لم يكن تصريح المجرم الارهابي بنيامين نتنياهو عن أن "إسرائيل الكبرى" مشروع كُلِّف بإقامته روحانياً، حدثاً عابراً أو كشفاً جديداً، بل هو أشبه ببيان انتصار لمخطط جرى إعداده منذ أكثر من ثلاثة قرون، منذ أن وضع آدم وايزهاوبت عام 1771م الأسس الفكرية والتنظيمية لمشروع عالمي يتجاوز الحدود والدول، ويستهدف الأديان والقيم والعقول قبل أن يستهدف الأرض والثروات. منذ ذلك الحين، تشكلت شبكة من المؤامرات المترابطة، من الحروب الكبرى إلى الاغتيالات الموجهة، ومن الانقلابات إلى صناعة الزعامات الموالية، والثورات الموجهه الملونة، كلها حلقات في سلسلة لم تنقطع يوماً، كان هدفها النهائي إيصال المنطقة والعالم إلى اللحظة التي يعلن فيها قادة المشروع قيام الكيان الصهيوني، لا كدولة طبيعية، بل كأداة رئيسية لإدارة النظام العالمي الجديد بشكل مباشر ودون وسيط. إسقاط العثمانيين... وتدشين مرحلة التفكيك البداية العملية كانت بإسقاط الدولة العثمانية من الداخل، _وبغض النظر عن تباين وجهات النظر- التي كانت اخر كيان يجمع العرب والمسلمين في دولة واحدة ، ثم استغلال الحرب العالمية الأولى لوضع ملامح المرحلة قبل النهائية ،بداية بمعاهدة كامبل بانرمان، عام 1907م التي نصت بوضوح على ضرورة زرع كيان غريب في قلب المشرق العربي لمنع نهضته واستقراره وتوحده ومنع وصول اي قيادة او زعامة صالحة لقيادة الامة العربية والاسلامية. ومن هناك، صُنعت القيادات "المفصّلة" على مقاس المشروع، ودُعمت الثورة العربية الكبرى عام 1916، التي تحولت إلى خيانة كبرى، سلّمت فلسطين للوعد البريطاني المشؤوم، ومهّدت لسايكس بيكو التي فتّتت الأمة إلى دويلات هشة على اسس تنتج الصراعات باستمرار وتعمق الانقسامات واطلاق شعارات جوفاء كجزء من التفتيت كالقومية والبعثية والسيادة والاستقلال وغيرها من مسميات غرس ثقافة الانفصال عن الهوية الاسلامية والعربية من جهه وبين العرب انفسهم من جهة اخرى فكما صنعت الحدود الجغرافية بين الشعوب العربية خلقت حدود نفسية وفكرية اكثر عمقا واشد خطرا في فكر و وجدان العرب و المسلمين. الجامعة العربية وصناعة الحُكّام جاء إنشاء الجامعة العربية ضمن المخطط كأداة لتفريغ أي مشروع وحدوي من مضمونه، بينما جرى إعداد حكام عرب ومسلمين بعيدين عن هوية شعوبهم، ليكونوا بيادق تتحرك على رقعة شطرنج، تنفذ ما يُملى عليها دون اعتراض او حتى تفكير وتبرر كل انحراف سياسي او ديني او اخلاقي أو تطبيع. أمريكا... دولة الشذر مذر ومركز القرار وكانت الحرب العالمية الثانية، احدى محطات تلك المؤامرة حيث استكمل تدمير الدول الاوروبية التي لم يستطيعون السيطرة عليها بشكل مطلقا او انتهى دورها وتم نُقل مركز الثقل إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، الدولة التي أنشئت و جُمعت من فسيفساء عرقية ودينية، وثقافية. لتكون سهلة التحكم عبر شعارات الحرية وحقوق الإنسان، والديمقراطية، فيما تمارس في الواقع أبشع أشكال الاستغلال والاستعباد والقهر ونهب الثروات وتنفيذ حلقات مسلسل المؤامرة. صناعة الكوارث وتدوير الأزمات من "الهولوكوست" إلى "الحرب الباردة"، ومن مشروع "الشرق الأوسط الجديد" إلى "الفوضى الخلاقة"، كانت كل أزمة أداة لتعميق سيطرة المشروع. هجمات 11 سبتمبر صنعت كمبرر لاطلاق حرب صليبية على المسلمين كما سماها احد البيادق "جورج بوش الابن ". وكذلك الحروب على أفغانستان والعراق، واغتيال