حضرموت.. قنابل ضوئية على محيط مطار سيئون واتهامات متبادلة بشأن اشتباكات الشحر وحدتها تتصاعد    العليمي يشن الحروب على الجنوب لحماية سرقاته لنفط شبوة وحضرموت    إدانات واسعة تجاه اعتراف العدو الصهيوني بإقليم " أرض الصومال "الانفصالي.. اسرائيل تناور بالاعتراف هروباً من الحصار    هنأ الشعب بمناسبة جمعة رجب.. قائد الثورة: لابد أن نكون في حالة يقظة مستمرة وروحية جهادية عالية    هل حان الوقت لتجريم الاستعمار    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    قوات النجدة بأمانة العاصمة تستعيد 3 دراجات نارية مسروقة    وكيل وزارة الخارجية يشيد بدورالصليب الأحمر في ملف الأسرى    فلسطين الوطن البشارة    الشؤون الخارجية بالانتقالي تبحث التعاون مع المفوضية السامية وتؤكد احترام المجلس لحقوق الإنسان    العرادة يدشن حزمة مشاريع خدمية وتنموية لتعزيز البنية التحتية في مأرب    جوائز غلوب سوكر: باريس والبرتغال ويامال الأفضل    مطالب حضرمية لمجلس الأمن بالتحقيق في مصافي الخشعة وتمويل الإرهاب    سياسي جنوبي يثمّن شراكة التحالف مع الجنوب ويؤكد: النصر في 2015 صُنع بوضوح الموقف لا بالمساومات    اغتيال جار الله عمر.. اللحظة التي دخل فيها ملف الإرهاب في اليمن دائرة التوظيف السياسي    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على سقطرى والسواحل والمرتفعات المحاذية    تشييع جثمان الشهيد المقدم توفيق العسيقي في التعزية    مدارس أمانة العاصمة تحتفي بعيد جمعة رجب    مركز البحر الأحمر للدراسات يصدر كتابين جديدين حول الهجرة الأفريقية غير الشرعية إلى اليمن والقضية الفلسطينية    منذ أكثر من شهر.. مليشيا الحوثي تمنع دخول عشرات الشاحنات المحملة بمادة الأخشاب    الشتاء يتحول إلى كارثة إنسانية: 20 وفاة وآلاف النازحين بالعراء في غزة    عاجل: أهم نقاط البيان.. سيئون تجدد العهد لاستعادة دولة الجنوب وتفوض الانتقالي خيارًا نهائيًا بلا تراجع أو مساومة    ورشة حول الصحة والسلامة المهنية بصنعاء    ميلان يقسو على فيرونا بثلاثية ويعتلي صدارة "الكالتشيو" مؤقتاً    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    تحت شعار الهوية والانتماء.. جامعة صنعاء تُحيي ذكرى "جمعة رجب"    صنعاء.. صدور حكم استئنافي في قضية الصحفي محمد المياحي    صنعاء: المكاتب التنفيذية تُحيي ذكرى "جمعة رجب"    الصين: تأسيس أكثر من مليون شركة جديدة في 11 شهرا    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    هروب    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    في صنعاء.. هل ابتلعنا "الثقب الأسود" جميعًا؟    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    القوات المسلحة الجنوبية تضبط مصفاة غير قانونية لنهب النفط داخل مزرعة متنفذ شمالي في الخشعة    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميثاق أهل الكهف
نشر في عدن الغد يوم 24 - 08 - 2016

في ليلة ما غادر أهل الكهف كهفهم. أجبرتهم التغيرات على الخروج، لكن عشق الكهف بقي في أعماقهم.
بنوا بيوتا أحدث لكنهم جعلوا سقوفها منخفضة، وأبوابها واطئة وشبابيكها صغيرة. حرصوا على إبقاء أضواء غرفهم معتمة وشحيحة تحاكي أضواء الكهف الذي يعيش داخلهم، ولعنوا في كتبهم المقدسة أولئك المنحرفون الذين يرفعون سقوفا أعلى لبيوتهم.
أصبحت لغتهم قديمة وغير مفهومة لكنهم أصروا على استخدامها لأنها في قناعتهم لغة أهل الفردوس. وصارت عملتهم قديمة وغير قابلة للتداول لكنهم دافعوا عن قدسية عملتهم واتهموا كل العملات الجديدة بالزيف والتزوير.
لم تعد المشكلة كيف يخرجون من الكهف، بل كيفية إخراج الكهف منهم.
بناء على لغة الكهف القديمة، خرج لنا مجموعة من رجال الدين اليمنيين بمشروع " ميثاق العمل الدعوي بين علماء ودعاة اليمن"، االغرض منه حسب الديباجة "نبذ الفرقة والاختلاف... وسد أبواب الفتن". غير أن الميثاق أثار لغطا كبيرا حتى قبل نشره بسبب ما احتوى عليه من "ألغام" فكرية ومذهبية ومواد جدلية بنيت اعتمادا على عملات مذهبية لم يعد لها قيمة نقدية أو تبادلية في عصر الجينوم وحقوق الانسان من أمثال: محبة آل البيت، والتكفير، أهل السنة والجماعة، والولاء والبراء، والبدعة.
أبرز مادة اثارث الجدل كانت المادة 30 من الميثاق التي نصت على: "مودة آل بيت رسول الله - ص - المتبعين لسنته، الموالين لأصحابه وازواجه...". ولم يكن سبب الغضب الذي أثارته هذه المادة أن مفهوم "آل البيت" مفهوم تمييزي وعنصري لم يعد له مكان في القرن الحادي والعشرين فقط، بل الأكثر من ذلك أن اليمنيين يخوضون معركة دموية منذ سبتمبر 2014 ضد حركة طائفية أسقطت الدولة وفككت المجتمع تحت دعوى محبة آل البيت وحصر السلطة فيهم. وما كان اليمنيون يقاتلون لإسقاطه بالأرواح والدماء جاء علماء الكهف لشرعنته في جرة قلم.
