تكاد تكون مدينة تعز هي الأكثر تضرراً من التمدد الحوثي في اليمن وذلك لما شهدته من حصار خانق فرضته المليشيات على أبناء تلك المدينة فضلاً عن القصف العشوائي الذي طال الأحياء السكنية وبشكل غير مسبوق والذي سقط على إثره قوافل من الشهداء . لم يكن أبناء تعز يوماً دعاة حرب ولا حملة سلاح أو أهل عدائية ..ما عرفناه عن تعز -ويعرفه العالم كله-أن تعز هي مدينة الثقافة والعلم ،مدينة السلام والحب ،مدينة البناء والحضارة.. ولكن ما حدث لأبنائها جعلهم يضعون أقلامهم في يد ويحملون السلاح في الأخرى دفاعاً عن مدينتهم وكرامة مواطنيها ورفضاً لمشروع قبلي يطمح لمآرب كانت في الماضي البعيد ولم يعد مرحباً بها في الحاضر والمستقبل ذلك الماضي هو مشروع الأمامية المستبد ،الذي كان لأبناء تعز الشرف في القضاء على ذلك المشروع ،وهاهم اليوم مرة أخرى يخرجون بإمكانيات محدودة للقضاء على ذلك المشروع المليشاوي وكأنهم يقولون للزمن: عد بنا قليلاً للوراء فحاضرنا مستمد من ماضينا وعليه سيكون مستقبلنا. إن ما يجري اليوم في تعز يحق لنا أن نحني إجلالاً لتلك التضحيات وأن نقبّل رؤوس أولئك الأبطال الذين يسطرون أروع الملاحم ضد المليشيات المتطرفة وهم يحرزون انتصارات كبيرة تستحق التهليل والتكبير ..لكن المحزن هو الخذلان الذي تتعرض له تعز من الحكومة الشرعية ودول التحالف وذلك بعدم مدّها بالدعم اللازم للتحرير وتحقيق النصر الذي بات قريباً. خذلان غير مبرر ولا يجد له المتابعون تفسيراً ..لماذا أبرمت الوعود بدعم تعز وعندما بدأت رايات النصر ترتفع أرادت الحكومة الشرعية ودول التحالف تنكيسها لا أجد مبرراً لما يحدث إلا ما استنتجته-وقد أكون غير مصيب في ذلك-أن ذنب تعز أنها مدينة وسطى بين محافظات الشمال والجنوب وهي الآن تدفع ثمن موقعها الجغرافي ..أرادوا تعز أن تكون الورقة التي يقايضون بها المليشيات من خلال المفاوضات التي يتم التحضير لها في منتصف الشهر المقبل في الكويت ..قد يستغرب البعض من هذا الطرح ولكن سأوضح سبب طرحي واستنتاجي . يعلم الجميع –ولا يخفى على أحد-الموقف الروسي من دول التحالف العربي بشأن تدخلها في اليمن والذي كان مناهضاً لهذا التدخل ويصفه بالتدخل في شؤون اليمن الداخلية ويصفه بتدخل غير مبرر والذي كان يهدد بالتدخل إن لم يتم وقف ذلك التحالف، لكننا في الأيام الماضية وجدنا تغير كبير في الموقف الروسي وتمثل ذلك بإعلان روسيا أنها غير عازمة على التدخل في اليمن وأنها تدعم الشرعية في اليمن وتؤيد القرار2216 وهنا يكمن السر في خذلان تعز وعدم دعمها من قبل الشرعية والتحالف وذلك لأن روسيا كان ثمن موقفها الأخير هو الحل السياسي للوضع في اليمن وليس الحل العسكري والذي تمخضت عنه محادثات الكويت القادمة. ولما تمثله تعز من خطوة مفصلية وثقل كبير سيغير موازين المعركة لصالح الشرعية ودول التحالف باعتبارها حجر الأساس والقشة التي ستقسم ظهر الحوثيين وصالح في سرعة تحرير المناطق الوسطى ومناطق شمال الشمال كانت ضمن الخطة التحضيرية للمفاوضات المزمع انعقادها في الكويت-برأيي الشخصي- وذلك بتأخير دعمها من الشرعية ودول التحالف . لأن انتصار تعز يعني انتصار الشرعية وفشل الحوثيين في التمسك بورقة رابحة يستطيعون من خلالها ضمان مستقبلهم .. ويتضح ذلك من خلال تمسكهم بتعز وحرصهم عليها أكثر من المحافظات الشمالية. إن المتابع للوضع في تعز سيجد غليان وغضب شعبي كبير ضد الشرعية ممثلة بالرئيس هادي وحكومته.. وشهدت الأيام الماضية في تعز مظاهرات مناهضة للشرعية وهذا ينعكس سلباً على عودة الشرعية في البلاد ..ومن العقل بمكان أن تتنبه الشرعية لهذه الأمور وتعمل على معالجتها ..وإن كانت هناك ثمة اتفاقيات فليست على حساب مدينة عانى أبناءها حصاراً كاد يقتلهم ..ولتعلم الشرعية أنه لامجال للتساهل بتلك الأصوات التي خرجت إلى الشارع تناهضها فلابد من وضع الحلول لامتصاص الغليان الذي كان وليد الخذلان.