لقد لاقت مبادرة محافظ عدن اللواء عيدروس الزبيدي التي دعا فيها الى تشكيل كيان سياسي جنوبي موحدة لتمثيل الجنوب، ترحيب غير مسبوق بين أوساط الجنوبيين داخل اليمن وخارجها وهو ما يعد مؤشر طيب لتوحيد الصف الجنوبي. وقد حظيت هذه الدعوة بكثير من البيانات المؤيدة لها وبعض المبادرات التي من خلالها حاول اصحابها بلورة الفكرة وتشكيلها كلٌ حسب رؤيته. وهناك آخرون ابدوا خشيتهم من فشل المشروع وإلحاقه بالمحاولات السابقة التي لم يكتب لها النجاح من قبل، وعبروا في الوقت نفسه عن تخوفهم من الإنتكاسة والعودة الى مربع الصفر. ويأتي هذا التأييد والدعم المؤسسي والشعبي لفكرة المحافظ لشعور عامة الجنوبيين بإلتقائها وملامستها لشيئاً من طموحاتهم وتطلعاتهم، كخطوة أولى على طريق تقرير المصير بإرادة جنوبية بحته. وتشير الدلائل الى ان التوجه الجنوبي المجمع عليه يحرص على مساندته للشرعية اليمنية وعدم الخروج عنها وإستمرار شراكته ومساندته لجهود التحالف العربي وإنسجامه مع توجهاته. ولكن يجب ان نعترف بضخامة التحديات التي تقف أمام إنجاح مشروع الكيان الجنوبي الموحد نظراً لما تحاط به من المحاذير التي تجعله يشبه الى حدٍ كبير من يطلب الإستحمام بالماء شريطة ان لا يتبلل، إلا ان الإجماع الجنوبي حول الهدف المنشود وإن تباينت الطرق والأساليب هو ما يجعلنا نراهن على ضمان نجاحه. لذلك فان أفضل الطرق لإنجاح مشروع الكيان الجنوبي الموحد هي التي تأخذ في الإعتبار الأمور التالية:
1 تلبية طموحات الجنوبيين التي تؤول في النهاية الى نيلهم الحق المطلق في تقرير مصيرهم بانفسهم بحرية تامة. 2 عدم التعارض مع الشرعية اليمنية إلّا بما تقتضيه الضرورة لسد الفراغ بصورة مؤقته من قبيل تشكيل مجلس جنوبي مؤقت لتمثيل الجنوب والشعب الجنوبي. 3 إستمرار شراكة الجنوبيين ومكوّنهم الجديد مع التحالف العربي ومساندتهم لجهوده الرامية الى إستعادة الشرعية اليمنية ودحر الإنقلاب. 4 إستيعاب كل القوى والشرائح الجنوبية المختلفة والابتعاد عن الاقصاء والتهميش وتخوين الآخرين والعمل على إحيا مبدأ "الجنوب يتسع لكل الجنوبيين". 5 العمل وفق مخرجات الحوار الوطني المتفق عليها كخطوة أولى تتيح للجنوبيين تأسيس سلطات الجنوب التشريعية الشرعية المخولة بسن القوانين والإنظمة الخاصة بالجنوب والشعب الجنوبي.
ومن هذا المنطلق وتلك الاعتبارات نقترح ان تكون خطوات تشكيل الكيان الجنوبي الذي ينشده كل الجنوبيون حسب الخطوات التالية:
1 تشكيل لجنة إشرافية علياء ذات مستوى جيد من الكفائة والخبرة ينتدب اعضائها من اقليمي عدن وحضرموت تعمل على التنسيق بين الاقليمين والإشراف على تشكيل حكومتي الاقليمين المحلية وتقديم المشورة والنصح كلما اقتضت الضرورة. 2 يقوم كل إقليم بتشكيل لجنة داخلية ينتدب اعضائها من محافظات الاقليم تعمل علي التنسيق بين محافظات الاقليم والبدء في تشكيل حكومته المحلية. 3 عند إستكمال تشكيل حكومتي الاقليمين ومباشرة كل حكومة عملها في إدارة الاقليم تعمل لجنة الاقليمين العلياء بالتنسيق والترتيب مع حكومتي الاقليمين علي تشكيل مجلس سياسي أعلى مؤقت يتفق على أعضائه من الاقليمين وتكون مهمته تمثيل الجنوب في المحافل الدولية وأمام الحكوكة المركزية. 4 يمكن لكل إقليم متى ما تهيأت له الظروف البدء في الشروع في صياغة دستور الإقليم وإجراء الإستفتى الشعبي عليه. 5 الخطوة الأخيرة التي سيقوم بها كل من إقليمي عدن وحضرموت هي إجراء الإنتخابات البرلمانية الداخلية لإنشئ مؤسسة الإقليم التشريعي.
تلك هي الخطوات الآمنة لإنشاء كيان جنوبي موحد وهو ما يمثل المرحلة الأولى على طريق تحقيق الإرادة الجنوبية بحرية تامة، وفي نفس الوقت لا تتعارض هذه الإجراءات مع توجه الحكومة الشرعية ولا مع جهود دول التحالف العربي. وفي الأخير ينبغي علي ان أعترف لكم ان ما كتبته اعلاه ليس إلا خلاصة نقاش مستفيض مع شخص مختل عقلياً يصنفه المجتمع ب "المجنون" وقد استهل حديثه بقوله: "غسلوني ولا ترذموني" أي اغسلوني بالماء دون ان يتبلل بدني، وهذا ما شد انتباهي اليه وسؤاله عن المقصود من ذلك المثل، فقال: "ان هذا هو حال الجنوب والقضية الجنوبية" ثم صرخ قائلاً: "ولكن الحل عندي". لقد اُعجبت بالمثل الشعبي وبمدى تطابقه مع وضع الجنوب فحرصت على استمرار النقاش لإكتشف انني أمام مخزون فكري مهول رأيت فيه المخرج المناسب للجنوب وأهله فقررت ان اعيد صيغة أفكار المجنون بأسلوبي الخاص لأهميتها ثم نشرها للجميع، فهاي بين أيديكم فأرجو ممن استحسنها ان يساهم في نشرها على أوسع نطاق ممكن فقد ضل أصحاب العقول الطريق وربما ان لا يرى الطرق الآمنة إلّا المجانين فخذوا الحكمة من أفواه المجانين.