً بين الصحابة لما يعلمونه من أحكام المرتدين أعراباً والإثم المتعلق بكبيرة التعرب بعد الهجرة «الردة الحضارية» وقد أذن الرسول لبعض البدو في الإقامة بالبادية، عندما أدرك قدرتهم على تجاوز أخلاقيات البدو المنافية للإسلام والارتقاء إلى آفاق القيم الإسلامية الحضارية، وفي إمكان البدو الهجرة من نمط الهوية القسري إلى الهوية الحضارية الاختيارية وهم في أماكنهم على صعوبة ذلك إلا لمن استعصم وقد كان الصحابة الذين أذن لهم النبي (ص) بالبقاء في البادية من هذا النفر المستعصم الذي يمتلك القدرة على تحديث ذاته في البيئة التقليدية المنغلقة وجاء في الحديث الذي رواه البخاري مسلم « عن سلمة بن الأكوع أنه دخل على الحجاج فقال : يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك ؟ تعربت ؟ قال : لا ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو «وقد بوّب البيهقي هذه الاستثناءات ب: باب ما جاء في الرخصة التعرب بعد الهجرة و ورد في بعض روايات حديث سلمة الحسنة أنه قال للنبي (ص) إنا نخاف أن يقدح ذلك في هجرتنا ، قال : أنتم مهاجرون حيث كنتم .
وهذا هو الفارق بين الانتماء للقبيلة باعتباره حقاً مشروعاً وطبيعياً ومكتسبا، وبين ابتعاث النزعة القبلية الجاهلية التي تدفع أعضاء القبيلة إلى الدفاع عن أعضائها في الحق والباطل، ويدفع أعضاء القبيلة إلى تمييز أنفسهم عن جماعة أغلبية المسلمين والبحث عن المصلحة الخاصة مقابل التضحية بمصلحة السواد الأعظم ولهذا جاء في الحديث « «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية. ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلته جاهلية. ومن خرج على أمتي، يضرب برها وفاجرها. ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه». و المراد بالجماعة هنا هي الهوية الجامعة التي تمثل السواد الأعظم وجاء في الحديث» إذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم.
علاقة القبيلة بالصراع السياسي
في رؤية تحليلية لعلاقة القبلية بالأزمات السياسية في التاريخ الإسلامي يرى المفكر الإسلامي د.عبدالكريم بكار»أن الإسلام عانى طويلاً مع العرب ومع كل المجتمعات التي تقوم فيها الروابط على أساس العرف والنسب؛ وكان الهمُّ المسيطر خلال تاريخنا الطويل- على المستوى السياسي والقانوني- هو نقل المجتمعات الإسلامية من مرحلة القبيلة إلى مرحلة الدولة، أي من مرحلة الولاءات والتكتلات وتبادل المنافع على أساس الولادة ومعطيات التاريخ إلى مرحلة الخضوع للأحكام الشرعية والقوانين والنظم السارية. ويرى بكار أن هذه النزعة القبلية كانت السبب الجوهري وراء كثير من الفتن والثورات التي كانت تجتاح الأمة في العديد من فتراتها التاريخية. وهي نفسها السبب الكامن خلف سلبية الإنسان المسلم عامة والعربي خاصة تجاه المخاطر المحدقة التي تتعرض لها بعض الأوطان الإسلامية إلى درجة أن يقوم الناس ويحتجوا في الغرب ضد ممارسة حكوماتهم تجاهنا، ونحن سادرون غافلون ومنهمكون في همومنا الشخصية، وكأن الأمر لا يعنينا من قريب أو بعيد.
وهذه الرؤية العامة التي يقدمها المفكر الإسلامي عبدالكريم بكار تتفق مع الحقائق والوقائع التاريخية المعاصرة التي توضح كيفية استخدام المستعمر البريطاني للقبائل العربية واليمنية في تفتيت الوحدة السياسية للمسلمين و إسقاط أخر مشروع للخلافة الإسلامية العثمانية، ونستطيع أن نلمس بوضوح دور الاستعمار في دعم هذه القبائل، في صفحات كتاب» ملوك شبه الجزيرة العربية» الذي ألفه المعتمد البريطاني في جنوب اليمن كولونيل، هارولد عام 1923م باللغة الإنجليزية وترجمه السفير الراحل أحمد المضواحي، وأشار فيه المؤلف إلى الدور البريطاني الكبير في تحريض العشائر العربية في الجزيرة العربية على الاستقلال عن العثمانيين، ومحاربتهم. ويشير الكتاب إلى الدعم البريطاني الذي قدمه الاستعمار للأشراف في الأردن وآل سعود في نجد والأدارسة في جنوب مكة وآل حميد الدين و غيرهم من القبائل في شمال اليمن والسلاطين في الجنوب.
