لعل أخطر مافي خطة ذبح الحراك الجنوبي الذي تتقاسم وزره قوى حول "الشرعية" المقيمة في عدن هي جزئية إغراق رموزه القياديين في بحر البيروقراطية وفي تفاصيل الهموم المعيشية اليومية للجنوبيين من خلال مهام المحافظين ومدراء الأمن واشغالهم عن إدارة الحلقة السياسية لمستقبل الجنوب في هذا الفضاء الجديد الممتلئ بفرص التحولات الكبيرة في موسم يتهافت فيه المجتمع الدولي والإقليمي على ترتيب التسويات النهائية في شكل اليمن السياسي عقب العاصفة من خلال المباحثات التي ترعاها الأممالمتحدة بواسطة المبعوث الدولي الخاص أحمد ولد الشيخ .. ويبدو انه هؤلاء الرموز قد وقعوا في الفخ حينما هيئ لهم أن الاهتمامات الأخيرة بشراكتهم في الحرب هي قروض تستدينها منهم زعامة التحالف العربي ويتوقع ان تتحول فيما - ومع كل التقدير - إلى مواقف حاسمة وتعهدات تشتمل على دعم حقوق الشعب الجنوبي في استعادة دولته السليبة على قاعدة الحق في تقرير المصير .. الحقائق فوق الميدان بقياس المستمسكات - رغم الغلواء العاطفية التي تجتاح الجنوبيين كما هي عادتهم - تقول بكل اسف ان هالة كثيفة من الضبابية تخيم على تحركات رموز الحراك الجنوبي على غرار تحركات القياديين الكبيرين فيه البيض والعطاس ، فحملة العلاقات العامة النشطة التي تبادلوها في عواصم التحالف وداخل أروقة العاصفة البرتوكولية والسياسية والاعلامية لم تترجم - بالنظر إلى النتائج - الى مردود ملموس أو حتى تصريحات من مسؤولين خليجيين يمكن الاستشهاد بها على وجود بذور مواقف متطورة تتسرب على الموقف الثابتة لدول الخليج العربي الداعمة للوحدة في اليمن .. لم نلمس من تلك التحركات بمستواها العالي في هرم القيادة الروحية لتشكيلات الحراك السلمي سوى "مصيدة" الشراكة في السلطة التي تنتظرهم في تعيينات محافظين ينتظر أن تصدر بها قرارات جمهورية تتضمن اسماء تابعة لهما في مناصب محافظين لمحافظاتأبين ولحج وشبوة وحضرموت .. تلك الطموحات والتحركات وغلواء العاطفة غير المبررة التي تسوق لها بين الناس لم تغنم منها الحركة النضالية الجنوبية حتى الآن إلا المزيد من الشكوك حول النوايا المحيطة بعناصر تقدير القضية الحنوبية في ذهن التحالف العربي ، فالى الان لا يبدو للعيان ان هناك اختراقات استراتيجية كبرى ينتظر أن تحملها تحولات الاوضاع في اليمن من وجهة نظر الحلفاء بإتجاه الميل إلى الجنوبيين ، فإلى جنيف2 ذهبت شبكة العلاقات السياسية الي جثمت جراء تحولات 11 فبراير 2011م ، بينما اقعد الحراكيون على ذمة التغني بحادثة رفع العلم ذي النجمة الحمراء على مبنى إدارة المحافظة ب م/عدن ، مع كامل أحترامي لكل الدلالات الرمزية والمعنوية التي تعنيها خطوة رفع العلم في قلوب اهالي عدن .. تلك الضبابية الطافية على استراتيجيات الحراك الجنوبي مرشحة لأن تتحول إلى غابة من السراب ويليق بها أن تصحو في تلك الغابة طالما وان العلاقات المصيرية القائمة بين طرفي الوهم في علاقات الحراك بأهداف التحالف العربي من حرب عاصفة الحزم يسيطر فيها طرف الحراك الجنوبي على كامل حصة الوهم ، خصوصاً وأن طيف الوهم الذي احتكر