بعيدا عن التشعبات والتعقيدات الحاصلة في اليمن شمالا وجنوبا، أتحدث في هذا المقال عن ما تعانيه تعز من ناحية إنسانية بحته. تعز باختصار تدفع ثمنا غاليا لم تدفعه أي مدينة شمالية أخرى، إذا استبعدنا الجنوب الذي شنت عليه حربين مدمرة استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة بما في ذلك الطيران، وبين تلك الحربين حرب غير معلنة، قتل وقمع وتنكيل واضطهاد ولازالت تلك الأدوات تعبث في الجنوب إلى الآن.
نتحدث عن تعز من بين 14 محافظة شمالية أغلب تلك المحافظات لم تعرف هل هناك حربا أم لا "كما يقول بعض أبناء تلك المحافظات" وهذه المحافظات منذ بداية انقلاب صالح والحوثي على الحكم في اليمن، وانطلاق عاصفة الحزم، لم نسمع ذكر اسم أي منها في أي وسيلة إعلامية وكأن تلك المحافظات تابعة لبلد آخر وليست لليمن.
لماذا كل هذا يحدث في تعز؟ لماذا هذا الصمت الرهيب عما يحدث في تعز؟
المشكلة في تعز هي أن قيادات تعز وشيوخها ورجال أعمالها انقسموا بين شرعي وانقلابي، وأصبح الطرف الأقوى هو الموالي للانقلاب بسبب الامكانيات المادية والعسكرية، ووجود الدولة العميقة التي حكمت اليمن أكثر من 33 عاما بقيادة صالح، وقبلها الإمامية التي أصبحت طرف من أطراف الانقلاب التي حكمت اليمن مئات السنين، بالإضافة إلى إن الطرف الموالي للشرعية استحوذ عليه الإصلاحيون غير المرغوب فيهم داخليا وخارجيا، وهو ما جعل تعز تدفع كل هذه الفاتورة الباهظة من دماء أبنائها، وتتعرض كل تعز للحصار والدمار والتجويع والترويع.
ما يحدث في تعز شيء غريب وعجيب ومذهل من جميع الأطراف، لم أر أي طرف من الأطراف يقف إلى جانب أبناء تعز وقفة حقيقية، أو حتى مجرد تعاطف، جراء ما تتعرض له هذه المدينة من إبادة، لا أحب التكهن بشيء لأنني لست من أصحاب الاختصاص وإنما مواطن عادي أتاثر لما يحدث لهذه المدينة من الخراب والدمار والإبادة من قبل أنصار صالح والحوثيين وبتسهيل ومشاركة بعض وجهاء وقيادات المحافظات الشمالية الأخرى المجاورة لها.
تعز نهض فيها شباب يعشقون الحرية والكرامة خرجوا إلى الشوارع حفاة لمواجهة آلة القمع الحوثوعفاشية، حاول حزب الإصلاح اختطاف تلك المقاومة بعد خسارته الكبيرة في شمال الشمال وفي الجنوب، ولم يتبق لحزب الإصلاح إلا تعز وبعض محافظات الوسط، فحاول ركوب موجة المقاومة في تعز من خلال بطولات ومعارك وهمية وفبركات إعلامية وصلت أحيانا إلى حد السخرية بدماء الشهداء والجرحى وبمصير اليمن، وللأسف نجح حزب الإصلاح في ركوب موجة المقاومة في تعز، وهو ما استفاد منه الانقلابيون داخليا وخارجيا، لأن هذا الحزب "أي الإصلاح" منبوذا في الداخل والخارج وخاصة بعد ما سمي بثورات الربيع العربي التي خطط لها وموّلها أعداء الأمة وبتنسيق وتعاون وتنفيذ تنظيم الإخوان المسلمين.
فشلت كل الأطراف المناهضة للانقلاب داخليا وخارجيا من احتواء مقاومة تعز الشريفة والنظيفة ودعمها وتشجيعها بعيدا عن قيادات حزب الإصلاح، وهو ما جعل تعز إلى اليوم تتأرجح بين الشرعية والانقلاب، ولو نجحت الشرعية بطرد الانقلابيين الغزاة من تعز كما تم طردهم من مناطق الجنوب لكانت الأمور بعكس ما نشاهدها اليوم، ولأصبح صالح والحوثي في وضع غير الوضع الذي نشاهدهم عليه اليوم، ولكانت تعز نقطة الانطلاق لتحرير الشمال، لأن تعز هي الثقل السكاني الأكبر في اليمن، والمكان الجغرافي المميز، وبتحرير الجنوب وتعز معناه تحرير اليمن ككل أن صح التعبير، لأن بتحرير تعز سوف تتحرر محافظات أخرى مجاورة لها بأقل تكلفة.
الإصلاح أظهر نفسه على أنه هو من يدير المعارك العسكرية في تعز، وصالح والحوثي استطاعوا حشد الكثير من الناس في المحافظة لمواجهة هذا الحزب الغير مرغوب فيه بكل اليمن، كما أن المقاومة الجنوبية ومعظم الحنوبيون لا يرون فرق بين حزب الإصلاح والحوثيين وصالح، وأعتقد أن دول التحالف أيضا ترى بأن الإصلاح ليس البديل المناسب، بالإضافة إلى اختراق صالح للمقاومة في تعز عن طريق بعض قيادات الإصلاح، وبسبب هذه العوامل وغيرها ضاعت مقاومة تعز الشريفة والنظيفة.
بالرغم من الدعم السخي الذي قدمته وتقدمه دول التحالف العربي من المال والرجال والسلاح، وبالرغم من الاحتقان الموجود باليمن من تصرفات المخلوع وعناصر الحوثي والرغبة الكبيرة للكثير من اليمنيين للقضاء على الانقلاب، إلا أن الحسابات الحزبية والمناطقية التي حملتها قيادات الشرعية إلى دول التحالف العربي وغرستها في عقول بعض شباب اليمن هي من أخرت حسم المعركة. والله من وراء القصد،،،