ويوضح المعتمد البريطاني كيف كان يتهالك زعماء القبائل وراء الذهب وأشار إلى وثيقة أرسلها سلطان يافع إلى الإمام تؤكد أن الإنجليز يشترون العرب بالذهب وأن العرب لا يستطيعون مقاومة الرشوة وأشار المعتمد البريطاني إلى رسالة وصلتهم من أحد مشايخ مأرب يطلب ضم اسمه إلى قائمة المشايخ الذين يستلمون المرتبات من بريطانيا ليقف مع بريطانيا في مواجهة الإمام الزيدي.
ويوضح الكتاب كيف اعتادت القبائل اليمنية والعربية على الارتزاق من الحرب بين الأتراك والإمام، وكيف كانت تقبض من الجانبين وكانت تعتقد بخطورة التصالح معتمدة على المثل القائل»إذا وقعت الشريمان شريما واحدا فترت العرب».
وقد استفادت بريطانيا من هذه النفسية في بعض القبائل العربية واليمنية في تحطيم الإسلام يقول المعتمد البريطاني أن بريطانيا سعت إلى دعم الأمير الحسين ودعمت في المقابل الإمام يحيى وكان هذا الدعم المزدوج من أعظم الوسائل في سحق الإسلام وتحطيمه في جزيرة العرب.
وتضمن الكتاب عبارات نابية تتضمن وصف العرب بالحيوانات التي تحمل أسلحة وتستعد للقتال مع من يدفع أكثر، وهذا التوصيف فيه قدر كبير من التحامل الاستعماري الحاقد على العرب وتجاهل واقع الأمية في القبائل العربية وغياب وسائل الإعلام في بداية القرن العشرين.
الجمهوريات العربية والإصلاح السياسي
مرت الجمهورية العربية الأولى التي نقف اليوم على مشارف نهايتها بمرحلتين أساسيتين:في بدايتها كان النظام يتكون من مجلس عسكري من الضباط الذين أُطلق عليهم الضباط الأحرار وكانت المجالس العسكرية ممثلة من كبار خريجي الكليات العسكرية من مختلف أنحاء الوطن، وقد تمكنت السلطة العسكرية الوطنية في هذه المرحلة من حشد طاقات الشعب لبناء جمهوريات عصرية التشكيل، وتتمتع بقدر من الاستقلالية، و فتحت أبواب الاستفادة من الحضارة الغربية في التعليم والصناعة والتحسين النسبي لمستوى المعيشة، وبعض الأنماط الحياتية المعاصرة، وفي الثلاثة العقود الأخيرة ارتدت السلطة العسكرية الوطنية،إلى دولة أعرابية بعد الهجرة. ودخلت مرحلة جديدة تحولت فيها من نظام المجلس العسكري الوطني إلى نظام المجلس العسكري العائلي، وحاربت الجمهورية العسكرية في هذه المرحلة التنمية السياسية الداخلية مستعينة بطفيليات انتفاعية وأحزاب ديكورية حاكمة وأحزاب موالاة وظيفتها إضعاف أحزاب المعارضة وتضييق الخناق على المجتمع المدني من خلال تفريخ النقابات، وأضعفت روح الانتماء للوطن بعد أن جعلت الانتماء للحزب الحاكم هو معيار الولاء للأسرة العسكرية ومعيار استحقاق حقوق المواطنة الطبيعية، وقد فشلت الدولة العسكرية العائلية فشلاً ذريعاً في مواصلة جهود الدولة العسكرية الوطنية التنموية، وأغلقت أبواب الاستفادة من التجربة السياسية الغربية في التشريعات والأنظمة التي تحافظ على الحقوق والحريات،ومواثيق العقود الدستورية التي طورتها التجربة البشرية للحد من طاغوتية الحاكم ولتحقيق العدالة التي أمر بها الله في كل الديانات السماوية وناضلت من أجلها الفطرة البشرية وطورت السياجات الرادعة لتغول الطاغوتية المطلقة.