لاحقا تم حذف المادة قبل إعلان الميثاق تجنبا لردود الفعل الغاضبة، لكن وجود المادة في المسودة دليل واضح على العالم الفكري القديم والمتأخر الذي يعيشه صائغو الميثاق. لكن ألغام البيان لم تنته بعد، فالخرافة لها قوة العلم عند سكان الكهف.
في المادة 11 يقرر الميثاق أن "كرامات الأولياء والصالحين حق، وليس كل أمر خارق لعادة كرامة، بل قد يكون استدراجا، أو من تأثير الشياطين والمبطلين..."!
في الوقت الذي نحاول فيه تعليم أبنائنا أبسط قواعد التفكير العلمي، تأتي مادة واحدة فقط لترسخ مفاهيم غير علمية وغير عقلانية مثل "الكرامات" و"الخوارق". وخطورة هذه المادة أنها لا تكشف العالم الفكري الخرافي للعلماء والدعاة فقط، بل ترسم لنا صورة واضحة عن العالم الفكري الذي يحاول هؤلاء فرضه على الناس.
قام المعتزلة قديما ورواد الإصلاح الديني حديثا برفض كل حكايات الخوارق والمعجزات، وقالوا إن المعجزة الوحيدة في الإسلام كانت القرآن لا غير، لكن كل تلك الجهود لعقلنة الإسلام يجري التضحية بها على مذبح السلف لنعود من نقطة الصفر.
لم يتحدث البيان عن المواطنة المتساوية والديمقراطية والعلم ومكافحة الإرهاب والتعايش وحقوق الإنسان وحقوق المرأة. العالم كما يفهمه علماء ودعاة اليمن لا يفهم هذه المصطلحات، بل يفهم مصطلحات أخرى مثل "الروافض" و"المبتدعة " و"المرجئة" و"الزنادقة" و"الحرورية"، وهي الألفاظ التي احتشد بها الميثاق في مواده الستة والسبعين.
المادة 31 مثلا نصت على "رفض التقارب مع الفكر الرافضي، لما له من آثار خطيرة على عقيدة الأمة ووحدتها". من يعرف السياق اليمني لكلمات مثل "النواصب" و"الروافض"، يدرك البعد الطائفي وراء استخدامها لتأجيج الصراع الزيدي- الشافعي داخل المجتمع. ورغم أن ديباجة الميثاق نصت على نبذ الفرقة والخلاف والفتن، إلا أن أغلب مواده تشعل فتنا حاضرة أو تعيد الروح إلى فتن كانت قد انتهت واندثرت.
غابت قضايا العصر عن الميثاق وحضرت صراعات الماضي. هناك مثلا مواد تكرر نفس الخلافات العقائدية القديمة بين الأشاعرة والمعتزلة والحنابلة حول الزيادة والنقص في الإيمان والجوهر والصفات. ولك أن تضحك كثيرا عندما تتحدث إحدى المواد عن تكفير من يقول "وحدة الوجود"، وهي المعركة الفكرية القديمة بين المتصوفة والفقهاء قديما والتي لم يعد لها وجود في الفضاء الفكري المعاصر.
احتوى الميثاق على 7 مواد "تكفيرية" إما تحمل تكفيرا واضحا لفكرة معينة (فصل الدين عن الدولة مثلا، أو التبرك بالأولياء) أو تروج للتكفير كحكم شرعي عبر توسيع أنواعه إلى كفر عملي وكفر اعتقادي وكفر قولي وكفر عام وكفر معين.
ورغم ادعاء معدي الميثاق أنهم يعتبرون أنفسهم "جماعة من المسلمين" وليس "جماعة المسلمين"، إلا أن اصرارهم على تسمية "أهل السنة والجماعة" وهو الاسم الدبلوماسي المخفف لمفهوم "الفرقة الناجية"، لا يترك لنا مجالا كبيرا لافتراض حسن النية في صياغة المواد واختيارها.
بقيت نقطة أخيرة هي حضور الأمين العام للتجمع اليمني للاصلاح (الفرع اليمني للإخوان) لحفل التوقيع، وهو حضور طبيعي خاصة أن كل العلماء والدعاة الموقعين محسوبين عليه وعلى تفرعاته السلفية مثل "حزب الرشاد". لكن سيطرة الرؤية "الوهابية" على البيان عقيدة وشريعة، خطوة غير متوقعه ينتقل فيها حزب الإصلاح إلى التبني الواضح لمذهب معين "الحنبلية الوهابية" كمرجعية عقدية، بعد أن كان يطرح نفسه كحزب يتعالى على المذاهب ويأخذ منها كلها بما يوافق صحيح الإسلام.
إنها صفقة فاوستيه مع المؤسسة السعودية الدينية والسياسية، ومحاول لفك الحصار المفروض على الإخوان ولو من نافذة المذهب.
حاول أهل الكهف القدامي السير مع العصر الجديد الذي وجدوا أنفسهم فيه. فغيروا عملاتهم المعدنية وملابسهم ولغتهم.. أما أهل الكهف الجدد فيريدون تحويل العالم كله إلى كهف ليتناسب مع عملاتهم القديمه التي احتفظوا بها قبل النوم. لم يعد الكهف ذلك المأوى الحجري الذي يحتوي أجسادهم ليلا، بل صار الكهف اتجاها عقليا واستعدادا نفسيا ووجدانا في أعماق نفوسهم.
لم تعد المشكلة كيف يخرجون من الكهف، بل كيفية إخراج الكهف منهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.