تقرير/ فهد البرشاء من بين ركام الماضي وتحديات الواقع, أوقدن شمعة العلم, وواجهن الصعوبات وآثرن أن يحملن مشاعل العلم والمعرفة لينرن ظلمات الجهل, وليثبتن أنهن (شقائق) الرجال, ومشاعل العلم وكواكبة الدرية..
من هناء كانت البداية, ومن هناء كانت الفكرة, وهناء يكمن التحدي والقوة في أن يكنّ أو لا يكنّ, لم تثنهن ذلك الصراع الطويل , ولم يحبطهن الواقع المزري, كان لسان حالهن أن تنال شرف (التجربة) خيرا من عدمها..
وفعلا كان لهن هذا, وشمرنّ عن سواعدهن, وحملن على كاهلنّ وعاتقهن هم هذه المدرسة, وسرنّ نحوها يحملنّ في صدروهنّ حلم أن يُعاد لهذه المدرسة ماضيها (التليد) وأمجادها الغابرة بعد أن توقفت قسراً ولسنوات (عجاف) وأحالها البعض إلى (زريبة أغنام ومقايل (قات) وحظيرة للحمير والأبقار ومأوى للكلاب الضالة.. كان لابد أن يكنّ عند مستوى التحدي والمسئولية ويواجهن تحدي الواقع البائس بتحدي الأمل والحلم الجميل والغد الباسم الضاحك, رغم أن حال المدرسة (يرثى) له ويندى له الجبين وتدمع له العين, فهي أطلال مبنى خاوٍ لا حياة فيه ولا روح بعد أن فعلت به عوامل (التعرية) البشرية فعلتها وأستولت على معظم ممتلكاتها, بعد أن كانت صرحا من صروح العلم والمعرفة لتهوي إلى الحضيض وتغدوا في خبر كان..
هكذا نمى إلى علمي وهكذا حدثني الكل, ليشدني كل ماقيل لزيارتها والتجول في أروقتها وحرمها والإطلاع عن كثب عن حالها ومرافقها, فشتان بين أن تسمع وبين أن تشاهد, فحملت أمتعني وقد رسمت لهذه المدرسة التي تقع في الأطراف الغربية لمنقطة (أمصرة) أو مدرسة (دوفان) كما يطلق عليه الأهالي, صورة بهية جميلة زاهية الألوان..
دقائق بالسيارة أستقرقتها الرحلة بسيارة مدير تربية لودر الأستاذ/ ناصر عوض موسى الذي أردت أن أواجه التحي به وأضع أمامه النقاط على الحروق فمن أحسن يُكافئ ومن أسأ فعليه وزره..
بداية المعاناة دلفت من بوابة المدرسة لتبدأ حكاية المعاناة والحرمان والحاجة من أمام بوابتها المتهالكة التي (اكلها) الصدأ, ولا يسند ضعفها سوى أحجار كبيرة كي تقف صامدة في وجه الرياح والأعاصير, وربما نسائم الهوى الباردة, فتبادر إلى ذهني تساؤلات عدة: أيعقل أنها كانت مدرسة محورية ومرتكز للعملية التربوية في هذه المنطقة, ثم من أزرى بها, هل الدهر أم عوامل التعرية البشرية, أم أن صمت الجهات المعنية أعطى (صكوك) النصب والسرقة للعابثين بها؟ ما أن دخلنا حتى بدأت أكوام التراب وسكون المكان وعلامات الإقامة الجبرية التي تبدوا جلية واضحة على الفصول الدراسية التي تظهر معاناة السنوات العجاف والإهمال والفوضى والعبثية وربما الصمت القاتل من قبل المعنيون والأهالي الذين للأسف أنشغلوا بأعمالهم ومصالحهم وتركوا صروح العلم والمعرفة ليطالها الحرمان والإهمال, وتطالها أيادي العابثين والمخربين الذين لم يتركوا شيئا إلا أتوا عليه وجعلوه كالرميم حالهم كحال النار تأكل الأخضر واليابس..
سكون وحرمان لم يكن في هذه المدرسة مكتب كي نحط رحالنا فيه أو نلتقي فيه بإدارتها أو وكيلها أومن يدير شؤونها, ففضلت أن أجول وأصول بين فصولها وأسبر أغوار المعاناة التي تحتويها هذه الفصول, وأكسر حاجز السكون, وهناء كانت الصدمة وتملكني الألم, ليس على أهالي هذه المنطقة ولكن على حال (جيل) يبحث عن العلم والمعرفة ويحاول أن ينتزعه من (فكي) اللأمبالاة والإهمال والتجاهل وعدم الإهتمام, ويسعى لأن يتعلم رغم كل هذه العقبات والمشاكل في (بلد) يحتكم أهله للبارود والنار..