وبدأت الأنظمة العائلية العسكرية تستعين بالثقافة السلفية التقليدية للتحذير من خطورة الديمقراطية على العقيدة وضرورة طاعة ولي الأمر المتغلب، متجاهلة أن قانون المغالبة في الأنظمة الشعبية القبلية القديمة يختلف جذرياً عن قانون المغالبة في الدولة العسكرية التي تحولت فيها المؤسسة العسكرية إلى قبيلة بدون أعراف و بمعدات قتالية متطورة، لا تسمح بالمنافسة الشريفة في المغالبة.وهذا يعني أن الدولة العسكرية العائلية لا تقوم على قاعدة الشورى والإجماع الشعبي والبيعة التعاقدية المشروطة بالعدل كما كان الحال في تاريخ صدر الإسلام، ولا تقوم على قاعدة البيعة الشعبية الجبرية المعروفة في تاريخنا العربي والتي تقوم على أساس المغالبة القتالية العددية مع التكافئية النسبية في المعدات القتالية لجميع أطراف النزاع، والتسليم بالسلطة لصاحب الغلبة والذي يكون في العادة صاحب أغلبية عددية، ولا تقوم أيضاً على قاعدة الديمقراطية الحديثة في الدول المعاصرة، ولا تقوم على قاعدة ديكتاتورية الأنظمة العسكرية الوطنية الشمولية، التي تتمتع بمجالس عسكرية وطنية، شبيهة بالمجالس العسكرية العربية في بداية عصر الاستقلال، وباختصار أصبحت الجمهورية العربية الأولى في مصر واليمن وتونس والجزائر وليبيا، أنظمة مسخية وعبارة عن خليط فاسد لأسوأ ما أنتجته الأنظمة التقليدية و الشمولية والملكية والعسكرية والديمقراطية، ووصلت هذه الجمهوريات إلى غاية الانسداد وضاق فيها الهامش الديمقراطي ولم يعد يتسع إلا لخواص الخواص في الحزب الحاكم وتحديداً المقربين من الأسرة الحاكمة، والطفيليات الانتفاعية في الأجهزة المدنية والأمنية والإعلامية.
واستعانت السلطة في الجمهوريات بالقوة العسكرية لإفشال أي محاولة لإحلال الديمقراطية، وقامت بتأمين مصالح الغرب، لتضمن مساندته لها في مواجهة أي ثورة شعبية، وظهر لأول مرة في التاريخ العربي والإسلامي نمط سلطوي يفتقد بصورة مطلقة لأي شرعية شعبية اجتماعية، ولو على أساس المغالبة القتالية المتكافئة. واعتماده الوحيد على الجيوش النظامية المدربة، والتقنية العسكرية الحديثة التي يتم تجهيزها لقمع الشعوب التي تفكر بتحقيق إرادتها واستعادة حريتها،فضلاً عن اعتمادها على الدعم المقدم من الدول الخارجية والمنتفعين في الحزب الديكوري الحاكم.
ونتيجة لهذه الردة الحضارية عن تحديث الدولة، فشلت هذه السلطة العسكرية العائلية في تحقيق أهدافها التنموية،لأن جهودها تمحورت في الحفاظ على بقائها في السلطة، مع أن مسألة بقائها أصبحت مهددة بعد فشلها في تحقيق الوحدة العربية و التنمية والاستقلال، و بعد أن تآكلت شرعيتها الدستورية والقانونية واستحقت لعنة"الشعب يريد إسقاط النظام" وهكذا تبدت مآلات الجمهورية العسكرية العربية من مجالس الضباط الأحرار إلى مجالس الأبناء والأصهار إلى السقوط والانهيار، ليستعيد الشعب زمام المبادرة في بناء الجمهورية العربية الثانية، جمهورية الديمقراطية والعدالة والتنمية والمساواة.

القبيلة والجمهورية العسكرية في اليمن
هل كانت القبيلة اليمنية من عوائق التحديث السياسي في التاريخ اليمني الحديث؟ للإجابة عن هذا السؤال يلزم استقصاء الوقائع التاريخية بعيدا عن الإسقاطات الأيدلوجية والانحيازات العاطفية للصراع التاريخي، والواقع يؤكد أن القبائل اليمنية انقسمت بعد ثورة سبتمبر إلى معسكرين قبائل أيدت الثورة، ووقفت إلى جانبها، وقبائل أخرى قاومت الجمهورية؟ وهناك من يرى أن القبائل اليمنية التي قاومت النظام الجمهوري لم تكن في حقيقة الأمر معادية للإصلاح السياسي، بقدر تخوفها من تغول السلطة العسكرية الجديدة و الشعور بالخوف من احتمالية ممارسة هذه السلطة للطغيان السياسي، وفي هذا السياق يؤكد الأستاذ عبد البردوني أن القبائل التي سميت بالملكية لم تكن ملكية كما وصفوها ولكن كانت تريد جمهورية عادلة ويرى البردوني أن هذه القبائل حددت مطالبها في منتصف الستينات بالعدل، وأن عددا من المثقفين من كافة المشارب الفكرية وقفوا إلى جانب هذه القبائل مشيراً إلى أن هذه القبائل لم تكن رجعية ولكنها أرادت أن تفرض عدالة الحكم بالقوة تحت أي اسم.
