لا تخلو أي أحداث عظيمة تمر بها الأمم من دروس وخبرات يستفاد منها في تجنب أخطاء الماضي وتحسين الأداء في الحاضر والمستقبل. ودروس الحرب ليست جديدة على الأمم. ومن طالع التاريخ سيجد أن معظم الأمم قد مرت بها. وحتى اليمن قد مرت بها في كثير من حقبها السابقة لكن أجيالنا الجديدة لم تعرفها بعد أولم تقرأ التاريخ فتعيها؛ فمحتها يد الزمن من الذاكرة الجمعية للأجيال اليمنية المعاصرة. من هذه الخبرات أن كسب النصر في أي حرب يعتمد على أسباب عديدة متضافرة يكمن في تحقيقها تحقيقه. والتأخر بالأخذ بها سيؤخر الظفر بالحرب إن لم يؤدِ الى هزيمة نكراء حتى إن توفر المقاتلون الشجعان. وحين أشعل المعتدون الزيود والشيعة الحرب في بلادنا لم نكن نفتقر للرجال المقاتلين الأشداء والشجعان. لكنا كنا نفتقد الى أمور كثيرة كانت من أهم عوامل النصر لو أننا اتبعناها. وهنا نسوق بعضها : 1- لم نكن مستعدين للحرب : يقول المولى عز وجل " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ" فعدم استعدادنا للحرب يجعلنا غير مرهوبي الجانب ويغري عدونا بنا ويجرئه على الغزو والعدوان, والاستعداد يجعله يراجع حساباته إن لم يردعه ردعاً تاماً. وكانت هناك أسباب كثيرة لعدم استعدادنا لهذه الحرب منها أن القوى المناوئة للحوثة وعفاش كانت متشاكسة ومتباغضة ومتدابرة؛ لذلك لم ينسقوا أي جهود لتشكيل حلف لمكافحتهم. ومن الأسباب كذلك أن كثيراً من شبابنا كانوا مهمشين سياسيا ومهنيا وليس لديهم الوعي السياسي والعسكري الكافي عن إدارة الصراعات؛ لذلك لم يعدوا ما يستطيعون من قوة. كذلك لم يكن معظم الناس في الجنوب ضمن كيانات سياسية متماسكة قادرة على إنشاء وحدات قتالية تستطيع صد أي عدوان وإيقافه عند بدايته. وقد نهج عفاش نهج إبعاد الجنوبيين عن المؤسسات العسكرية. ومن الأسباب التي جعلتنا غير مستعدين أن الأجيال الجديدة لم تنتظم في سلك الخدمة العسكرية, فلما اندلعت الحرب كان أكثر المقاومين من الفتيان المراهقين, وكانوا يفتقرون للتربية العسكرية والانضباط العالي وللمهارات القتالية من تعامل مع السلاح أو التنظيم في وحدات قتالية أو غيرها من الأمور التي لن يستطيع أحد أن ينتصر في مواجهات مع وحدات قتالية متدربة وشرسة إلا بها. ومن انعدام الاستعداد كان لدينا كثير من الشباب الأغرار أصحاب الحماس الأعمى, كان هؤلاء يتشوقون للقتال وليس لديهم أدنى خبرة عسكرية أو قتالية. وكانوا يرفضون التدريب أو الانصياع للعسكريين الذين يحاولون تدريبهم وتنظيمهم في وحدات قتالية, وكان لديهم اعتداد مبالغ بأنفسهم وحجتهم أنه لا وقت للتدريب بل يجب الذهاب للجبهة. ونخلص من هذا الكلام كله بأنه يجب علينا أن نكون دائما على استعداد بالتأهيل والتدريب والتزود بالسلاح. 2- الافتقار الكمي والنوعي للأسلحة: فقد كان لدينا وفرة من الشباب المستنفر للقتال لكنهم كانوا يعجزون عن الحصول على البنادق والرصاص. كذلك كانت المقاومة في الأيام والأشهر الأولى تفتقر للأسلحة النوعية لا سيما الأسلحة م د والهاونات والرشاشات الثقيلة والعربات القتالية المدرعة.
3- الافتقار لوحدة القيادة كان أشد نقاط الضعف في المقاومة, وقد حرمها من إحراز نصر سريع على أرضها مع تفوقها على الأعداء في العَدد وفي تلقي الدعم الجوي الهائل. وكانت أهم أسباب تأخر النصر أن المقاومة تشكلت من مجاميع كثيرة متفاوتة ولا تخضع لقيادة موحدة والتنسيق بينها شبه معدوم لاسيما في الأشهر الأولى للحرب. وقد كانت معظم هذه المجاميع تفتقر للعمل بروح الفريق. فضلا عن تدابر كثير منها وتشاكسهم. وفي الجهة الأخرى نجد الحوافش يحرزون تقدما على أرض ليست لهم, لأنهم كانوا يخضعون لقيادة موحدة وتنسيق جيد ما بين الحوثة وقوات عفاش.
