كنت مثل غيري أسمع أن في البيضاء مقاومة شديدة ضد الحوثيين, لكنني كنت أستغرب عدم تحقيقها أي نتائج ملموسة في دحر الحوافش على الأرض مثلما فعلت مقاومة الجنوب ومأرب. وبعد زيارة للمناطق التي لم يطلها الغزو الحوثي في البيضاء, ولقائي بالعديد من الناس, وسماع حديثهم تغيرت النظرة تماما. قعدت مع كثيرين وأخبروني أن أغلب الناس في البيضاء لا يعدو تفكيرهم توفير قوت يومهم وتخزينة ليلتهم, ولا هم لهم بتحرير أو مواجهة. وسألت أحد أئمة السلفيين لماذا لم يكن لهم دور مشرف مثل أقرانهم في الجنوب, فأخبرني أن أغلب الناس في البيضاء غير راضين عن المقاومة ولا يريدون أي نشاط, وأخبرني أنه قد بدأ بعمل معسكر لتجميع السلفيين وتدريبهم في منطقته, فجاءه وجهاء قومه يمنعونه عن ذلك حتى لا يجر عليهم البلاء بحسب زعمهم. فما كانت إجابته إلا أن قال لهم بحسرة: أنا ستمنعونني أما أصحاب القاعدة فلا تجرؤون عليهم !. حقيقة الأمر, لا توجد أي حركة مقاومة شعبية في كافة أرجاء البيضاء تناوئ الحوثة والعفافيش ماعدا قيفة وآل حميقان وقليلاً من آل عمر. أما ما يسمع عن عمليات مقاومة في البيضاء خارج هتين المنطقتين, فحقيقة أمرها أنها عمليات إغارة وكمائن قليلة يشنها قلة من أفراد القاعدة وعدد أقل منهم من السلفيين في درب ذي ناعم وطريق البيضاءصنعاء ضد الحوافش. فأما عمليات القاعدة فليست إلا امتدادا لعملياتهم قبل الحرب مع الحوثيين, وأما عمليات السلفيين فمن ندرتها لا تستطيع أن تضع أثراً بارزاً على المجرى العام للحرب. ولعل امرأً يسأل: أين رجال البيضاء ؟ ! نقول له: في البيضاء رجال جُلُّهم مسلحون, بل ويبالغون في حمل السلاح والتباهي به في الأسواق والمجامع, ويتفاخرون بامتلاك نوعياته الجيدة, لكنهم عندما يسمعون قدوم الحوافش تتحرك عقدة الربوع ورهاب الزيدي القابع في أعماق عقلهم الباطن الجمعي, ويجترون ذلك الموروث الذي أسس لهذه العقدة وثبتها, من مثل قول شاعرهم : قال ابن عبدالنبي سالم ** في امصومعه كنت عزاني واليوم لا قابل امزيدي ** ذي جا وانا اعوج وقداني وقول الآخر: يا درب ذي ناعم وياحيد السما ** بتخبرك كم جت من القبلة زيود خمسه وسبعين الف ذي عديتنا ** من عسكر الشامي توطي يا امحيود وبعد ذلك لا ترى من أهل البيضاء إلا التخاذل في مواجهة الحوافش, بل والتخذيل لمن يريد أن يقاوم, والتتعذر بضعف سلاحهم وقلة ذخيرتهم, ثم يسوقون عبارتهم الممجوجة : "ذه دولة ! انته تبا تقاوم دولة ! ". في البيضاء رجال إذا رأيتهم تعجبك جسومهم, ولكن إن يقولوا فلن تعجب لقولهم عندما يتحدثون عن المقاومة. لقد بلغت بهم قلة الحياء والكذب الأخرق أن ينبزوا المقاومة في الجنوب بأنها لم تقاتل, ويرددون عبارة سمجة فحواها أن الحوثة والعفافيش انسحبوا من الجنوب بترتيب مسبق بين الإمارات وأحمد عفاش. أشباه الرجال ولا رجال لم يكتفوا بالعجز والتخذيل, بل صاروا يكذبون على من قاوم ويزعمون أنه لم يقاوم؛ ليستروا عجزهم وقلة مروءتهم في مواجهة من انتهك أرضهم وعاث فيها الفساد. في البيضاء رجال قانعون بالعيش مع العفافيش والحوثة, ولا يهمهم ما يجري من إفساد وتخريب في بلادهم على يد هؤلاء. بل إن منهم من يجاهر في المقايل والأسواق بتأييد الحوثي وعفاش, ولا يخشون أي عادية عليهم. وترى كثيراً منهم يبالغ في إظهار الحجج التي تؤيد الحوافش, فمرة يقولون هم مسلمون فكيف تقاتلونهم, وأخرى يرددون عبارتهم المشهورة التي تنطبق عليهم أكثر من غيرهم: "من يرضاها في أرضه يرضاها في عرضه" وغيرها من الحجج التي ترددها قناة المسيرة واليمن اليوم, ويتناسى هؤلاء الغيورون على العرض أنهم يمكنون لإيران وأتباعها لتنتهك أعراضهم وأعراض باقي اليمنيين. يروى أن الحكومة الشرعية قامت بتجنيد عدد من شباب البيضاء في معسكر العند لتدريبهم وتشكيل قوة لتحرير محافظتهم, وكان أكثرهم يسألون منذ اليوم الأول للتدريب "متى باتدونا امبنادق ؟ ", فأُجيبوا بأن البنادق لن تعطى لهم قبل أن يتموا التدريب ويتوجهوا إلى ميدان المعركة. ولأن هم أكثرهم الحصول على البندقية والفرار بها, وليس من همهم التدريب والإعداد لقتال الحوثة وتطهير محافظتهم من رجسهم, فر ما يقرب من 300 مائة مجند منهم عندما أيقنوا أنهم لن ينالوا البنادق غنيمة باردة وأن دونها مواجهة الحوثة الذين يرعبونهم. مشكلة البيضاني الكامنة في اللاوعي الجمعي أنه يعاني من عقدة الربوع ومن رهاب الزيدي. يظن البيضاني في نفسه أن الزيدي رجل لا يقهر وأن البيضاني أضعف من أن يقف في وجهه, وأن الزيدي حتما منتصر في حروبه عليهم. ومتى ظل هؤلاء الناس بهذه العقلية فلن يتحرروا أبدا بأنفسهم إلا أن يحررهم غيرهم. يشارك أهلَ البيضاء في هذه الخصال أهلُ بيحان ومعظم أهل مكيراس التي تعد امتدادا جغرافيا للبيضاء, وتابعة ادارياً لها. وقد شارك أهل هتين المنطقتين أهل البيضاء الخضوع للعسف الإمامي الزيدي طيلة عقدي العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي مما أكسبهم عقدة الربوع ورهاب الزيدي التي توارثوها جيلا بعد جيل ولم يستطيعوا التحرر منها إلى اليوم. عدن 8/3/2016م