وينظر البردوني إلى التمرد القبلي على الثورة من منظور مختلف مؤكداً أن هذه الروح الثورية التمردية لدى القبائل التي سميت بالملكية كانت ثورة على المفهوم القبلي(من تزوج أمنا كان عمنا) ويرى البردوني في هذا الثنائية المتناقضة بين من دافعوا عن الثورة ومن حاربوا قيادتها العسكرية ثنائية متطورة لأن الشعب المتطور قد أدرك أنه مصدر السلطة التي يريد كما يريد هو . ويرى في ذلك تجلياً لأصالة الثورة وواقعيتها عند الذين رفعوا رايتها، وعند الذين ناوؤها.
ومع وجاهة هذه الرؤية غير أنها تتناقض مع وقائع تؤكد أن المقاومة لنظام الثورة لدى بعض القبائل كان يعتمد على الإحساس بحتمية عودة الإمام وأن الثورة حالة وقتية زائلة، فضلاً عن إغفال هذه الرؤية لأهمية الدعم الخارجي في شحذ مقاومة القبائل الملكية للنظام الجمهوري وتأثير التصالح بين الجمهوريين والسعودية عام 1970م في إخماد جذوة هذه المقاومة.
و أما القبائل الجمهورية فكما ساهمت في الثورة، مارست بعد ذلك أول معارضة تطالب بالإصلاح السياسي بعد ثورة سبتمبر عندما تداعت لمؤتمر عمران سنة 1963م ولا يزال هذا المؤتمر مثار جدل كبير بين المثقفين اليمنيين،فهناك من يرى أن الصراع في هذا المؤتمر كان بين قوى الحداثة والقوى التقليدية، ومن يطلع على وقائع المؤتمر وملبساته السياسية، يدرك أن الخلاف في حقيقته كان حول ترسيخ سلطة الشعب ومقاومة التأثير الرئيسي للقوات المصرية ومحاولة لانتزاع استقلالية القرار السياسي، بعد أن قامت الحكومة المصرية بتعيين مستشارين يمتلكون القرار في مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء.
و ما يقال عن مؤتمر عمران يمكن قوله عن مؤتمر خمر الذي دعا إليه الزبيري والنعمان والإرياني وكان الهدف انتزاع استقلالية القرار اليمني من أيدي المصريين، وبناء جمهورية ديمقراطية شعبية ولو تأملنا في المطالب الستة التي حددها الزبيري ووافق عليها مؤتمر خمر لما وجدنا في طياتها بذور أي صراع بين قوى الحداثة والقوى التقليدية، فقد تبلورت مطالب الزبيري بإقامة مجلس جمهوري ومجلس شورى وتأسيس جيش وطني ومجلس دفاع وطني ومحاكم شرعية لمحاسبة العابثين بأموال الشعب.و من التقييمات الوسطية لمؤتمر خمر تقييم الأستاذ محسن العيني الذي حضر المؤتمر وأيد قراراته و أثناء كتابة مذكراته وقف موقفاً وسيطا بين المؤيدين للمؤتمر والمعارضين له، حين أكد أن المتفائلين بالمؤتمر تجاهلوا التأثيرات السلبية لتعاظم النفوذ القبلي على الدولة وأن المعترضين بالغوا في النقد وأضاعوا الكثير من الفرص ووقعوا في أخطاء كثيرة وكشف العيني عن مباركة الرئيس جمال عبد الناصر ظاهريا لقرارات مؤتمر خمر و أكد أن هذا المؤتمر حضره جميع مشايخ اليمن بمن فيهم مشايخ الملكيين وأن المتغيبين باركوا قرارات المؤتمر، ويوضح العيني عدداً من القرارات الخطيرة التي اتخذتها القوات المصرية في اليمن بعد مؤتمر خمر والتهديدات التي أطلقتها بسحل من يؤيدون قرارات مؤتمر خمر بالشوارع وتشكيلها مجلس عسكري مخالف للدستور وتشكيل حكومة حرب مارست اعتقالات واسعة النطاق. وعندما اعتقلت مصر أعضاء الحكومة اليمنية المؤيدة لمؤتمر خمر في القاهرة، طالبت القيادة في صنعاء بتسليم هؤلاء الوزراء اليمنيين الخونة ومحاكمتهم وبدأت في صنعاء بالفعل بمحاكمات عدد من المعارضين للمصرين وإعدامهم وسحلهم في الشوارع بطريقة بشعة.
و نستطيع تلخيص مطالب الحركة القبلية الجمهورية في هذه المرحلة بالتأكيد على أن هذه الحركة طالبت بالجمهورية العادلة الديمقراطية والشعبية كما يؤكد ذلك الأستاذ البردوني والذي يبدو لي أن بعض الباحثين يخلطون بين هذه الحركة القبلية الرائدة للمطالبة بتعزيز الديمقراطية، وبين عملية الاحتواء لمشايخ القبائل في العقود المتأخرة حين ساهم النظام في تعزيز نفوذ بعض مشايخ القبائل على حساب مؤسسات الدولة في محاولة من السلطة العسكرية لتعطيل دور القبيلة في المطالبة بالإصلاح السياسي وتحويلها إلى جزء لا يتجزأ من المنظومة التسلطية العسكرية.