4- التخلي عن المواقع ذات الأهمية التكتيكية والاستراتيجية لحسم المعركة داخل مدينة عدن. فقد كان كثير من المقاتلين في بداية الحرب ينسحبون عند مواجهة أدنى قصف: وهذه كانت من مشاكل كثير من أفراد المقاومة التي كان أكثر مقاتليها مدنيين غير معبأين نفسيا التعبئة الكافية ولا مؤهلين عسكريا؛ فكانوا يجهلون أهمية الحفاظ على المواقع وأن عليهم الثبات حتى إن سقط القتلى منهم. وقد كان تقهقرهم عند بدء كل قصف سبباً لأن تسقط مواقع كثيرة من مدينة عدن مثل كريتر والمطار وعدد من الجولات ومفارق الطرق والطرق الاستراتيجية مثل جولات الكرّاع والسفينة والرحاب وريجل, وطريق ساحل أبين. وكانت العاقبة أن سيطر الحوافش على كل ذلك وتوغلوا في المدينة واحتلوا جنوبها كاملا وعطلوا علينا أهم المواقع التي كان يمكننا أن نستلم منها الامداد وهي المطار والميناء باستثناء ميناء الزيت الذي بقي بيد مقاومة البريقا. وكان سيطرة الحوافش على الاجزاء الجنوبية والطرق الشرقية للمدينة عاملا مهما في ثباتهم وتأخر نصرنا لمدة طويلة.
5- كان أكثر المقاومين لا يلتفتون إلى المزايا التكتيكية للسيطرة على المباني المرتفعة والتلال كجبل حديد وجزيرة العمال؛ ففقدوا هذه المزايا وتركوها للعدو الذي التقط زمام المبادرة منهم, واحتل هذه المواضع, وبعد ذلك احتاجت المقاومة إلى أشهر طويلة من الكدح والدماء وعشرات القتلى والمآسي الإنسانية لإخراجهم من هذه المواضع. 6- انتشار الخذلان والخيانات: مدة حكم عفاش لليمن التي تجاوزت الثلاثين ومدة حكمه للجنوب التي جاوزت إحدى وعشرين عاما جعلته يخلق شبكة من الموالين له بين القبائل وفي إدارات الدولة وفي كافة أرجاء الجنوب. وكان عفاش يعول على هذه الشبكة من الولاءات في تسهيل إعادة بسط حكمه على الجنوب بالقوة المسلحة. وقد خان أصحاب هذه الولاءات أهلهم ودينهم ومجتمعهم بنصرتهم لمجاميع الغزاة التي جاءت لتقتل أهلهم وتحتل أرضهم. فكانوا سببا في تسهيل احتلال بعض المناطق كشبوة مثلما فعل الاشراف في بيحان أو كما صنع عوض فريد العولقي قائد محور شبوة وأحمد علي الأحول واولاده غازي وعاتق. 7- الزج بالأغرار. فكثير من المعارك كان يزج فيها بشباب لم يعرفوا الحرب من قبل ولم يمارسوا أي تدريب حتى على السلاح, فكان العائد قتلى كثير من الشباب ذهبت دمائهم هدرا, وأعطوا للحوافش بسقوطهم السهل دفعات معنوية قوية حين وجدوا أن أفراد المقاومة أهدافا لينة يسهل صيدهم بالعشرات دون كبير عناء. والحرب لا تزال قائمة بيننا وبين الحوافش وقد تمتد لذلك إن أردنا أن نصد أي عدوان مستقبلي وندك المعتدين فعلينا أن نعد جنودنا إعدادا عاليا وأن لا نسمح بدخول الأغرار إلى ميدان المعركة.
8- انعدام أي جهود أمنية منظمة على مستوى مدينة عدن أو المحافظات وكذلك جهود جمع المعلومات عن العدو. مما جعل قوى المقاومة في حالة عمى استراتيجي في مواجهتها للعدو, فضلا عن ضعف قدراتها على تقدير حجم قوات العدو وتسليحه في الميادين؛ فأثر هذا في قدرات القادة الميدانيين في اتخاذ القرار وأعطاهم تقديرات مبالغة لحجم قوات الحوثة وعفاش ولقدراتهم.
9- كان لانتشار روح الفساد والنهب دور في أن يتغلغل في صفوف المقاومة طلاب الغنيمة والنهب والاختلاس. فأضعفوا بسلوكهم المقاومة وأعطوا قدوة سيئة لكثير من الشباب.
10- عدم وجود غرف عمليات مجهزة بالخرائط وأجهزة الاتصالات عرقل كثيرا جهود مكافحة الحوافش في عدن, وعدم وجود غرف عمليات مشتركة مع طيران التحالف قلل فرص الاستفادة من القوة النارية الهائلة للطيران, بل وأدى لحدوث أخطاء حين كانت المقاومة تتقدم إلى مواقع العدو نجم عنها إصابات بنيران الطائرات الصديقة. لقد مضى قرابة سبعة أشهر على هذه الحرب وهي لا تزال مستعرة, وخلال الأشهر الأربعة الأولى منها عرفنا خبرات كثيرة وقيّمة كان علينا أن ندونها ونذكر الناس بها ليتلافوها في قابل أيامهم. ولقد عانينا في الأشهر الأولى من الحرب من مشاكل كبيرة وخسائر فادحة على الأرض وكادت أن تلحق بنا هزيمة نكراء لولا لطف الله. وحتى لا نكرر أخطاء الماضي علينا أن ندرسه بعناية وأن نتلافى ما وقعنا فيه بالإعداد الجيد والاستفادة من السلام النسبي وبعد مسرح العمليات عنا في توحيد الصفوف والجهود والإعداد المتميز لقواتنا لردع أي عدوان مستقبلي يأتينا من وحوش شمال الشمال.