لم يَعُد يُخفى على أحد أننا ( الشعب الجنوبي ) شعبٌ منغمسٌ أيَّما انغماسٍ بوحول العاطفة الجيَّاشة ومثمولٌ بها حد اللامعقول . وبالقدر الذي يؤخذ لنا أننا نعيش بيئة الوطنية " المشبَّعة " التي تجعلنا نكفر بكل من نراه مشبوهاً أو لم يتضح لنا مرامه ، أكان ذلك موقفاً سياسياً ، أو حدثاً عابراً أو غير عابر ، أو تصرُّف قائداً أو غيره إلا أنه يؤخذ علينا بأننا شعبٌ مُخدرٌ بالعاطفة ومثمولٌ بها . اعتدنا أن نأخذ الأمور بجزئياتها الضيقة ونؤمن بما هو ضاهرٌ لنا بشكله ، وحجمه ، ونتجاهل ما دون ذلك ، ونبني مواقفنا بما نراه نحن وبما تترجمه لنا عواطفنا وليس بما تقرأهُ لنا تكرار الوقائع التي من المفترض أن نستفيد منها أو تراكمات السياسة " المتقلبة " المحتكمة تماماً لإملاءات المصالح فقط لا غير . لقد أثبتت الوقائع والأحداث أن العاطفة قد استفحلت فينا جميعاً ، وأظهرت كم أننا بمكوناتنا السياسة ونخبنا المثقفة لا نجيد سوى التعبير عن وقائع اللحظة برداتِ فعلٍ غير مدروسة ، بعيداً عن وضع تصورات آنية وتوقع أسوى الاحتمالات ، والاستعداد لمواجهتها ، وطرح الحلول الممكنة التي تمكننا من التعامل الجيد مع هذه الاحتمالات ومع المسائل الطارئة . لم تعد العاطفة مشكلة العامة وحسب بل أيضاً مشكلة النخب السياسية أيضاً ، وهو أمرٌ ضَل سيد الموقف منذ انطلاقة الحراك السلمي الجنوبي. بالأمس أصدر الرئيس " اليمني " عبدربه منصور قرارات بتعيين الجنرال العجوز علي محسن الأحمر سيّء الصيت والسمعة وصاحب التاريخ الأسود تجاه الجنوب نائباً له وبن دغر " رجل صالح الأول " حتى الأمس القريب رئيساً للوزراء ، وبدلاً من أن تدرس قيادات الحراك والمقاومة هذه القرارات بعيداً عن العاطفة من باب أن هذه القرارات تفصح عن التوجُّه الخليجي " الحقيقي " بالنسبة للجنوب ،حيث أنه من المعروف جداً أن هذه القرارات خليجية بامتياز وربما سعودية بالتحديد فهادي مجرد" كومبارس " بيدها ، وإن ذُيلت ( القرارات ) باسم هادي الذي بدوره يذيِّل هذه القرارات بجملة " وتنشر في الجريدة الرسمية " ، وهو يعرف أنه لا يمتلك جريدة رسمية ليضهر جلياً أن الرجل يعشق الكذب على نفسه قبل غيره ، ؛ وبدلاً أيضاً من تدارس أوراق الضغط التي نمتلكها والتي يمكننا إيجادها ونتمكن من خلالها حرف مسار هذا التوجه وفرض سياسة الوجود ؛ خاصةً ونحن مسيطرون على رقعة كبيرة ومهمة من أرض الجنوب ؛ سارعت بعض قيادات الحراك والمقاومة بالدعوة الى مهرجانات" لرفض هذا التعيين " وكأن مشكلتنا تكمن في وجود الأحمر نائباً لهادي وليست مشكلة وطن مغتصب من قِبَل دولة بكامل أركانها . لا أدرِ هل تدرك هذه القيادات أنهم سيُضهروننا كما لو أن مشكلتنا مع أشخاص تم تعيينهم على رأس هرم سلطة صنعاء وليست مشكلة تكمن بقضية وجود مصيرية لشعبٍ بأكمله ؟ وأن المشكلة هي في هذا التوجه لدول التحالف العربي وليست في شخطة القلم من قبل هادي والتي أوصلت محسن الى حيث مكانه " الفعلي " بفعل الدور الذي يلعبه داخلياً وخارجياً فمحسن ما قبل قرار التعيين هو نفسه محسن ما بعد قرار التعيين والدور هو هو بالنسبة لنا في الجنوب ؟ وماهي الرسالة التي ينوون إيصالها غير أنهم سيُضهرون أنفسهم بمضهر الرافضين لوصول أشخاصاً الى سلطة صنعاء فقط ، وليس بمضهر الباحثين عن وطن مازال يعيش تحت وطأة احتلالٍ بعدة مسميات . كان الأولى لقيادات المقاومة الجنوبية كافةً أن تدرك أن الرد على هذا التوجه يكمن في لملمة صفوف المقاومة ، وتوحيدها، وإيجاد مجلس تنسيقي أعلى لها يتولى الإشراف على تدريب المقاتلين وتجهيزهم لرسم الخطط ، وقيادة المرحلة الحرجة، والتوجه لتحرير ما تبقى من شبوة والسيطرة على منابع النفط هناك ، وقطع خطوط التهريب والهدر المستمر لثروة شعب الجنوب ، وتأمين باب المندب غرباً ، ثم التوجه شرقاً الى حضرموت لطرد مليشيات آل الأحمر المتلبسة بالرايات السوداء منها . هنا فقط سنلفت نظر الجميع وسنجبر الجميع على التعامل معنا كند وليس كتابع كما هو حاصل الآن ،ونكون حينها قد خرجنا من دائرة العاطفة لنصل الى دائرة الفعل الحقيقي المتمثل بفرض سياسة الأمر الواقع ، وفرض الأجندات التي تتوافق ونهج ثورتنا التحررية بالسيطرة على الأرض الذي من خلاله سنجعل العالم يقف إذعاناً لإرادتنا .