ونخلص مما سبق إلى أن وقوف القبيلة في صف الجمهوريين المعتدلين الذين طالبوا بالثورة والديمقراطية في مواجهة تيار الجمهورية والثورة لا يعني أن القبيلة كانت ضد الإصلاح السياسي بل إن الأيام أكدت أن جبهة القبائل الجمهورية كانت أقرب إلى الإصلاح السياسي بمفهومه الديمقراطي من بعض قيادة الجيش المؤدلجة وهذا ما أكده البردوني في قوله" ولعل الحركة القبلية الجمهورية كانت أفطن إذ واصلت مطالبها من 63-67 بالجمهورية العادلة الديمقراطية والشعبية.
وهذا لا ينفي وجود مشكلة أساسية في القبيلة تتمثل في استعداد الكثير من أتباعها للدخول في أي حرب بناء على قدرة الأطراف المتصارعة على العطاء، و استثمار أي صراع بين جبهتين كفرصة للاستفادة من الطرفين.ولكن هذه الظاهرة يمكن أن تتراجع وتنكمش في ظل مشروع تنموي تعليمي ووجود دولة قانون قوية وعادلة وقبل كل ذلك يجب الإقرار أن توارث بعض القبائل اليمنية للحروب تحت كل راية ووراء كل دعوة إشكالية حقيقة ينبغي التوقف أمامها ودراستها بجدية، أما إشكالية تعاظم نفوذ بعض المشايخ وتحولهم إلى جزء من المنظومة التسلطية التي تحمي مراكز الفساد، فإن هذه التعاظم نتاج جهود حثيثة لتحريف مسار نضال القبيلة اليمنية وتشويهه، مع تأكيدنا إلى أن الكثير من هذه الظواهر السلبية بدأت تتقلص بعد ساهم التعليم والإعلام في تنضيج الوعي الوطني والديني للقبائل اليمنية .

هل يمكن تحقيق الإصلاح السياسي بتهميش القبيلة؟
في نقد غير مباشر لموقف النخبة العسكرية الجمهورية يقول البردوني " لا يمكن لأي طليعة أن تثور لشعب نيابة عنه وإنما تثور به ومعه و من أجله.
إن محاولة فرض إي إصلاح سياسي على الشعب بجميع قبائله ومكوناته بالقوة، تعود بنتائج سلبية تساهم في تأجيل نضوج الوعي بالحاجة إلى الإصلاح يقول (جان جاك روسو) "إن على المهندس المعماري أن يفحص الأرض ويحدد قوة احتمالها لإقامة بناء ضخم عليها ولذلك يرى أن القانوني الحكيم لا يكتب قوانين جيدة بذاتها دون معرفة قدرة الشعب على تحمل أعبائها ولهذا رفض أفلاطون سن قوانين للأركاديين لأنه كان يعلم أنهم أغنياء لا يطيقون المساواة ووضع مينوس قوانين صالحة لأناس سيئين في كريت لأنها قامت بتنظيم شعب مثقل بالرذائل ومتى استقرت العادات وتأصلت الأحكام المسبقة فإن محاولة إصلاحها تكون خطيرة وجهداً ضائعاً بل إن الشعب لا يطيق المساس بأمراضه لتخليصه منها كأولئك الحمقى من المرضى الذين ترتعد فرائصهم لرؤية الطبيب. وفي هذه الحالة يمكن أن تؤدي الثورة إلى تغيير يولد كراهية الماضي كما تولد الأزمات الشخصية للأفراد مثل هذا التحول، وهذا الاستعداد للتغيير كان واضحاً بعد ثورة سبتمبر ولكن إذا فشلت الثورة في تجديد حياة المواطنين فإن الاضطرابات تهدم حياة الشعب وتجعله يبحث عن سيد وليس عن محرر، ويرى (روسو) أن المجتمع لابد أن يصل إلى مرحلة الرشد قبل إخضاعه للقوانين فهناك شعب يكون قابل للنظام بمجرد نشأته وشعوب أخرى تحتاج إلى عشرات القرون وهو يرى أن من أسباب تأخر تمدن المجتمع الروسي أنهم كانوا متمدنين قبل الأوان، وأن بطرس كان مقلدا حين رأى أن شعبه همجي ولم ينتبه أن شعبه لم يكن ناضجا للمدنية بعد، عندما حاول أن يخلق ألماناً وإنجليزا من الروس وبهذه الطريقة منعهم من أن يكونوا ما كان في وسعهم أن يكونوا لو أن تطورهم سار على نحو طبيعي فقد تكون القوانين والسياسات جيدة ولكن في غير محلها وذلك عندما لا تأتي تلبية لحاجة شعبية و لا تكون محل رغبة ملحة، فالثورات التي نجحت في جميع أنحاء العالم كالثورة الفرنسية وغيرها كانت ثورات شعبية حقيقية ولم تكن ثورات نخب عسكرية مدعومة من دول أجنبية، والفرق واضح بين عملية التغيير التي أطاحت بالنظام العسكري في العراق في بداية العقد الماضي وعملية التغيير التي حدثت في تونس في مستهل هذا العقد، ففي حين لا تزال الاضطرابات الناتجة عن التغيير الأول مستمرة حتى اليوم ، فقد توقف مؤشرات الاضطرابات الخطيرة في تونس بعد ثلاثة أيام فقط.
