كتب / مازن رفعت عانقت أحضان البحر ، تمايلت بين أمواجه ، متشبثة برياحه ، لتحافظ على مسارها ، على متنها أناس من مختلف الأجناس ، رجال ونساء وأطفال وشيوخ ، كلهم هربوا من مصير واحد ، الظلم ! وليس أي ظلم ، ظلم الحكام الذين حولوا الحياة إلى جحيم حتى باتوا يحيون أمواتاً ، وبعد أن صارت مواجهة الحكام شكلاً من أشكال الهلاك ، كان الهروب هو الخلاص .
إلى أين يبحرون ؟! ليس مهماً طالما أنهم بعيدون عن سيطرة الحكام ، فأي يابسة تؤيهم من غير حاكم ستكون الجنة بالنسبة لهم ، لذا سلموا أنفسهم لهذه السفينة ولقبطانها الذي كان يقودها بكل هدوء في غرفة القيادة ، بينما انهمك مساعده بتقليب محطات الراديو ، فهتف به القبطان : _ أطفىء هذا الجهاز فقد بدأ يوترني ! أجاب مساعده : ولكن أيها القبطان أنا أبحث عن أخبار سعر العملات ! _ ما شأنك بها ؟! _ أريد أن أعرف إلى أين وصل الدولار ! ابتسم القبطان وقال في ثقة : اطمئن فالمكان الذي نقصده ستعيش فيه ملكاً بدولار واحد ! _ هذه هي المشكلة أيها القبطان ! عقد القبطان حاجبيه وقال مستنكراً : _ مشكلة ؟! لم أفهم ! _ إن تلك الدول ذات العملات المتدنية ، ينمو فيها الدولار حتى يصبح قرشاً يفترس تلك العملات كأنها أسماك صغيرة وعندما ينتهي منها يبدأ بافتراس العائلات الفقيرة ، فلا يعيش بتلك الدول إلا من هم يربون ذلك القرش ! _ إذن عليك أن تصطاد هذا القرش ! هز المساعد كتفيه بيأس وقال : _ للأسف لا يستطيع أحد أن يصطاد هذا القرش إلا من باع روحه له ! ضحك القبطان وقال : لم أعرف أنك فيلسوف ! أخرج المساعد من جيبه ورقة دولار وغمغم : _ انظر أيها القبطان هذه ورقة من فئة دولار واحد ! _ أجل ما بها ؟! _ انظر إلى خلفها ! ماذا ترى ؟ تناول القبطان منه الورقة ودقق النظر فيها ثم أجاب : _ أرى هرماً ! _ ماذا ترى فوق الهرم ؟! ألقى القبطان نظرة اخرى ثم أجاب : عين ! _ هل تعلم إلى ما ترمز إليه هذه العين ؟! هزّ القبطان كتفيه قائلاً : على حد علمي أنها ترمز إلى التنور ! أومأ المساعد برأسه وقال : أجل هذا صحيح ! ولكن هناك من يقول إن هذه العين هي عين الدجال ! هتف القبطان مستنكراً : الدجال ؟! _ أجل ! المسيح الدجال ! _ هل تريد أن تقول إن الدجال هو أمريكي ؟! _ انظر إلى العبارة المكتوبة أسفل الهرم ! نظر القبطان إلى الورقة مجدداً وقطب حاجبيه مغمغماً : _ لم أفهم هذه العبارة ! _ إنها مكتوبة باللاتينية وتعني نظام مدني جديد ! _ يعني ؟! _ ألم تسمع مؤخراً جملة مشابهة لهذه العبارة ؟! _ كلا ! لم أسمع ! _ عُد بذاكرتك إلى صيف 2006 م إلى حرب لبنان ! عصر القبطان ذاكرته إلى أن هتف : _ أجل تذكرت !! ولادة شرق أوسط جديد !! _ بالضبط ! _ ماذا تقصد من وراء كل هذا ؟! _ انظر إلى الورقة مجدداً ! فعل القبطان بنفاد صبر مغمغماً : _ هه ! ماذا هناك أيضاً ؟! _ انظر إلى العين ! . . ما الذي يحيط بها ؟! _ مثلث ! _ بالضبط هو مثلث ! . . عين الدجال ومثلث ! ما الذي يعنيه لك هذا ؟! نظر إليه القبطان بثبات وقال : تقصد أن الدجال يكمن في مثلث برمودا وأنه سبب كل تلك الحوادث التي حصلت في تلك المنطقة! أومأ المساعد برأسه مجيباً : هذا صحيح ! _ خلاصة الحديث أنت تريدني أن أغير وجهتي ! _ قبطان ! لقد أذاعوا في الأخبار أن الدولار ارتفع مجدداً ودخولنا إلى برمودا سيكون حماقة كبيرة ! صرخ القبطان في وجهه غاضباً : هل تريد أن تربط مصيرنا جميعاً بورقة خضراء تافهة ؟!
