جمعتني بالفنان والشاعر والملحن الراحل محمد علي ميسري جلسات قليلة وكثيراً من اللقاءات العابره التي لا تعد ولازلت اتذكر اهم ثلاث جلسات جمعتني بالراحل الميسري في بداية عام 1994م بالمركز الثقافي بمديرية مودية حينها كان الراحل مسئول عن مكتب الثقافة في مودية فسألته عن بداية وانطلاق مسيرة رحلته الفنية ، فدونت ما سرده علي الميسري عن مسيرته الفنية خلال هذه الجلسات الثلاث والتي سنوردها ان شاء الله في كتاب عن سيرة رحلته الفنية رحمه الله وجزاه عنا خيراً . كان رحمه الله ممتلئ بالحيوية والاجتهاد والمثابرة والقدرة على البذل والعطاء . فتراه اذا شرع في تقديم اي عمل يعمل بدأب عليه منكباً بكل حواسه ينصهر فيه ككتلة من النشاط والحيوية بعزيمه وهمة عاليه فتراه مثابراً مدققاً ومصمماً وحريصاً أن لا يخرج عمله إلا جميلاً ومبدعاً ليقدم للناس ابداعه الفني في ثوبٍ قشيب .
لقد استطاع الفنان والشاعر والملحن محمد علي ميسري يرحمه الله ان يوظف الموروث الشعري الغنائي الذي تزخر به منطقته توظيفاً جيداً ذلك الموروث الملي بمهاجل مواسم البذر والحصاد وزوامل المحاف واصوات لعبة الشرح في الاعراس ودندنات السمر بكل الوانها وتعدد اصواتها (تفعيلاتها الشعرية) ذلك الموروث .. الذي يعتبر كنزاً فريداً ، فأنتقى منه الراحل ما حلي وطاب له فقدم ابداعاً فنياً جميلاً في الزمن الجميل ورحل عنا في الزمن الخسيس دون ان يهم به او يلتفت اليه احد .
كان رحمه الله هادئ الطبع قليل الحديث كثير الاستماع شريفاً عفيفاً قنوعاً اميناً صادقاً متواضعاً كثير الحياء دمث الاخلاق جميل المعشر عزيز النفس وكان يتحلى بالصفات الحميدة والاخلاق الحسنة ، تراه يقابل الناس بوجه بشوش تعلوه مسحة من الابتسامة الصادقه فخلال حياته لم يسئ او يجرح احداً يوماً من الايام فكان مرحوماً من الجميع .
لم يحترف الفن كاسباً او طالباً بل احترفه راغباً في اسعاد الناس فلم يمد يده الى احد او يقرع باب مسئول يوماً من الايام رغم ظروفه وحالة الحاجه والعوز التي يعانيها ، فراتبه الشهري لايزيد عن خمسون الف ريال لم يتحصل على مكافأت او منزل اسوة بزملائه الفنانين بالرغم من كل ذلك لم يشكي الى احد .
لقد استجاب للظروف التي المت به قانعاً صبوراً دون ان يبدي اي كلل او ملل وياليت الحال استمر على هذا المنوال فقد جاءت الاقدار بما لاتشتهي الابصار ، فقد ابتلاه الله قبل عدة سنوات من رحيله بمرض الفشل الكلوي فتقبل مشيئة الله بقلب مؤمن صبور فكان يذهب الى عدن مرتين في الاسبوع لغسل كليتية واثناء الحرب ذهب الى البيضاء ثم الى المكلا بحضرموت رغم الظروف الصعبه التي يعانيها ساير الميسري ظروفه فظل صابراً صامتاً متألما يتلوى في مرضه الى ان وافاه الأجل عاش بيننا فقيراً ورحل عنا فقيراً . اسأل الله ان يتقبله بالرحمة والمغفرة وان يلهم اهله وذويه الصبر والسلوان . إنا لله وإنا اليه راجعون .