القادة المستقلين، والعلماء كلها خطوات مدروسة مترابطة. الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش لم تكن سوى أدوات مرحلية، خلقت في اقبية الاستخبارات الامريكية والاسرائيلية واتُستخدمت لتدمير الجيوش وتشويه صورة الإسلام، ثم يجري التخلص منها أو إعادة تشكيلها تحت مسميات جديدة. الربيع العربي... الثورات الملونة بنكهة عربية ما سُمي ب"الربيع العربي" كان النسخة الملوّنة من الفوضى، غلاف من الشعارات المبهرة يخفي مشروع تفكيك ممنهج، يفتح الطريق أمام مزيدا من تقسيم المقسم او تصحيح خطاء سايكس بيكو كما وصفها برناند لويس في كتابة "الشرق الاوسط الجديد" الذي وضع فيه مخطط لتقسيمها الى 53 دويلة، او كما وصفها زبغنيو بريجنسكي مستشار الامن القومي الامريكي في كتابه "قطعة الشطرنج الكبرى" والتمهيد للتطبيع العلني والتنازل عن القضايا الكبرى. صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية... الحلقة قبل النهائية وفي ذات السياق، جاءت صفقة القرن كمخطط لإضفاء الشرعية على الاحتلال، وطمس هوية القدس، وتصفيه القضية الفلسطينية نهائياً. ولم تكن الاتفاقيات الإبراهيمية سوى الغطاء الديني والسياسي للتطبيع الشامل العلني، بحيث يتحول الكيان الصهيوني من عدو تاريخي إلى شريك استراتيجي في المنطقة، ضمن رؤية أوسع لدمج إسرائيل في المنطقة اقتصادياً وأمنياً وثقافياً. هذه الخطوات لم تكن ارتجالاً، او مصادفة بل جزءاً من الخطة الممتدة منذ وايزهاوبت، مروراً بوعد بلفور وسايكس بيكو، وكامبديفيد ومبدء ريجن، وحتى يومنا هذا. من رفض المؤامرة إلى صناعة الرافضين حتى الأصوات التي تُظهر رفضاً لنظرية المؤامرة، كثير منها نشأ في بيئة فكرية وإعلامية صاغها المخطط نفسه، بحيث يصبح الجدل حول وجود المؤامرة جزءاً من استراتيجية إخفائها. تصريح نتنياهو... تتويج أم بداية فصل جديد؟ تصريح نتنياهو ليس إعلاناً عن بداية، بل توثيق لانتصار مؤقت لمشروع استمر أكثر من ثلاثة قرون. ونتنياهو نفسه،أصبح أسير هوس المؤامرة ذاتها، حتى كاد يتلبسها ويتقمسها دون أن يدرك أنه مجرد أداة مؤقتة، وأن ما يخفيه له وعي الشعوب قد يكون النهاية غير المتوقعة لمخطط ظنّ أنه يسير بلا عوائق. إنه اليوم يعلن ما كان يُدار في الخفاء، لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام موجة وعي قد تُعيد كتابة المشهد برمّته. الوعي الشعبي العالمي... العائق غير المتوقع وسط هذا المسار الطويل، حدث ما لم يكن في حسبان المخططين: المجازر في فلسطين، خاصةً في غزة، أيقظت وعياً شعبياً عالمياً يتجاوز الإعلام الرسمي الموجه. صور الضحايا، وصرخات الأطفال، وتساقط الجوعى، ودمار كل شي، وصلت إلى وجدان الشعوب في الشرق والغرب، فبدأت موجات تضامن عابرة للحدود والديانات، تكشف زيف الشعارات التي طالما استُعملت لتبرير الجرائم. هذا الوعي الجديد قد يكون القنبلة الموقوتة في قلب المشروع، إذ أنه لا يخضع لسيطرة الإعلام الموجه، ويتغذى على الحقائق المباشرة التي تبثها وسائل التواصل الاجتماعي من قلب الميدان والحدث. لكن السؤال الأهم: هل تدرك الشعوب أن كل هذه الأحداث – من إسقاط العثمانيين الى وعد بلفور وسايسكس بيكو والفوضى الخلاقة وصفقة القرن والاتفاقيات الابراهيمية – ليست حوادث منفصلة، بل خيوط في نسيج واحد؟ الإجابة عن هذا السؤال هي التي ستحدد إن كان هذا الفصل هو نهاية القصة... أم بداية مقاومة جديدة.