لم أكن أعلم أن موضوع موزاييك الانتماء والثقافة لليمن، يمكن أن يقابل بهذه الدرجة من الاستحسان، وقد أفضى ذلك إلى فتح الباب لمزيد من الرصد حول تباين وجهات النظر، إزاء مفهوم الولاء الوطني في عموم اليمن، وارتباط ذلك بمفهوم الولاء القومي. نتوقف أمام المواقف الفكرية والسياسية لبعض قمم الفكر والسياسة في الساحة اليمنية والذين يفترض أن يواكبوا وبقوة، مسار الأحداث في بلادهم، يتأثرون بها ويحددون مواقفهم إزاء الديكتاتورية والفساد والخيانة، ويناصرون العدالة والديمقراطية وإقامة الدولة الحديثة. إن موقف أي مثقف يجب أن ينطلق من الالتزام بقضايا وطنه والحرص على الثوابت الوطنية بكل ما يمتلك من قوة وتأثير. بيده أولاً فإن لم يستطع فبلسانه وهذا أضعف الإيمان. إلّا أن ما حدث في حالة بعض المثقفين الكبار مدعاة للحيرة والارتباك، فقد رصدنا ورصد غيرنا ظاهرة محيرة، وغير منطقية رافقت مواقف بعض كبار المثقفين اليمنيين بدأت قبيل انتفاضة الشباب، ضد استبداد علي عبدالله صالح، وأثناء الحروب الست بين صالح والحوثيين، حين كان الإعلام العربي يسلط أضواءه، لمعالجة تفاصيل تلك الحروب، وكان بعض من قمم الفكر ينأون بأنفسهم بعيداً عن معانات الناس، وكأن ما يحدث من حرب ضروس في بلادهم يُجرى على كوكب آخر، بل إن بعضهم تجنب في لحظات المواجهات الساخنة بين أنصار الشرعية وأنصار الانقلابيين، الكتابة حول هذه الموضوعات، وراحوا يناقشون قضايا عربية ودولية أخرى. ولم أجد تبريراً لذلك إلّا أنه هروب من موقع الاشتباك والخوف من النتائج. كان مشهداً حزيناً أن نجد من ينأى بنفسه عن الخوض في شؤون اليمن، فيما كانت المعارك في اليمن تشهد فصولاً مهولة من القتل والتدمير، وقصف المدن وتهديم الأحياء على رؤوس المدنيين، كما هي حال مدينة تعز التي تتعرض لقصف وحصار من جانب الحوثيين، من دون رحمة. وفيما كانت المشاهد تملأ الشاشات العربية والعالمية، وفي حين كان كتاب الوطن العربي يتآسون على ما حل باليمن من كوارث ومحن، كان بعض كتاب ومفكري اليمن الكبار يداومون على الكتابة عن قضايا عربية وعالمية من دون الاقتراب من مشاكل وطنهم وهمومه، من تقديم أي سبب لهذا الهروب. ويتكرر هذا الغياب للمثقف اليمني في العزوف عن مواكبة قضايا بلاده بالخوض في قضايا عربية وعالمية، لدى بعض السياسيين ممن كانت لهم صولات وجولات في أيام السلم، ولكنهم أُخذوا على حين غرة بالحرب الأهلية التي فجرها الحوثيون، فتركوا الساحة وتركوا اليمن وذهبوا إلى منافٍ مختارة بعناية، بعيداً عن النار والقتل الذي دمر المدن اليمنية وأفنى أهلها دون أن تُذرف لهم دمعة أو ترتفع همسة احتجاج، حتى أننا لم نسمع منهم رسالة تعزية لأقارب الشهداء الذين يسقطون كل يوم ضحايا الهمجية. والغريب في الأمر أن هناك من يمضي في حلم القيادة والزعامة، ويشيع فيمن حوله من أقارب وأصحاب مصالح، أن الحكم وفي بعض الأحيان رئاسة اليمن الجديد، سوف تؤول في آخر المطاف إليه، ويُمني نفسه باعتلاء «عرش اليمن» قناعة منه بأن حكم اليمن مفصل على مقاسه ومقاس غيره، ممن شاركوا في الفساد ونهب الحقوق. هناك قائمة كبيرة من السياسيين الذين كانوا يملؤون الفضاء التلفزيوني والفضاء الافتراضي إدارة وحضوراً ومشاركات في الشأن اليمني، لكنهم حين زادت حدة المواجهات بين الخير والشر في اليمن اختفوا عن الأنظار، وبحثوا عن منافٍ يتوفر فيها الأمان. ورغم كل ذلك لابد لليمن أن يحظى بالسلام والاستقرار، وحين يأتي نظام سياسي عادل، ويكون الشعب مصدر سلطاته، فلابد أنه سيحاسب هؤلاء على أفعالهم، من أجل اليمن ومستقبله وأبنائه. الخليج