قال المساعد في توتر : ألا تفهم أيها القبطان أن الدولار يمتلك قوة خفية تؤثر على نشاط تلك المنطقة والعكس صحيح !! _ أنت لست سوى مجنون تربى على الخُرافات ، كل تلك الحوادث التي حصلت هناك مجرد صدفة لا غير ! _ ولكن أيها القبطان . . _ اصمت ! لا أريد أي نقاش ! لست أدري كيف جاريتك في هذا الحديث السخيف . . تخلص من هذا الجهاز الملعون ودعني أعُدْ لعملي ! أطرق المساعد وهز كتفيه بأسى متمتماً : أمرك أيها القبطان ! سارت السفينة في البحر الذي كان هائجاً ، بعد نصف ساعة فقط هدأ البحر فجأة ، هدأ بشكل مريب وكأنه بحيرة راكدة ، ظلت السفينة تشق طريقها حتى دخلت إلى منطقة تغير فيها لون البحر من الأزرق إلى الأخضر ، هتف القبطان وهو يشاهد كل ذلك : ما الذي يحدث ؟!
تنهد مساعده وغمغم : لقد نبهتك ! فات الأوان على التراجع ! نظر إليه القبطان بارتياع ، بدأ الضباب يحيط السفينة شيئاً فشيئاً دب الخوف بين ركاب السفينة ، الأطفال التصقوا بأمهاتهم ، الشيوخ يسبّحون ، بينما بقي الرجال يراقبون بتوتر ، فجأة من بين الضباب وفي عرض البحر ، ظهر زعنف قرش عملاق ، يكاد طوله يصل إلى ثلاثة أمتار ، راح القرش يدور حول السفينة بسرعة جنونية حتى خلق دوامة ابتلعت السفينة في جوفها . استيقظ الركاب ليجدوا أنفسهم وسط ظلام حالك ، كانوا لا يزالون فوق سطح السفينة ، إنما لا يدرون أين هم ، والرؤية صعبة ، أخذ القبطان يهدئهم ، ثم أشعل مصباحه الكهربائي لينير المكان ، فوجد أنهم وسط بحيرة راكدة ، ولم تكن سفينتهم الوحيدة في المكان ، فقد كان حولهم سفن مختلفة وطائرات ، همس القبطان في توتر : ياإلهي أين نحن ؟! لم يكمل جملته حتى ظهر ضوء ساطع من مكان ما ، وجسر يمتد نحوهم ويحط على سطح السفينة ، ثم صوت صارم يأمرهم قائلاً : ترجلوا من السفينة !! كان الصوت قاسياً لدرجة أنه لا يعطي مجالاً للشك في أن من يخالف الأمر سيكون مصيره الموت . ترجلوا جميعهم ليجدوا أنفسهم وسط رجال مُتّشحين بالسواد ، لا تظهر منهم سوى أعينهم التي ترمقهم بنظرات شيطانية ، مشهرين السلاح في وجوههم ، هتف بهم صاحب الصوت المخيف الذي كان واضحاً أنه قائدهم : تحركوا بسرعة !!
انقادوا في طريق مظلم لدرجة أن مقتاديهم انصهروا فيه عدا عيونهم التي تبرق وسط الظلام كالذئاب ، بعد برهة من الزمن رأوا أمامهم منطقة يغطيها ضوء طفيف لم يعرفوا مصدره ، وعندما دخلوا هذه المنطقة المضيئة ، شاهدوا على بعد عشرة أمتار منهم عرشاً حجرياً كبيراً ، لكنهم عجزوا عن رؤية الشخص المتربع عليه وعن الأشخاص الذين يسجدون حول العرش مشكلين حلقة ، وعندما أصبحوا على مسافة قريبة اتسعت عيونهم في ذهول شديد ، فقد تعرفوا إلى هؤلاء الأشخاص الساجدين حول العرش ، لأنهم اعتادوا السجود لهؤلاء الساجدين ، لكن ذلك المعبود القابع فوق عرشه ظل تحت الظلام لأن عرشه كان عالياً ويقع على دائرة مرتفعة عن الأرض بمسافة نصف متر ، قام الرجال المسلحون بدفعهم ليقتربوا من العرش ، وما أن صاروا مواجهين للعرش حتى تضاعفت صدمتهم ، وهتفوا كلهم بصوت واحد : _ أنت ؟!