احتفلت عدن ومعها العديد من المدن الجنوبية بالذكرى الأولى لخروج قوات المتمردين الحوافيش منها ، بعد معاناة دامت أثنين وعشرين عاماً عانى المواطن الجنوبي شتى أصناف الذل والإهانة والقمع والقتل العشوائي على أيدي هذه القوات دون رقيب أو حسيب من أحد ، وبفضل تضحيات وصمود رجال المقاومة الجنوبية المدعومين من قوات التحالف العربي ، تحقق هذا النصر في فترة قياسية جدا لا تتجاوز عدة أسابيع ، في الوقت الذي لازالت الكثير من المناطق ترزح تحت هيمنة المتمردين ، كم كانت الفرحة عظيمة بهذا النصر الذي أٌنْجِزَ على هذه القوات المعتدية والغَازِيَة بعد معاناة كبيرة ، وكنا نتوقع أن تحتفي الشرعية ووزراؤها ومَنْ أيدها بهذا الإنجاز الكبير في ظل تعثر الحسم العسكري في الشمال وتعقد الوضع العسكري ، لكن ما حصل للأسف العكس ، فقد أغاظ هذا النصر كل الذين يتظاهرون بتأييد الشرعية ، وهم في حقيقة الأمر يحنٌّون لعهد الزعيم ويعملون لصالح نظامه سرا ، فقد أخذوا يكيلون التهم جزافا لرجال المقاومة الجنوبية الأبطال تارة يصفونهم بالعمالة لإيران ، وتارة أخرى بالعنصريين ، لو كان هؤلاء الرجال عملاء حقاً لإيران ، لما تصدوا بكل بسالة وشجاعة لمشروعها التوسعي نحو الجنوب على أيدي الحوثيين و قوات حليفهم الرئيس السابق في حربهم ضد الجنوب في 2015 م التي كانت أكثر ضراوة وشدة وحقدا للتدمير الهائل الذي أحدثه هذا العدوان في البنية التحتية وفي نفسية الإنسان الجنوبي ، حيث لازال المواطن في الجنوب يعاني معاناة شديدة ولا سيما في المناطق المحررة منها، وتتمثل هذه المعاناة في تردي الخدمات بشكل كبير وكارثي ، ولاسيما خدمات المياه التي تغيب أياما عن بعض أحياء المدن كمدينة عدن الباسلة ، وخدمات الكهرباء التي تزيد انقطاعاتها عن بعضها لعشر ساعات متواصلة أو متقطعة في شدة حرارة الصيف وارتفاع درجة الرطوبة ، ناهيك عن تردي الخدمات الصحية وانتشار الأمراض كحمى الضنك التي تفتك بالمواطنين في العديد من المناطق وغيرها من الأمراض . لقد كان من المتوقع والمامول أن تعطي الشرعية وحكومتها الموقرة ، عناية خاصة للمناطق المحررة برفع المعاناة عن سكانها والعمل على تحسين الخدمات ، وبدرجة أساسية خدمات المياه والكهرباء والصحة ، لكن الأمور أخذت تسير إلى الأسوأ في العديد من مدن الجنوب ، وفي العاصمة عدن بالذات ، فالحكومة التي تتواجد في قصر المعاشيق ، تقف متفرجة أمام هذه المعاناة ، وكأن لسان حالها يقول : هذا ما جانيتموه على أنفسكم بتحرركم ، فهي بارعة في إصدار التصريحات والبيانات الصحفية وعقد اللقاءات ، لكنها عاجزة تماما عن إيجاد حلول لمشكلات المناطق المحررة التي تفاقمت بوجودها ، فهي لم تأت من أجل هذه المهمة ، بل مهمتها زيادة معاناة الجنوبيين وإرغامهم على الاعتراف بشرعية نظام كان المسؤول عن قتل أبنائهم وانتهاك حرماتهم وتدمير مدنهم ونهب ثرواتهم وتدمير مؤسساتهم باسم الوحدة ، حيث لازال الدم الجنوبي ينزف حتى اليوم ، ولازالت مدينة المكلا وحضرموت كلها في حالة صدمة وحزن من حادثة ليلة الثالثة والعشرين من رمضان ، وكذلك عدن من حادثة معسكر الصولبان ، ولم نسمع كلمة إدانة أو شجب من علماء أو من وزراء حكومة الشرعية ، أو من ساسة وإعلاميين ممن يقبعون في الرياض محسوبين على الشرعية لمثل هذه الاعمال التي تستهدف الجنوبيين ، مثل ما أخذوا يمجدون ويطبلون لذكرى 7 يوليو المشؤمة ، ذكرى احتلال الجنوب من قبل قوات الرئيس السابق ، التي بدأ الجنوبيون ينسونها وما سببته لهم من آلام ومآسي في معمعان فرحة النصر ومعاناة الحياة اليومية ومشكلاتها التي لا تنتهي التي فرضتها ظروف الحرب والعدوان .