مقومات معدومة فكانت المفاجئة وكانت الصدمة,وتعاظم الألم حينما شاهدت بأم عيني حال جميع الفصول الدراسية التي تفقتر لأبسط مقومات العمل التعليمي, وحُرمت من أهم وأبسط الإحتياجات التي كفلها لها قانون التربية والتعليم في شتى بقاع الأرض, وعادت بي الذاكرة للخلف سنوات وتذكرت حينها حالنا مع التعليم والحاجة لمقوماته الأساسية ولوازمه الضرورية..
الحرمان من الأثاث وللزائرين من بعدي أو المسئولين أن يحكموا على هذا الواقع المتردي والموجع, فمدرسة ذات تاريخ عريق وناصع كمدرسة (دوفان) ولا يوجد بها أثاث مدرسي أو مقومات الفصل الدراسي يعد (مصيبة) ووصمة (عار) على جبين كل من يشاهد هذا الواقع ويتعامل معه بلا مبالاة وإهتمام ومن منطلق القاعدة السائدة (نفسي) نفسي,بل ومن المخزي أن نكون في ظل هذه الطفرة العلمية والتكنلوجية التي أجتاحت العالم ولا نجد في مدرسة كهذه (سبورات – مراوح – طاولات –وسائل تعلمية) ناهيك عن حال الفصول الدراسية المتهالكة والمشققة..
نقص الكتاب المدرسي ويضاف إلى رصيد معاناة الطلاب معاناة أخرى تعد من العوائق والعراقيل إلا وهي نقص الكتاب المدرسي وعدم توفره في كل الفصول الدراسية, ويشكل معضلة أمام الطالب والمعلم على حد سوأ فالمعلم يحتاج له وكذلك الطلاب وعدم توفره يعد من اهم المشاكل, إذ أن توفره سيخفف إلى حد كبير من المعاناة على الطالب والمعلم.. أحلام بسيطة رغم ذلك الالم والحرمان إلا أن الطالبات تجيش صدورهن بأحلام بسيطة جدا, ولن تتحق هذه الأحلام إلا متى ما كانت هناك ناوي صادقة وجادة نحو تحقيها من قبل المعنيين في مكتب التربية بالمديرية والمحافظة وكل الخيرين, كي تستشعر الطالبات أنهن في أجواء تعليمية حقيقة أسوة بباقي مدارس المنطقة, هذه الأحلام ربما تكون يسيره لكنها أمنيات كبيرة تنتظرها الطالبات بفارغ الصبر وتتمثل في ( أنشطة صفية – مسابقات صفية – طابور صباحي – وسائل تعليمية – دورات مياه – جرس -) فهل ستتحقق هذه الأمنيات ام ستظل في ترقد في جنبات المحال..
إحباط وتذمر رغم إن التحدي بدأنه المعلمات, وهنّ من قاد خطواته الأولى وسار في طريقه, وهنّ من صمم على تخطي هذا الواقع رغم صعوبته, وهن أيضا من بادرنّ بأنفسهن (لتنظيف) المدرسة من مخلفات الأغنام والبشر وأكوام القمامة, وكنّ يحملن في صدورهن حلم أن تغدوا هذه المدرسة من أفضل المدارس, إلا أنني وخلال حديثي مع معظمهن لا حظت حالة من التذمر واليأس في نبرة صوتهنّ,وهذا طبعا من إنعكاسات الواقع الذي تعيشه المدرسة والحال المزري الذي تمر به, في ظل عدم إهتمام المعنيون في المديرية والمحافظة بحال هذه المدرسة وكذلك تنصل الأهالي وتهربهم من الواجبات المنوطة بهم تجاة مستقبل أبنائهم الذي يكابدون من اجل مستقبل بات اليوم أشبه بالمحال..
وعود تنتظر المدرسة مدير تربية لودر الأستاذ/ ناصر عوض موسى الذي كان رفيق رحلتي للمدرسة والذي سبق وأن زار هذه المدرسة بإفادة الكل بدأ متحمسا واجزل في الوعود لهذه المدرسة التي ربما لامس إلى حد كبير هموم ومشاكل المدرسة وربما عزفت على الوتر الحساس, كلها وعود تصب في مصلحة العمل التربوي والعملية التعليمية في المدرسة, وربما تكون قد أعادة شيء من الأمل المفقود لهذه المدرسة, لكنها في النهاية تظل مجرد وعود إلى حين تترجم على أرض الواقع وتعود بالنفع على الطلاب..