كانت الساعة الثانية بعد الظهر حينما خرج " محمد باصالح" من منزله بحي سواحل وسط مدينة زنجبار حاملا قنينة مياه كبيرة . الشمس حارقة والأجواء حارة التفت "باصالح" إلى زوجته وقال :" حاولي ان تعملي الفطور سريع .. باروح اجيب ماء من البير . منذ أكثر من عام دأب باصالح على جلب الماء على ظهر عربة صغيرة يجرها حمار من بئر قريبة من الحي الذي يسكن فيه. يمارس أهالي زنجبار منذ أكثر من عام نفس الطقوس عقب انقطاع المياه عن المدينة بسبب الحرب . يعيش عشرات الآلاف من أهالي زنجبار وجارتها "جعار" بمحافظة أبين منذ أكثر من عام ونصف على نفس هذه الوضعية دونما تدخل من احد . محمد قرواش معلم بمدرسة موحدة تقع في الأطراف الشرقية من المدينة . يقف قرواش صباح كل يوم ليلقي درسا على تلاميذه لكن شدة الحرارة تمنعه من اكمال ربع الحصة التعليمية المقررة . مروحة وحيدة تلتصق بسقف الغرفة لم تتحرك منذ عام ولايبدو أنها ستتحرك عما قريب . في اوائل ابريل من العام 2015 اصدر الرئيس اليمني عقب فراره من عدن قرارا قضى بتعيين "الخضر السعيدي" محافظا لابين . يتهم السعيدي بممارسة أعمال فساد خلال توليه منصب مدير عام مكتب الصحة في المحافظة قبل سنوات . يطل "قرواش" برأسه من الدور الثاني في المدرسة التي يعمل بها ، تبدو مساكن زنجبار ممتدة وساكنة ، يشير بيده نحوها ويقول :" كل هذه الناس لم تتفق قط مثل اتفاقها اليوم على ضرورة تغيير المحافظ السعيدي ، لقد كسب لقب أول محافظ تتفق جميع الناس على ضرورة تغييره . تعرضت زنجبار في العام 2011 لعملية تدمير ضخمة جدا جراء الحرب التي دارت بين القاعدة والجيش وعاد إليها أهلها عقب عام كامل من النزوح إلى مدن أخرى . كانت زنجبار أول مدينة عربية يغادرها كل أهلها جراء اندلاع الحرب فيها وحينما اندلعت حرب 2015 في اليمن غادر الآلاف من المدينة وتحولت اطرافها الغربية والجنوبية والشرقية لساحات معارك مع القوات الموالية للحوثيين وصالح . تمكنت المقاومة الجنوبية من طرد الحوثيين في نهاية يوليو من العام 2015 لكن المدينة ظلت خالية الوفاض من أي حضور حقيقي للحكومة . ورويدا بدأ واضحا ان عناصر تنظيم القاعدة في طريقهم إلى العودة إلى المدينة التي شهدت لاحقا اشتباكات بين عناصر اللجان الشعبية وعناصر القاعدة الذين تمكنوا من السيطرة على زنجبار وجعار بشكل كامل .
وعلى خلاف مايعتقد رفض الأهالي هذا التواجد وخرجوا بتظاهرات حاشدة رفضوا فيها وجود القاعدة قبل ان ينتهي الأمر بموافقة التنظيم على الخروج من المدينة . أعلن التنظيم موافقته على الخروج من المدينة لكن وبدلا من ان تعود الحكومة لممارسة مهام عملها لاتزال غائبة وكأن لا شيء يعنيها . يجر "صالح الطميسي" عربة يد صغيرة على طول شارع عام بمدينة زنجبار ويجمع العشرات من علب المياه البلاستيكية الفارغة . عمل "الطميسي" لسنوات طويلة في صندوق النظافة بزنجبار لكنه منذ أكثر من عام لم يتسلم مرتبه ويعيش وأسرته على ماتوفره له عملية جمع المواد البلاستيكية من نقود. قبل اسبوعين من اليوم حمل الطميسي وزملاء له نفايات ورموها داخل مكتب محافظ أبين الذي لم يعد حتى اليوم . يقول الطميسي:" شلينا القمامة ورميناها في مكتب السعيدي .. قلنا يمكن الحكومة تخجل على نفسها ، الناس تموت هنا لاكهرباء لا مياه لارواتب لا امن ولا امان . في مدينة جعار القريبة من زنجبار يقع مشفى "الرازي الحكومي" اكتسب هذا المشفى شهرته خلال العقود الماضية باعتباره احد ابرز المستشفيات في جنوباليمن . يعيش هذا المشفى اليوم اسوأ اوضاعه دون ان يكون هنالك أي تحرك حكومي حقيقي . يجاهد " علوي الفضلي" وهو طبيب لمساعدة العشرات من المرضى الذين يصلون إلى المشفى كل يوم . يؤكد "الفضلي" ان الكثير من الناس باتت تموت بصمت في زنجبار وجعار دون ان يعلم بهم احد . يوضح الفضلي ان الكثير من مرضى السكر والضغط توفوا بسبب ارتفاع درجة الحرارة لكن ايا من الأطراف الحكومية لايلتفت إلى مايحدث في زنجبار أو جعار . يصمت قليلا ويضيف :" الناس هنا تموت بصمت .