ومن المنطقي قبل التفكير بتغيير جوهري في بنية القبيلة اليمنية بقوة الدولة أن نتساءل :هل استطعنا إيجاد الدولة الصناعية التي تنقلنا من عصر المجتمع الزراعي و تستقطب أبناء القبائل إلى العمل في المصانع والتصالح مع الصناعة؟ وكما تصالح مشايخ القبيلة مع امتلاك أدوات التجارة والصناعة، متى يتصالح أبناء القبيلة مع العمل التجاري والصناعي؟ عندما نجد الإجابة على السؤالين الأنفين علينا أن ننتظر التغيير التلقائي الذي سيأتي مستجيبا لحاجات الواقع وتطور الوعي الاجتماعي.
ومن مميزات الواقع اليمني اليوم أنه يعج بتعقيدات كثيرة، ولا يصح أن نعتقد أن هذه التعقيدات عوائق أمام التغيير، بل إنها تؤكد الحاجة الماسة للتغيير.

هل تعدد القبائل عقبة في طريق الإصلاح السياسي؟
هناك من يفترض أن كثرة القبائل اليمنية التي تهتم بمصالحها الخاصة يمثل عقبة أمام بناء الدولة المدنية والإصلاح السياسي مستدلاً بمقولة لابن خلدون تؤكد إن الأوطان كثيرة القبائل قلَ أن تستحكم فيها الدولة.
فهل اختلاف القبائل وتعارض مصالحها، يؤدي إلى إهمال المصلحة العامة أم إلى تولد الحاجة إليها؟.
العبارة المنسوبة إلى ابن خلدون قد تصح في الدولة الفردية العسكرية أم دولة المؤسسات فإن نظرية أخرى تؤكد أن الدولة التي تحتوي على مكونات قبلية، كلما كثرت فيها هذه القبائل وتعددت وتناقضت مصالحها كلما أدى ذلك إلى الشعور العام بالحاجة إلى الدولة العادلة لتأمين المصلحة المشتركة ويرى جان جاك روسو في العقد الاجتماعي أن "الإرادة العام تتولد عن عدد كبير من الفوارق الصغيرة" وهذا يعني أن قلة عدد القبائل تنعكس بصورة سلبية على الإصلاح السياسي لأن درجات الاختلاف تصبح أقل وتقدم نتيجة أقل عمومية وأقل تعبيراً عن الرأي العام، وإذا كان أحد هذه الإتحادات الجزئية على جانب من الضخامة بحيث يتغلب على جميع الاتحادات الأخرى فإن النتيجة لا تكون حاصل الخلافات الصغيرة وإنما نتيجة خلاف وحيد وفي هذه الحالة تغيب الإرادة الشعبية والأفضل ألا يكون هناك جماعة جزئية في الدولة ولكن إذا وجدت جماعات جزئية الأفضل أن تكون كثيرة ومتكافئة لأن كثرة التباينات يخلق الشعور بالمصلحة العامة والحاجة إلى قانون عادل ومن المهم أن تختلف مصالح هذه الكيانات الإجتماعية لأنها إتفاق مصالح الاتحادات الإجتماعية يتكون بالتعارض مع مصلحة كل فرد وكما يؤكد الماركيز دار جنستون" أن اتفاق مصلحتين خاصتين يتكون بالتعارض مع مصلحة ثالث" ولو لم تكن هناك مصالح مختلفة لما شعرنا بالمصلحة المشتركة إذ الإحساس بالمصلحة المشتركة من نواتج الإحساس بالحاجة إلى سلطة الإكراه الشاملة التابعة للدولة والتي من واجبها تحريك جميع مكونات الدولة بما يخدم المصلحة العامة وحينها تتولد الحاجة إلى العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين المواطنين والدولة.