عليه الحراك الجنوبي في سوق مضاربات العاصفة يتسع في قواعد رؤيته وفلسفاته القائمة على تسطيح عريض يهين الثقة التي يوليها الجنوبيون لتلك القيادات "المراهقة" في الداخل والخارج .. أخشى أن يعود المراهقون إلى الوعي بعدما يكون التفكيك قد انتقل الى جزئية نفض الحاضنة الشعبية من حول الحراك الجنوبي بادخال جموع جماهيره في محافظات الجنوب في اتون سوق متابعة العطايا والمكرمات النقدية التي تجود بها دول الخليج على الجنوبيين بين فينة والاخرى ، علاوة على ما يمكن أن تجره تلك المكرمات من إحساس كاذب في نفوس الجنوبيين بتحقق "الجنة الحنوبية" وقد تكون طلائع الشباب المقاتلة من شريحة الحراكيين التي تتسرب في مشاريع التجييش التي ترعاها الإمارات العربية المتحدة أهم العوامل المنزوعة من قوة الحراك الجنوبي بل قد تتحول إلى عصى غليظة بيد حكومة " الشرعية" التي لربما قد تهوي على رؤوس الحراكيين أن هم قرروا الخروج من بيت الطاعة الشرعية .. ان تحويل مركبات الحراك الفكرية والقيادية والخطابية -دون مقدمات ضرورية- إلى حالة إدارة سائلة في محافظات الجنوب دون ساند موضوعي -وفي وضع عدم الوضوح - وفي ظل اشتعال المعوقات الصعبة التي تتمترس لهذه المهمة في الميدان يعني فيما يعنيه أن الحراك الجنوبي يستعجل الفشل حينما يزج بمشروعه المبتدئ في وضع اختبار صعب يرتقي الى وصف المهمة المستحيلة خاصة في ظروف "بعد التحرير" التي غالبا ما تتصف بصعوبة مطبقة سيما وأن جميع الجراح التي قاساها المسحوقين جراء الاستبداد تنتفض وتطفو مجتمعة عقب النصر مطالبة بتحقيق إشباع ناجز يستحيل على طاقم الحراك الجنوبي أن يملؤه بجيوب فارغة وبمحفظة إدارية قادرة على إدارة تلك الاستحقاقات شبه مفلسة ، الحراك الذي يقدم حالا منتظما من الفشل في إدارة القضية الحنوبية في وضع المعارضة حتما سيتعثر في محاولاته اليائسة لإدارة تلك القضية من وضع الحكم الجزئي الذي أتيح له أنفا في محافظة عدن .. واظن ان الذهن التخطيطي متولي الاشراف على مصفوفة تفكيك الحراك الجنوبي يعتنق فيما يعتنقه فكرة أن الحراك الجنوبي الغارق في الالتباس هو في أتم الاستعداد اليوم لحيازة الشروط المطلوبة لإفساد مسيرته الشعبية اذا تسنى للخطة أن تدفعه إلى اتخاذ موقف متسرع يجعله من رعاة المنظومة الحاكمة المتولية زمام السلطة عدن مع أنها في أبجديات الأدب النظالي لانصار القضية الجنوبية اداة ووريث السلطة القائمة على الخرائط والمحددات الرسمية لنظام 7/7/1994م الغريم التقليدي لحقوق الجنوبيين .. السؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا التحليل ، هل سيبكي الجنوبيون في الصيف على اللبن المسكوب ؟؟؟ قلنا في الجزء الأول من هذا المقال أن الهدف من تقريب الحراك الجنوبي من غنائم الحكم هو التفكيك البطيء لمقومات القوة التي تتوافر عليها مركبات الحراك الجنوبي وحين تتدافع فصول المؤامرة في المخطط بإتجاه الحبكة الرئيسية يكون الحراك الجنوبي قد خرج عن سياق التاريخ وجاوز زمام التعقل وتردى في سكرة الحكم الى الحد الذي تسول له شهوة الحكم محاولة الانقلاب على سلطة هادي فيكون الطريق ممهدا لإعادة إنتاج بيئة المبادرة الخليجية في صورة حماية الشرعية الدستورية التي تتعرض للمخاطر من المحاولات اليائسة التي يقوم يقوم بها الحراك "المهترئ" ويحقق بها أمنيات مريديه في الدخول إلى حال الموت السريري بعد أن تم استدراجه بخطة محكمة طويلة النفس إلى مذبح "الشرعية" الدستورية ... وفي المعسكر الموازي تستكمل تجهيزات الخطة بتجييش البديل الحربي المعهود إليه مهمة تصفية البقايا المتبقية من مغامرة الحراك الجنوبي بعد الانتهاء من تفكيكه في تجربته الذائبة في محلول الخطايا العقيمة التي صاحبت اختيارات رموز الحراك في المنعطفات الكبرى .. حيث تقود المعلومات التي تفيد بتحقيق القوات الموالية للشرعية في الشمال انتصارات مهمة في محافظتي الجوف ومارب وعودة التأثير في قرارات الشماليين إلى الوجوه التي ارتبطت بفكرة الوحدة اليمنية كنموذج للضم والالحاق ، عودة بيوتات استباحة الجنوب من وزن علي محسن وأسرة ال الأحمر إلى موقع القيادة في مصير الشماليين يؤكد المخاوف التي تتحدث عن موجة ثانية للغزو الشمالي للجنوب ستكون هذه المرة افدح وقعا لانها ستشن بعناوين جنوبية بارزة وتحت مظلة الشرعية الحالية التي كانت آنذاك جزء من تحالف الغزو الذي احتاج الجنوب في 7/7/1994 .. ستكون افدح وقعا لانها ستعتضد بيافطة شرعية دولية قد تقوى بها تلك النوايا لتصل إلى مستوى نقطة اتحاد دولي يشرعن للحملة على الجنوب ، وبكل أسف ستكون نظرية الوحدة المعمدة بالدم التي كانت شعارا للوحشية ضد الجنوبيين خيارا دوليا إقليميا واسع النطاق ينجر في تبسيطاته للاوضاع في اليمن الى اعتبار جزئية الوحدة في اليمن في جهوده لإعادة الاستقرار إلى اليمن ، اساسا ، في مقررات التسوية ويجعل منها ملتزما ضروريا يرتبط بمقومات التسوية الشاملة في اليمن ارتباطا لا يقبل التجزئة .. العامل الشمالي هو القديم المتجدد في "الكيد المشترك " الذي يتفق على افشال مشروع الجنوب الحر مهما تشاجرت فصائله بخصو حصص التوزيع لكنها في المحصلة تتفق على اضلاع هذا الكيد المتوافق على موضوع إدارة اليمن المتحد عقب انتهاء عاصفة الحزم بطريقة تتجنب بروز القضية الجنوبية كشوكة في حلوق نواياها في استرداد عداد اليمن السياسي إلى حقبة فبراير 2012م التي انتعشت فيها .. وهنا علينا أن نقلق من سيناريوهات مفاجئة قد تنقلب بها خارطة الصراع في الشمال إلى توجيه مشترك يسوق الجحافل المتناحرة هناك دون تدرج في المنطق إلى غزو الجنوبيين تحت اية لافتة طالما أن المقصود حمايته هو منجز الوحدة التي لا تالفها تلك الجحافل الغازية إلا وهي مغموسة بالدم ، هنا ستكون الشرعية الدستورية التي كانت سببا في الحرب الدامية الاخيرة مجرد استطراد عابر على مفصلية خيار الوحدة الذي يوازي معنى "العيش" فيما إذا طلب من جموع الشماليين أن يحددوا تعريفا لمعنى الوحدة .. ولكن ماذا عن خيارات الصراع المتاحة بيد الحراك الجنوبي ؟ واين تكمن التعادلات الميدانية التي قد تتسنى من حليف مقترح يمكن ان يساهم في ترجيح كفة التوازن في هذا التكالب المتقن ضد الحراك الجنوبي وضد القضية الحنوبية ؟ ،،،