أصبح صادق خان، الوزير السابق وعضو مجلس العموم البريطاني عمدة للندن. فاز مرشح حزب العمال ببرنامجه الانتخابي الذي نال اعجاب اللندنيين. تستحق لندن وهي عاصمة عالمية شابا طموحا من نوع خان. لم ينظر أحد من الناخبين الذين مالت أصواتهم بكفة الميزان لصالح خان إلى دينه الذي لم يكن له ذكر في برنامجه الانتخابي. كونه مسلما من أصول باكستانية لم ينطو على أية دلالة، إلا تلك التي تشير إلى عمق وقوة المبادئ الديمقراطية في مجتمع المواطنة الذي يقوم على التنوع والاختلاف والصدق في المواجهة والحرص على النزاهة. مجتمع نقدي من ذلك النوع لا يخاف من أفكار أبنائه الذين أنشأهم لكي يكونوا بناة لمستقبله المضمون. لا يعني اسلام صادق خان أحدا سواه. عمدة لندن هو رجل سياسة وليس مبشرا دينيا. وكما أرى فإن سعادة مسلمي بريطانيا لصعود خان هو نوع من الشكر للمجتمع الذي يعيشون في كنفه مواطنين أسوياء. هل كان البريطانيون وهم يذهبون إلى صناديق الاقتراع يفكرون في أن يسطروا درسا جديدا من دروس تربيتهم الديمقراطية؟ لا أعتقد أن أحدا فكر بتلك الطريقة. المسالة، كل المسالة تتعلق بمستقبل مدينة يحبونها. لذلك فإن الطابع الديني الذي أسبغه بعض المسلمين على تلك المسألة هو نوع من التهريج الذي وصل إلى درجة الاسفاف الذي ينطوي على الكثير من الشعور بالخيبة. خيبة المسلمين بأنفسهم وهم يرون بأعينهم ما فعلته أيديهم حين انتجت وحوشا طائفية، صارت تقف بين المرء ودينه. فكيف إذا تعلق الموضوع بعلاقة المرء بوطنه؟ صادق خان مواطن بريطاني أولا. اما دينه فإنه موضوع شخصي. أمر يسير لمَن يعرف جيدا أصول الدرس الديمقراطي غير أنه شديد التعقيد بالنسبة لمجتمعات حولت أجمل ما لديها إلى وسائل للقتل واستثمار العنف. وإذا ما كان البعض يصر على أن انتخاب خان عمدة للندن ينطوي على تنامي قوة المسلمين في بريطانيا فإن الدرس البريطاني ينطوي في حقيقته على الفكرة التي تؤكد أن الإسلام، دينا في حد ذاته لا يخيف أحدا هنا. الذي يخيف فعلا هو اعتماد الإسلام معيارا للحكم على الآخرين. الدليل على ذلك أن أحدا من ناخبي خان لم يقل كلمة واحدة تتعلق بدين الرجل الذي أصبح عمدة للندن. سيقال لك لو أنك استغربت سلوكهم "وهل كان من سبقوه مسيحيين؟" هناك الكثير من الكذب المبالغ فيه في الحديث عن فوبيا الإسلام. هل هناك خوف من المسلمين؟ ولكن كيف يمكننا أن نميز المسلم عن سواه في مدينة كونية مثل لندن؟ يقع ذلك التمييز في حالة واحدة. حالة يكون فيه المسلم قد قرر أن يميز نفسه. وهو ما يرفضه مجتمع قائم على التجانس من خلال التنوع. أتأمل كل نهار مشهد الناس في العاصمة البريطانية وأفكر في بغداد أيام العباسيين، يوم كانت عاصمة الدنيا. ولكن لمَ أذهب بعيدا. حين قامت الدولة الحديثة في العراق في عشرينات القرن الماضي كان هناك وزراء يهود ومسيحيون وصابئة وأكراد. لم تكن الدولة التي ينص دستورها على اسلامها وعروبتها تحرم مواطنيها من الصعود إلى أرقى المناصب بسبب كونهم ليسوا مسلمين أو عربا. لا تخاف الأمم المتحضرة من دين مواطنيها ولا من اصولهم العرقية، ما داموا قد وضعوا مواهبهم وكفاءاتهم في خدمة مشروعها الإنساني النبيل. صادق خان هو نموذج البريطاني الجديد الذي تقدمه بريطانيا إلى العالم. صحيح أنه يمثل في الوقت نفسه نموذجا للمسلم المعتدل، غير أن الأصح أن الرجل لم يطرح اعتداله الديني فقرة في برنامجه الانتخابي. كان الدين آخر ما يفكر فيه على مستوى تعامله مع الآخرين. نفخر لأن عمدة لندن الجديد مسلم. ولكن النسبة الكبيرة من أسباب ذلك الفخر تعود إلى الشعب البريطاني الذي احتضن صادق خان ابنا ورباه وعلمه وسلمه الأمانة باعتزاز.