وإذا كانت كثرة القبائل ليست مشكلة في طريق الإصلاح السياسي؟ فهل القبيل اليمنية عصية على الإصلاح؟.
يؤكد الأستاذ عبدالله البردوني أن ما تروجه بعض الجهات الاستعمارية حول إعاقة القبائل اليمنية للتطور تضليل للوعي، ويشير البردوني إلى أن القبائلية أصل كل الشعوب وينبوع تطورها وأنها أسرع إلى الاستجابة إلى الأفضل من الحضريين المنحلين عن حضارتهم بسبب الأصوليات أو فساد عهود التوارث مؤكداً أن أصل الشعب البريطاني هي القبائل السكسونية وأن الألمان من القبائل الجرمانية.
ومما يؤكد ما يذهب إليه البردوني أن الطلاب والعمال الذين يفدون إلى المدن الحضرية من القبائل والأرياف أكثر اهتماما بالسياسة والتغيير والإصلاح السياسي والشأن العام من أبناء المدن الأصليين
ويرى البردوني أن الدعاية الاستعمارية التي تؤكد استعصاء القبائل اليمنية على التغيير كانت تهدف إلى تيئيس التنظيمات الثورية والمنظمات المدنية وقيادة الحكم الثوري ويرى البردوني أن هذه الإشاعات تتجاهل واقع التمردات القومية في أوربا كالباسك في أسبانيا والجيش الجمهوري في ايرلندا وكجمهوريتي أرمينا وأذربيجان ويؤكد البردوني أن القبائل اليمنية كانت أقوى تمردا على النظام الملكي قبل الثورة وأقوى في الدفاع عنها. ويؤكد أن الجماهير اليمنية هبت بعد الثورة بساعات من المدن والقرى لإسقاط أعمدة الحكم الملكي بدون أمر قيادي ولا نداء إذاعي، ويشير البردوني إلى التمردات القبلية الثورية ضد الإمام من قبائل حاشد وذو محمد وذو حسين وخولان قبل الثورة بعامين.
ويذكرنا بمقاومة اليمنيين في صنعاء وخمر وإذاعة عدن قبل الاستقلال بعد الثورة لمحاولة النظام المصري فرض الحزب الواحد على اليمنيين وكيف تحول هذا السجال الديمقراطي بين اليمنيين الجمهوريين بأحزابهم وقبائلهم إلى صراع عسكري، وكيف توحدت هذه الأطراف الجمهورية المتصارعة في معركة الدفاع عن صنعاء بعد الهجوم على صنعاء وحصارها في عام 1967م
و وكان الناظم المشترك الذي جمع اليسارييين مع الإسلاميين والقوميين وقبائل الجمهورية هو شعار(الجمهورية أو الموت) مع ن الصراع العسكري كان محتدماً بين التيار الإصلاحي والقبائل المتحالفة معه والقيادات العسكرية المحسوبة على المعسكر اليساري.
خلاصة
نخلص مما سبق إلى أن الانتماء إلى القبيلة لا يمثل مشكلة في حد ذاته إلا في مراحل تحوله إلى عصبية قبلية، وأن ظاهرة التشبث بالهوية القبلية في المجتمع اليمني أحد نواتج الشعور بغياب دولة النظام والقانون و هي ناتج من نواتج غياب الإصلاح السياسي أكثر من كونها عائقا للإصلاح والتغيير.
فالدولة العاجزة عن منح المواطن الشعور بالأمن والسلام، والتي تحولت إلى قبيلة عسكرية أكثر توحشية وأكثر قدرة على ممارسة الفيد والاستئثار، مثل هذه الدولة تتحول إلى مصدر تهديد ومبعث للخوف، وفي هذه الحالة فإن الشعور الغرائزي بالحاجة إلى حماية القبيلة والانتماء إليها يتفاقم ويزداد رسوخاً يوماً بعد أخر على حساب الشعور الحضاري بهوية المواطنة.
في حالة تضافر الجهود للدفع نحو إصلاح سياسي وبناء دولة عادلة فإن القبيلة لن تكون عائقاً في طريق هذا الإصلاح والدراسات الاجتماعية تؤكد أن القبيلة في الظروف الطبيعية لديها الاستعداد للتحرر من الهويات الجبرية فالإنسان الحر في المجتمع الحر يتوق دائما للتخلص من الهويات القسرية.
نظراً لغياب الآليات التي تعالج مشكلة السلطة في التاريخ الإسلامي، فإن معظم الدويلات الإسلامية التي ظهرت في التاريخ الإسلامي قامت على أساس العصبية القبلية، وهذا لا يعني أن هذه المجتمعات لا تتقبل آليات الاجتماع السياسي المعاصرة، وإن كانت تفتقد إليها في واقعها العملي وقد تفاعلت الكثير من الشعوب الإسلامية بصورة إيجابية مع تجارب الإصلاح السياسي، وما يحدث اليوم في تونس ومصر يسقط النظرية الغربية التي ترى أن المواطن العربي عصي على الديمقراطية، ولا تنفع معه غير الأنظمة العسكرية.
