الأسماء والمعاني والألفاظ وان كانت شرعية وفاضلة إذا تحولت إلى أداة للابتزاز أو وسيلة للتعصب أو سلم لتحقيق المآرب والغايات الدونية فإنها تصبح صنما يعبد من دون الله . ولفظ الوحدة بمدلولاتها إنما دعي إليها لأجل تحقيق هدف أسمى لا يتحقق إلا إذا وجد القدر الكافي من تراص المسلمين وتعاونهم ألا وهو عبادة الله تعالى في الأرض والدفاع عن حياض الأمة والتي لن يتحقق إلا بوجود القدر الكافي منها وبحدود التعاون ( وتعاونوا....) لا الاستحواذ وتحت مضلة الاعتصام بحبل الله الذي هو الإسلام أو القرآن (واعتصموا..) لا بالضم والإلحاق ووحدة التراب ، فالعبرة ليست بحمل الأسماء وادعاء الألفاظ ورفع اليافطات وإنما بالأهداف والنتائج ، فلفظ المهاجرين والأنصار لفظ شرعي ومنقبة لمن هم أهله وعبارة جميلة في سياقها لكنها عندما تحولت في موقف ما إلى دعوة للعصبية والاقتتال والتناحر صارت نتنة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ، كما أن مدلول الاعتصام والتعاون والذي يهدف إلى الحفاظ على حياض الأمة وتقوية شوكتها لا علاقة له البتة بمسمى الوحدة بين قطرين أو نظامين سياسيين قد جمعتهم أهداف سياسية أو اقتصادية في مرحلة تاريخية ما وقد تفرقهم ذات الأسباب فوحدتهم غير ولو حملت اللفظ نفسه . والأمة الإسلامية لم يجمعها خليفة واحد إلا في فترات قصيرة في التاريخ ومع هذا بقت الأمة هي الأمة بل توسعت وانتشر الإسلام في أصقاع الدنيا ولقد انتصرت في معارك سطرها التاريخ بأحرف من نور ولم تجتمع حينها تحت أمير واحد مطلق لكنها اجتمعت معتصمة ومتعاونة وضعف الأمة ليس سببه أنه لا يجمعها أمير واحد فتلك مغالطة تاريخية فقد اجتمعت في زمن تحت أمير و كانت في شدة ضعفها وعجزها وشيخوختها كما حال الدولة العباسية الثانية وآخر الدولة العثمانية . ضعف الأمة وعجزها يأتي عندما يستحوذ عليها حب الدنيا والعمل للذات عندما يضعف التكامل بين أقطارها بشموليته الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعسكري والثقافي ،فلنكن أقطارا متعاونين لنهضة شاملة للأمة خير من أن نكون وحدة واحدة شعارها الظلم وسياستها الفيد وآلياتها البطش والكبت والجهل والإقصاء . وحدتكم يا قوم ليست دينا وحدتكم يا قوم ليست شرفا ولا رفعة ولا خيرا فدعوها فإنها منتنة .