الجمهوريات العسكرية العربية انتكست من مجالس الضباط الأحرار إلى مجالس الأبناء والأصهار وهي في طريقها إلى السقوط والانهيار.
وقوف القبيلة في صف الجمهوريين المعتدلين الذين طالبوا بالثورة والديمقراطية في مواجهة تيار الجمهورية والثورة لا يعني أن القبيلة كنت ضد الإصلاح السياسي بل إن الأيام أكدت أن جبهة القبائل الجمهورية كانت أقرب إلى الإصلاح السياسي بمفهومه الديمقراطي من بعض قيادة الجيش المؤدلجة وهذا ما أكده البردوني في قوله" ولعل الحركة القبلية الجمهورية كانت أفطن إذ واصلت مطالبها من 63-67 بالجمهورية العادلة الديمقراطية والشعبية.
بعض الباحثين يخلطون بين هذه الحركة القبلية الرائدة للمطالبة بتعزيز الديمقراطية، وبين عملية الاحتواء لمشايخ القبائل في العقود المتأخرة حين ساهم النظام في تعزيز نفوذ شكلي لبعض مشايخ القبائل على حساب مؤسسات الدولة في محاولة من السلطة العسكرية لتعطيل دور القبيلة في المطالبة بالإصلاح السياسي وتحويلها إلى جزء لا يتجزأ من المنظومة التسلطية العسكرية.

تسلطية بعض مشايخ القبائل الذين يمارسون الظلم والتهجير يعتمد على دعم سياسي من السلطة العسكرية المركزية ويأتي في إطار سياسي وفق نمط الهويات التسلطية المشرعنة التي يستخدمها النظام العسكري لإضعاف المجتمع المدني وإحكام سيطرته العسكرية وتبرير هيمنته على المجتمع.

لا حقيقة لما يشاع عن وجود مشاركة حقيقية للقبائل في السلطة، ووجود القبائل في السلطة ليست أكثر من مشاركة شكلية احتوائية،لأن الحاكم الفردي في طبيعته لا يطيق المشاركة، ولذلك فإن تعاظم نفوذ بعض المشايخ هي مرحلة مؤقتة يفرضها الحاكم العسكري لتثبيت دعائم نظامه ويعمل على احتوائهم بعد ذلك والتخلص منهم، ولهذا يرى ابن خلدون أن صاحب الدولة لا يحرص على إشراك العصبية في السلطة إلا في المرحلة الأولى من مراحل ولايته في طور التأسيس والبناء يقول ابن خلدون "يكون صاحب الدولة في هذا الطور أسوة قومه في اكتساب المجد وجباية المال والمدافعة عن الحوزة والحماية، لا ينفرد دونهم بشيء لأن ذلك هو مقتضى العصبية التي وقع بها الغلب وهي لم تزل بعد بحالها".
أما الطور الثاني من أطوار صاحب الدولة يصفه ابن خلدون ب: طور الاستبداد، استبداد صاحب الدولة على قومه والانفراد دونهم بالملك وكبحهم عن التطاول للمساهمة والمشاركة. ويكون صاحب الدولة في هذا الطور معنياً باصطناع الرجال واتخاذ الموالي والصنائع، والاستكثار من ذلك لجدع أنوف أهل عصبيته وعشيرته المقاسمين له في نسبه، الضاربين في الملك بمثل سهمه. فهو يدافعهم عن الأمر ويصدهم عن موارده ويردهم على أعقابهم، أن يخلصوا إليه، حتى يقر الأمر في نصابه، ويفرد أهل بيته بما يبني من مجده، فيعاني من مدافعتهم ومغالبتهم مثل ما عاناه الأولون في طلب الأمر أو أشد، لأن الأولين دافعوا الأجانب فكان ظهراؤهم على مدافعتهم أهل العصبية بأجمعهم، وهذا يدافع الأقارب لا يظاهره على مدافعتهم إلا الأقل من الأباعد، فيركب صعباً من الأمر".
بناء على ما سبق فإن الاعتقاد أن القبائل عقبة في طريق الإصلاح السياسي لا يقوم على أسس علمية موضوعية قدر قيامه على تصورات مسبقة مثقلة بميراث الصراع الأيدلوجي، وإيحاءات الأنظمة الاستعمارية الخارجية والعسكرية المحلية التي تهدف إلى تيئيس المجتمع المدني من القبائل وصرفهم عن الالتحام بهم في التغيير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.